أهل الخبرة يضطرون لقبول أعمال صغيرة

ترجمة: د. عبد الوهاب حميد رشيد

إنهم معلمون، فنانون وضباط الجيش، فعندما يكون الاقتصاد في حالة فوضى، عندئذ يعيش آلاف الكفاءات العراقية بمستوى معيشة من اليد إلى الفم (الكفاف)، ويعتمدون على أعمال صغيرة للبقاء على قيد الحياة.

إن وعود حكومة الاحتلال لإنعاش الاقتصاد قد فشلت، رغم تصاعد الميزانية السنوية لتصل إلى 48 بليون دولار (33 بليون يورو) هذا العام- أكثر من ضعف ميزانية النظام العراقي السابق.

مدرس الجغرافية- أسد محمد (36 عام)- واحد من عشرات الآلاف ممن فقدوا وظائفهم بعد الغزو/ الاحتلال الأمريكي للبلاد، هذا الغزو الذي تسبب في انحدار اقتصادي حاد وإجراءات تصفية عميقة للقطاع العام- القطاع الرئيسي للاستخدام في البلاد، يمارس أسد محمد حالياً بيع الألعاب وسط بغداد، وفي هذه الأيام فإن هوس ألعاب الأطفال أكثر أهمية من علوم البيئة والجيولوجيا.

"أحلم أن أعمل مرة أخرى في وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي، لكن الأبواب لا زالت موصدة رغم محاولاتي المتكررة،" قالها محمد الذي يتجه يومياً من المحمودية (30 كم/ 20 ميل جنوب بغداد) إلى العاصمة العراقية لعرض ألعابه.

صار القطاع العام الضخم - المهيمن على اقتصاد البلاد في ظل النظام السابق - الأكثر تعرضاً للانهيار بعد الغزو/ الاحتلال، تم الاستغناء عن الرسميين في النظام السابق، وتمزق هذا القطاع في سياق التوجه المحموم للاحتلال نقل العراق إلى اقتصاد السوق.

يصعب الحصول على بيانات إحصائية موثقة، لكن تقديرات البطالة تتراوح بين 25% و 48%، ويُقدّر الرسميون في العراق أن 43% من سكان العراق يعيشون تحت مستوى خط الفقر (دخل يقل عن دولار يومياً).

من بين هؤلاء العاطلين كذلك سعد زهير (34 عام)، تخرج من كلية الفنون قبل أربع سنوات، وحالياً يتنقل من باب إلى باب باحثاً عن عمل يوفر معيشته وزوجته وأطفاله الأربعة، عندما تحدث إليه مراسلAFP  كان في وسط بغداد يتنقل من محل إلى آخر مع ملابسه الملطخة بالألوان وهو يحاول بيع خدماته الفنية.

يحمل حقيبة وفي داخلها عدته من الفرشاة والألوان، منتظرا من يطلب منه أن يرسم له صورة أو منظراً طبيعياً، "أبحث عن عمل دائم منذ أربع سنوات دون نتيجة،" قالها زهير، والشعر الأبيض يُغطي رأسه، رغم شبابه، "بسبب المحاباة أو الفساد وعدم انتمائي لحزب مؤثر، عليه بقيت عاطلاً عن العمل،" حسب قوله، مضيفاً أن آلاف خريجي الجامعات هم في وضع مماثل. "شعرت بألم عميق في داخلي إلى درجة الصراخ عندما قررت مرة أن أنضم إلى الشرطة آملاً الحصول على عمل،" ومع ذلك فإنه لم ينجح حتى في هذه المحاولة.

وبعد خمس سنوات من الاحتلال وازدهار العائدات النفطية، يبقى المستثمر الرئيسي في مجال الاقتصاد والاستخدام (النفط) عاجزاً عن توفير فرص العمل للعاطلين.

ذكر مهندس كومبيوتر عرّف نفسه بـ (M.S.) بأنه كمثل الآلاف الآخرين، حاول الحصول على عمل حكومي ولكن دون جدوى، "وحتى دفعت أكثر من 500 دولار لتسهيل حصولي على عمل لكن بدون فائدة،" قالها وهو في محل صغير قام بتأجيره في الباب الشرقي وسط بغداد، حيث يمارس هذه الأيام تصليح أجهزة الكومبيوتر الشخصية لتوفير معيشته، وحسب قوله "إن الحالة الاقتصادية صعبة جداً، أعمل ساعات طويلة يومياً ولا زلت غير قادر في الحصول على إيراد كاف يوفر مستوى مقبولاً من الحياة المعيشية".

أحد ضباط الجيش العراقي السابق يدير كشك حلويات على الرصيف قرب سوق الشورجة المشهورة في بغداد، كان ضمن بقية عناصر الجيش ممن فقدوا أعمالهم ووسائل رزقهم، وبقي متردداً في محاولة العودة إلى عمله رغم تمرير قانون يفتح المجال لعودة أعضاء الحلقة الوسطى لحزب البعث في النظام العراقي السابق.

"الحديث مرة أخرى عن العمل في الحكومة مسألة لا جدوى منها،" قالها ضابط آخر في الجيش رفض ذكر هويته، كما أن أعداداً كبيرة من الجيش العراقي السابق تجنبوا الخدمة في القوات الحالية خوفاً من اكتشاف هويتهم وجعلهم أهدافاً في الحرب الطائفية - وليدة الاحتلال - والتي لا زالت فاعلة في أجزاء من العاصمة.

شاب أعزب (20 عام) خريج قسم العلوم، يعمل سائق تاكسي- فولكس واغن قديم- في الكاظمية- شمال بغداد، هو أيضاً غير مرغوب فيه، "بحثت عن عمل في وزارة الصحة، حيث يمكنني استخدام مهارتي، لكني لم أنجح في محاولتي،" قالها مع رفض ذكر هويته.

Iraqi professionals forced to take small jobs,(Salam FarajWed, AFP), uruknet.info, Feb 20, 2008.