لماذا لم يزر حاكم الفرس نجاد كربلاء والنجف
وكيف وقت زيارته للعراق مع ذكرى اتفاقية الجزائر
وما رأي بريطانيا وفرنسا وروسيا والسعودية بها وخوف حكام الكويت منها ولماذا فرح بها حافظ الأسد؟؟؟
المحامي علاء الاعظمي / العراق العظيم – الاعظمية الباسلة
عاد الرئيس الفارسي نجاد إلى بلاده، منهيا بذلك زيارة إلى بغداد العروبة، وخلفت وراءها سؤالين حيويين، يتعلق الأول بسبب عدم إدراج بحث القضايا المهمة العالقة بينهما في جدول الأعمال، مثل الحدود المائية، وسرقة إيران للحقول النفطية في جنوب العراق.
السؤال الثاني، الذي أثاره نجاد لدى مغادرته بغداد، يتصل بالسبب الكامن في عدم زيارته العتبات المقدسة في كل من النجف وكربلاء، على الرغم من منع كل الحمير من السير في شوارع المحافظتين وكذلك الدراجات الهوائية من الصعب أن يأتي مسؤول إيراني إلى العراق دون أن يصلي "ركعتي الزيارة" في حضرة الإمام علي والإمام الحسين عليهما السلام، وبالتالي فأن المبررات المتعلقة بزحمة اللقاءات التي أجراها نجاد لم تكن وحدها كافية لإقناع من يعرف تعلق الإيرانيين بزيارة النجف وكربلاء، لاسيما أن احمدي نجاد يعد واحدا من أكثر المتعلقين نفسيا وروحيا ودينيا بزيارة أضرحة الأئمة، فما بالك بضريحي الإمامين علي والحسين اللذين لم يتشرف نجاد بزيارتهما من قبل؟ فتقول صحيفة "كويتية" لا أحد سيقتنع بأن جدول أعماله الحاشد باللقاءات قد حال دون زيارة المرقدين فالرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجلس الخبراء الحالي رفسنجاني يدعي في مذكراته إلى أنه قد غادر طهران متنكرا في زمن حكم المرحوم الشاه متوجها إلى النجف في مهمة خاصة وكبيرة للقاء خميني خلال إقامته في الحوزة النجفية آنذاك، ويضيف أنه لدى وصوله إلى النجف بادر إلى زيارة الإمام علي قبل أن يتوجه إلى منزل خميني لأداء المهمة السرية المكلف بها على وجه السرعة، والآن فأن نجاد وصل بغداد بدعوة من طالباني وسط حفاوة وتكريم وبحماية مكثفة ومركزة شاركت بها كل القوات الأمريكية والمتحالفة معها على العراق، فلماذا لم يزر مرقدي علي والحسين؟ في مدينة النجف، أشيع لدى البعض أن سبب عدم مجيء نجاد يعود إلى رفض سيستاني استقباله وبالتالي فأن من الحراجة بمكان لنجاد أن يقوم بالزيارة دون أن يسلم عليه، أما الكذبة الكبرى لتبرير ذلك ما تناقلته بعض وسائل الإعلام المشاركة في التضليل من أن زيارة نجاد إلى كل من كربلاء والنجف لم تدرج أصلا في جدول أعماله، وما الإجراءات التي اتخذت في هاتين المدينتين إلا تحسبا لرغبة قد يبديها أمام مضيفيه بصورة مفاجئة (عجايب)!!!!. ويقولون أن "اللجنة الإيرانية التي مهدت لهذه الزيارة قبل نحو ثلاثة أيام من وصوله إلى عاصمة الرشيد، وبالتالي من غير المستبعد أن تكون اللجنة ذاتها تعرفت على موقف يقضي بأن سيستاني يرفض استقبال الرؤساء"، ولذا فأن اللجنة التحضيرية الإيرانية عمدت إلى عدم وضع زيارة النجف وكربلاء في جدول الأعمال بالرغم من أن سيستاني استقبل مستشار الأمن القومي الإيراني لاريجاني قبل شهور معدودات فلماذا لا يحبذ لقاء احمدي نجاد؟!
زيارة نجاد جاءت في ذكرى إبرام اتفاقية الجزائر التي نظمت العلاقات بين العراق وإيران إلا أنه من الملاحظ لم يتطرق نجاد إلى هذا الاتفاقية في مؤتمريه الصحفيين الذين عقدهما مع طالبني أو مع "الحكيم" الذي اكتفى بقراءة ورقة كتبت له واخفق في تهجي كلماتها العربية وأبلغ مرافقو "الحكيم" الصحفيين أنه لا يجوز توجيه أي سؤال "للحكيم" وعندما تساءل الصحفيون لماذا قالوا لهم لأنه (حكيم!!!!) على الرغم من أنه لأول مرة في تاريخ البروتوكولات أن يعقد رئيس دولة مؤتمرا صحفيا مع عضو بالبرلمان!! فأي استخفاف وأي صورة واضحة للتدخل بالشؤون الداخلية للعراق.؟؟؟
***
اتفاقية الجزائر التي وقت نجاد زياراته للعراق معها ليؤكد تمسكه بها فقط من ناحية ما تستفاد منه بلاد فارس أما ما يتعلق بالتزاماتها تجاه العراق فأن اللجان ستبحثه في سنة أو عشرة أو عشرين!!
كانت عند عقد هذه الاتفاقية لقاءات على مستويات عليا بين اللاعبين الأساسيين في العالم بريطانيا وفرنسا وأمريكا فعند توقيعها وبالضبط بعد 21 يوما عقدت اجتماعات موسعة لتحليل مصير المصالح الامبريالية في الوطن العربي ومنها اللقاء الذي أشارت إليه الوثيقة (وثيقة رقم: 66) في 26 مارس 1975 الصادرة من وزارة الخارجية البريطانية حيث تذكر أن من حضر من الجانب (أم. أس. وآي. تي. ليوكاس، ودي. أتش. كولفن، مستر أي. دي. هاريس)، ومن الجانب الفرنسي (دي كومينز، وديلوس سانتوس، وكستر بارباروكس) حيث قال "دي كومينز" أن اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران مدهشة ومهمة، وقد أشار السفير الفرنسي في بغداد، في تقرير له، بالأهمية التي يلصقها العراق بالمشكلة الكردية، فالحرب قد وضعت ضغوطا كبيرة على العراق وإيران ولكنها وبصورة أساسية أثرت على الشؤون الداخلية في العراق، ومن الواضح، على الجانب الإيراني، وفي شأن تعاطيه مع المشكلة الكردية، وإن لكل من إيران وتركيا مخاوف تجاه مستقبل الأكراد، وفي نهاية التحليل، فالخلافات الأخيرة بين العراق وإيران عنت بمشكلة "التالوك" في شط العرب وأنه من الواضح أن قوات البيشمركة قد تكبدت خسائر كبيرة وأن الخيار أمام إيران أصبح إما أن تتوقف عن مساعدة الأكراد، أو أن تقدم تضحيات جسيمة بالنيابة عنهم أو ربما حتى التدخل المباشر في الحرب.
والسؤال: لماذا ساعد الشاه التمرد الكردي بالقدر الكبير الذي فعله؟ ولماذا غيّر فجأة خططه؟ من وجهة النظر الكردية فسلوك الشاه لم يكن جميلا ومن وجهة نظر الشاه أن العصاة غير منظمين بصورة دقيقة، ولكنه قال إن الشاه وبعد حل لقضية شط العرب ثبّت الحقائق، فالشاه لعب بالبرازانيين طويلا إلى أن حصل على ما يريد، فيما قال وير إن أهمية مسألة شط العرب في الاتصالات الأخيرة بين العراق وإيران لم تصبح ظاهرة بالنسبة لنا إلى آخر لحظة وأن للشاه وساوسه حول هذه المشكلة، وقال إنه وبرغم أن سفيرنا في طهران تحدث إلى الشاه بقدر كبير حول الوضع في كردستان في الشهور الأخيرة، فقد كان انطباعنا بأن هدف الشاه هو إبقاء العراقيين مشغولين ومنعهم من التدخل في شؤون الكويت والخليج التحتي، ونحن نعتقد في بريطانيا أنه وما إذا ما كان للشاه أن يبقي على المشكلة الكردية على درجة الغليان إلى ما لا نهاية، لكان قد فعل ذلك، وفي النهاية تكون مخاطر ومجازفات هذه السياسة ضخمة جدا حين يحذو العراقيون نفس الشيء ضد الأكراد.. أما "ليوكاس" فقد قال "إن الشاه وبطريقة ما فعل ما هو أكثر مما تمليه الضرورة، فرأى أن يبيع الأكراد على حافة النهر، ولكنه استطاع أن يحول الصفقة إلى حساب جيد".
وير قال "إن السؤال الحقيقي الآن هو ماذا سيفعل العراق؟ وهل ستبعد الحكومة العراقية نفسها من الروس؟ وكيف سيستخدمون مواردهم في الطاقة؟ والكويت من جانبها لن تكون سعيدة بهذه التطورات الأخيرة".
"دي كومينز" وافق بأن "الكويتيين" غير سعيدين كليا"، وأضاف "إن الاتفاقية سيكون لها تأثيرها على دولة الإمارات في الخليج التحتي"، وتساءل: "كيف سيتعايش العراقيون والإيرانيون الآن في الخليج؟"
وير قال "أن لدى "الكويت" الكثير الذي تخشاه، ويذهب فهمنا إلى أن العراق لن يتوقف عن مطالبه بوصل أكبر إلى السواحل بالخليج، وبصفة خاصة الجزر الواقعة على رأس الخليج وكل القضايا بالاتجاه أكثر جنوبا ثانوية".
"دي موكينز" قال إن النفوذ الرئيس على الإمارات من السعودية فوافقه وير الرأي، وقال إن فهد في آخر زيارة له هنا قال إنه انبهر نوعا بصدام حسين والشاه في مؤتمر الجزائر. وقال فهد إنه يخطط للذهاب إلى بغداد في الأول من أبريل، وقال وير إن لديه انطباعه أن فهد قد تحدث عن تدخله في الخلاف الحدودي بين العراق والكويت، وينوي فهد أيضا الذهاب الى طهران، وبالتالي فمن الممكن للكويت أن تستفيد من الاتفاق بين العراق وإيران، لأنه لا السعودية ولا إيران يمكن أن تتركا الكويت تعاني، ومن الممكن أن تضع السعودية ضغوطا على الكويت لتعطي طريقا نحو الجزر، ونحن لا نظن أن المحتمل أن يقوم العراقيون بهجوم حدودي على الكويت.
وقال "دي كومينز" إن السفير الفرنسي في بغداد متأكد أن الروس غاضبون جدا من الاتفاقية بين العراق وإيران، وقد أعلن السفير السوفياتي في بغداد علنا عن عدم سعادته، وقد أرسل السفير الفرنسي في موسكو كذلك نفس الانطباع حول الاتفاقية هناك، ومن المثير للاهتمام أن نضع في الاعتبار أن الاتفاقية قد رأت النور بتأثير من الرئيس بومدين، وقال وير إن المصريين أيضا قلقون نحو مسعى يبعدون فيه العراق من الروس، والاتفاقية لا بد أن تكون جيدة إذا كان الروس غير سعيدين بها، و"الإسرائيليون" بالطبع أيضا غير سعيدين. وقال "دي موكينز" أن جاك شيراك قد سأل قبل أعياد الميلاد وزير المحاكم الإيراني كيف يقيم الشاه إمدادات السلاح الفرنسية للعراق، وقد جاءت الإجابة إيجابية وغير متوقعة، وقال الشاه إن أي شيء يكون بوسع الفرنسيين عمله لزيادة النفوذ الغربي في العراق يلقى الترحيب.
وقال وير إن الشاه كان إيجابيا في الحديث معنا، ولكننا اتفقنا على انطباع عام بأن الشاه يريد تقليل النفوذ الروسي في العراق، وأضاف "دي موكينز" إن صدام حسين وحين أتى لباريس في 1972، أراد أن يقول أن العراقيين يريدون اتصالا مع الغرب، وقد وجد الفرنسيون من جانبهم أن سياستهم في "الشرق الأوسط" محل تقدير من العراق، فيما لا يلقى الأميركيون التقدير بسبب علاقتهم مع "اسرائيل".
ويقول السفير البريطاني بالعراق "جي أي غراهام"، "طلبت مقابلة محمد صبري الحديثي الوكيل المساعد بوزارة الشؤون الخارجية يوم 12 مايو، وكان مشاركا فعالا في متابعة اتفاقية الجزائر، ولذلك وعند المقابلة بدأت فورا بالقول إننا رحبنا بها كثيرا وسألته عن الكيفية التي تسير بها الأمور وعن إعادة التوطين في الشمال، فقال إن أكرادا كثرا قد تقدموا للحكومة العراقية وإن وفدا سيذهب إلى هناك في الأيام القليلة القادمة ليطوف بالمعسكرات في إيران وللمرة الثانية ليحث عراقيين أكرادا أكثر للعودة، فقلت إني سمعت إشاعات، وأن هناك تقارير في الصحف ذهبت إلى نفس النتيجة، لجهة أن الحكومة العراقية تعيد توطين بعض الأكراد في الجنوب، وسألته ما إذا كان بوسعه أن يقول شيئا في هذا الشأن، قال إنه شخصيا متأكد أن تلك التقارير ليست صحيحة، وقد قابل أناسا من الحكومة المحلية في تلك المناطق ولم يقولوا شيئا البتة من هذا القبيل له. كما سألته عن رؤيته لتأثير الاتفاقية على العلاقات مع "الكويت" فقال بالطبع إن المشاكل هنا مختلفة كليا، حيث أن إيران ظلت تتدخل في الشؤون العراقية الداخلية. وبعد يومين، طلبت لقاء السفير الإيراني للحصول على الجزء المتبقي من روايته في القصة، فقال أن العمل يمضي بسلاسة في اللجان الفرعية الثلاث المنوط بها العمل في تفاصيل اتفاقية الجزائر، إحداها معنية بالأمن في الجبهات والثانية بالترسيم الفعلي للأرض على الحدود، والثالثة بشط العرب. وكما قال الحديثي، فلجنة الترسيم الفرعية تحتاج لزمن بسبب طبيعة الممرات، ولكن السفير الإيراني يأمل في أن تنجز أعمالها في موعدها، توطئة لتقديم تقريرها لاجتماع الجزائر يوم 18 مايو، حيث سيتم التأكيد على عمل اللجان الفرعية الثلاث في ثلاثة بروتوكولات، التي ستتم ترجمتها في اتفاقية أو معاهدة، وسألت السفير الإيراني عن إعادة توطين الأكراد، أكد أن عددا، ولكن ليسوا كلهم، قد عاد من المعسكرات في إيران، وأن الملا مصطفى وماذا قال لطهران وهل هو طليق ليذهب ويجيء؟ تشكك السفير في ما إذا كان في نهاية المطاف سيترك المنطقة، إلى أميركا مثلا.
***
الرئيس السوري حافظ الأسد (رحمه الله) قال جاءني كيسنجر وزير خارجية واشنطن وقال هل تعرف أن هناك مفاوضات بين العراق وإيران وسيتم الاتفاق بينهما؟ فقلت نعم، هذا خبر سار أشكرك عليه، فقال لي: كيف تقول ذلك؟ فقلت: غداً تفرغ العراق من الحرب الكردية سأذهب إلى بغداد وأجلب الجيش العراقي وسأضعه معي في الجولان، اصفر وجه كيسنجر وقال: هل هذا ممكن؟ فقلت: لماذا غير ممكن، نحن ننتمي إلى حزب البعث، (لاحظ هنا ذكاء حافظ الأسد، لقد فهم قصد كيسنجر أنه يريد أن يضغط عليه وبسرعة رد بجواب بليغ).
بعد توقيع الاتفاقية وفي خلال 24 ساعة انهار التمرد الكردي وتخلت عنهم أمريكا وإيران، وقد شكل الكونغرس الأمريكي في حينه لجنة تحقيق حول الموضوع وأصدرت تقريراً بعنوان Pilees Committee Report، وفيه كل تفاصيل للمراسلات ما بين البارزاني و كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية الأمريكية حينئذ، وكانت فضيحة كبيرة ويبين كيف استغل الأمريكان والشاه الأكراد في العراق لأغراضهم الخاصة ثم تخلوا عنهم.
أما تأثير اتفاقية الجزائر على العلاقات الصهوينية – البرزانية فيصفها الكاتب الصهيوني "شلومو نكديمون" بأنها "ملك الموت" الذي قبض على ما أسماها بروح العلاقة الكردية – "الإسرائيلية" التي دامت 12 عاماً واتسمت بالتعاون المكثف، كان خلالها البارزاني يقود التمرد ضد الحكومات العراقية مستعيناً بالمستشارين "الإسرائيليين" الذين لم يفارقوه، أو يفارقوا معسكره، طيلة تلك السنوات.
وللحديث بقية..