بطلات: الحياة اليومية لأرامل حرب العراق
ترجمة: د. عبد الوهاب حميد رشيد
بحدود 82% من ألـ 2.4 مليون عراقي مشرد داخل العراق من النساء والأطفال دون سن الـ 12 عاماً، أمهات كثيرات فقدن أزواجهن نتيجة العنف الطائفي (وليد الاحتلال) والذي مزّق الشعب إرباً، ولكن في مواجهة المحنة، يُبرهن حقيقة بأنهن بطلات.
القصص الحقيقية التالية جُمعتْ من قبل منظمات نسائية في العراق مع حلول الثامن من مارس- يوم المرأة العالمي- وتعكس مشاهدات بارزة لدور الأرامل في تحمل أعباء عائلاتهن وحفظها على قيد الحياة وفي نفس الوقت حفظن كرامتهن في أوقات المعاناة الشديدة.
* قصة سهير
بالنسبة إلى أرامل الحرب ممن اضطررن الانتقال إلى ضواحي بغداد من أطراف البلاد في محاولة لتدبير حياتهن، كل يوم يُجسّد لهن كفاحاً من أجل البقاء، "أعداد كبيرة منهن شابات- ولسن كما هو معتاد بسيدات عجائز وفق تصوراتنا في الظروف الاعتيادية،" أضافت سهير "بدون طعام وكهرباء يصبح الأمر صعباً وأكثر صعوبة لعائلاتنا، عندما ننهض صباحاً فإن أول شيْ نُفكر فيه هو ما إذا كان عندنا أي قدر من الكهرباء أو الوقود لتحضير طعام العائلة."
نساء مثل سهير يتحملن مخاطر عالية ببيع ما لديهن - عادة العلكة والمناديل الورقية - في المستشفيات التي تواجه العنف، "وهذه الظاهرة قلما لوحظت قبل العام 2003"، أضافت سهير "نحن النساء نواجه مخاطر عديدة في ممارسة أعمالنا، مخاطر الحفاظ على حياة أطفالك، خوف مستمر من فقدان حياتك، يتوقف تفكيرك عندما تشاهد في طريقك سيارة قريبة منك ويتملكك الرعب من احتمال انفجارها"، لم يعد مقبولاً عربات في مداخل الشوارع خوفاً من الانفجارات، "وحتى في الصيف، نحن نبيع الغاز في درجة الحرارة تصل إلى 60%-70% فهرنايت"، تستمر سهير في حديثها "نذهب إلى محطة الغاز، ننتظر في صفوف لساعات، ونحصل على القليل جداً مقابل عملنا الصعب، علينا الذهاب إلى السوق يومياً في ظروف ندرة الكهرباء والطعام يتطلب الحفظ، بخاصة في الصيف، وقلما تستخدم الثلاجات لأغراضها الأصلية في البيوت حيث تحولت إلى دواليب إضافية."
ليس من المستغرب أن يسيطر الرعب على النساء المتجولات العاملات، بخاصة عندما يقمن بزيارة مناطق معروفة بالعنف من أجل توفير معيشتهن: الأسواق، محطات الوقود، والشوارع المزدحمة.
"عادة ما تتملك الأم الرعب عند حصول انفجار و/أو إطلاق الرصاص، نتحرى الأمر للاطمئنان على أطفالنا، باعتبارنا أمهات لا نستطيع أن نخفي الحقيقة التي تحيط بنا طالما يُشاهد أطفالنا سقوط الضحايا يومياً، إذ أصبح مثل هذا المشهد اعتيادياً في حياتهم، ولكن باعتبارنا أمهات علينا أن نكون مصدراً للعطف والأمان والهدوء لأطفالنا، علينا أن نخفي شعورنا، نحفظها لأنفسنا، وهكذا نحاول أن لا يشعر أطفالنا بالخوف والقلق."
* قصة هدى
في منزل هدى، يصعب أن تفوتك ملاحظة الفتحة المفتوحة الناجمة عن سقوط قنبلة (مورتر)، ثلاث أرامل وسبعة أطفال لا زالوا أحياء هنا، المجاري تتدفق خارج المنزل في قناة مفتوحة لتصب أخيراً في بركة كبيرة، الأطفال يلعبون في هذه المياه، إنهم حفاة وعليهم ملابس قذرة ممزقة.
تقول هدى أنها فقدت زوجها وابنها الأكبر في السنة الأولى من الصراع، مات ابنها الثاني بعد فترة قصيرة تاركاً زوجة وخمسة أطفال، إنها مسألة صعبة التصديق كيف أن هدى تُدبر أمور عائلتها، المنطقة التي تعيش فيها لا توفر فرص العمل، وعليها تدبير أمور حياتها بالعمل خبازة ومقايضة خبزها مع الجيران، تنور قديم من الطين في الغرفة وحوله قطع من الأغصان والأخشاب.
تذكر هدى كيف أن الأمور تغيرت منذ بدء الحرب، "كانت الحياة صعبة ولكن ليس كصعوبة الحياة حالياً، كان زوجي بتحمل كافة المسئوليات في حياته، أما الآن فأعمل من الفجر إلى المساء، أصبحت مثل ماكينة، لا أشعر بمتعة الحياة، بل أعمل حتى لا نحتاج إلى مساعدة من أحد، "تضع أحد أطفالها في حضنها وتمسح على رأسه ووجهه وتقول "نعيش بمستوى الحد الأدنى، أعمل طوال النهار لتوفير طعامنا، إذا لم أتمكن من العمل نأكل ما تبقي من الخبز أو طعام قديم مع الشاي، لا نستطيع الذهاب إلى طبيب إذا أصبنا بمرض.
"كانت حياتنا أفضل بكثير مما نحن عليه الآن، اعتدنا أن نقول دائماً أمس كان أفضل من اليوم، نحن الأرامل نتحمل كافة المسؤوليات بعد فقدنا لمعيلينا، وكل يوم تزداد حياتنا صعوبة."
* قصة بسيمة
طريق قذر يقود إلى منزل بسيمة في ضواحي بغداد، رأيناها جالسة تحت الشمس تُراقب أحفادها، والد الصغار مفقود وضمن "حالات اختفاء المفقودين دون توفر أخبار عن مصيرهم"، بسيمة بحدود الـ 60 عاماً، تلبس السواد، كما هو حالها منذ عقود - علامة حزنها على المفقودين من عائلتها.
المنزل مبني من الطين، يحتوي على غرفة واحدة مع شباك صغير وباب، صبغت الحائط بالجص والأرضية مغطاة بسجاد من القصب، سقط جزء من السطح وعليها أن تبني سطحها بمفردها من الطين والقش، والنمل الأبيض يغطي أجزاء المنزل.
تقول بسيمة أن منزلها يبعد 3 كم عن أقرب مصدر للماء، "لدي حاويتين من البلاستيك لجمع الماء فيهما، أحدهما يسع 20 لتراً من الماء، أستعير أحياناً حمار الجيران لحمل الماء لكن اعتيادياً أحمله بنفسي، الظروف هنا سيئة جداً، لا ماء، لا نفط، ولا توجد كمية كافية من الغاز، منذ وفاة زوجي لم أحصل على تقاعد، أعمل كل شيء بنفسي."
تتدفق الدموع على وجنتيها وهي تضع حفيدها في حضنها، الطفل نحيف وعليه بلوزة خفيفة لا تحميه من برد الشتاء أو حر الصيف، الطفل يمتص إبهامه، عادة يمارسها منذ مقتل أمه مع جده، أبوه وخاله.
تشتغل بسيمة طوال اليوم لتوفر معيشة حفيديها، "في بعض الأوقات ننام بدون عشاء، أعمل على قطعة صغيرة من الأرض أُعطيت لنا حيث توفر لنا بعض الطعام، أذهب إلى خارج المنزل لجمع الحطب لتدفئتنا وطبخنا."
تستمر بسيمة في حديثها: "في بعض الأحيان أدعو الله أن يقبض روحي، لكن حفيديّ، من سيتولى رعايتهما إذا غبت عنهما؟ أنا امرأة تتولى المسؤولية الكاملة عن طفلين، حسبت الأيام التي عشت في هذا الوضع - أنا هنا منذ سنتين، خمسة أشهر، وأربعة أيام!"
* رواية شكرية
شكرية (50 عاماً) مع خمسة أطفال، تعيش في بيت مؤقت دون وجود زجاج في نوافذ منزلها، الأرضية والجدران من الطين، ورغم الجو البارد فإن كل أعضاء العائلة عليهم ملابس صيفية، لا يستطيعون توفير أي شيء آخر.
"لا يوجد عندنا مرحاض أو حمام، عليه نذهب للخارج لقضاء حاجتنا، بنيت سقيفة بسيطة من سعف النخيل، حيث نغتسل هناك - وأقوم بتسخين الماء في حاوية معدنية، لا تملك العائلة الفراش للنوم عليه ولا أغطية لحفظهم من البرد، أخبروني أن السقف يسرب الماء قليلاً لكنه أقوى من أسقف عائلات مماثلة عديدة"، عندما يسقط المطر بشدة، تُشارك شكرية مكانها الصغير مع بقية أفراد العائلة، "أثناء هطول المطر بشدة في المرة الأخيرة أدخلت معي 14 من الأقرباء، وبقينا معاً في غرفة واحدة،" حسب قولها.
سألتها: كيف كانت الحياة قبل الحرب؟ أجابت: "كانت حياة عائلتي مختلفة، لا أقول أننا عشنا كملوك لكننا عشنا حياة مرضية، حياة لم نواجه فيها العوز والمجاعة، كان لنا منزلنا ولم نكن بحاجة إلى التنقل من مكان إلى آخر كما نفعل الآن".
"كنا نملك ماشيتنا ونزرع الخضار والرقي، ساعدتُ رجالنا في أمور مزرعتنا: التبذير وجمع المحصول وتسويق منتجاتنا، كان هذا كافياً لتوفير طعامنا، وكانت حصتنا طيبة من الإيرادات".
في هذه الأيام تملك العائلة فقط الخبز والشاي، وغالباً ما ينامون دون عشاء، تعتمد على الحصة الغذائية الشهرية إلا أن مراكز التوزيع بعيدة ولا تستطيع شكرية توفير أجور النقل، تُحاول تدبير مصروفات النقل للحصول على حصتهم الغذائية كل ثلاثة أشهر، "عرض أطفالي الذهاب لجلب الحصة الغذائية بأنفسهم لكني أخاف على سلامتهم، عليه أذهب بنفسي بدلاً منهم في الغالب،" حسب شكرية.
أعلم دون أن تقوله شكرية أن أرامل كثيرات في حالتها سقطن ضحايا العنف أثناء تنقلاتهن لتدبير أمور عائلاتهن، "يرغب أطفالي الستة العمل في محاولة لمساعدة العائلة والحصول على شيء من الدخل، لسوء الصدف لا أحد يريد تشغيلهم لأنهم غير متعلمين (أميون)، يذهبون إلى الخارج ويحاولون إيجاد أي عمل، لكنهم يعودون في الغالب خالي الوفاض، كذلك يصعب أن أجد عملاً لأني غير متعلمة أيضاً".
Heroines - the daily life of Iraq's war widows,(Iraqi women's organizations),uruknet.info, March 8, 2008.
Reuters AlertNet is not responsible for the content of external websites.