العطش "الإسرائيلي" للنفط العراقي
ترجمة وتعليق: الدكتور عبد الإله الراوي - دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا
المقال الذي نقوم بترجمته كتب من قبل السيد جيل مونييه سكرتير عام (جمعية الصداقة الفرنسية-العراقية)، والذي قدمنا تعريف بسيط له في مقالنا (الدكتور عبد الإله الراوي: جاك فيرغس: "الحكم على صدام حسين مخالفا للقانون" - "شبكة البصرة"، 22/1/2007)، وتم نشر هذا المقال في مجلة أفريقيا – آسيا بعددها الصادر في آذار (مارس) 2008، وقبل أن نقوم بترجمة المقال سنحاول تقديم، بشكل موجز، بعض ملاحظاتنا عليه:
1- إن الكاتب يشير إلى تزويد مصر للكيان الصهيوني بالنفط تنفيذا لاتفاقية عام 1979، ولكن الكاتب لم يوضح ذلك بصورة كافية، كما أنه لم يشر إلى تزويد النظام المصري لهذا الكيان بالغاز. ولذا سنقوم بعرض سريع:
- تزويد مصر للكيان الصهيوني بالنفط: إن تزويد الكيان الصهيوني بالنفط الخام تم بناء على "اتفاقية كامب ديفيد" التي وقعها أبو رغال المصري، أنور السادات، وبذلك حلت مصر محل إيران إلى حد كبير.
إضافة لذلك فإن نظام مبارك الصهيوني لم يكتف بتنفيذ بنود الاتفاق المذكور المتعلقة بالموضوع ولكن الهيئة المصرية العامة للبترول تغض الطرف عن الكميات التي تذهب لـ"إسرائيل" بواسطة عملاء وزبائن الهيئة الآخرين، خارج اتفاقية السلام، حيث تستورد "إسرائيل" من النفط المصري الخام ما يقرب من 1.8 مليون طن إضافية، بواسطة بعض الشركات الدولية المعروفة، ومنها: (جات أويل، بلك أويل، هائن، ومارك ريتش).
- أما بالنسبة للغاز: فما يمكن أن يقال عن البترول، ينطبق على الغاز الطبيعي، فإن كانت العلاقات البترولية محددة سلفاً في اتفاقية التسوية، فإن الدولة المصرية تطوعت بإمداد الكيان الصهيوني بالغاز وفق شروط تفضيلية.
إن اتفاقية تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني تم التوقيع عليها يوم (30/6/2005)، وتقضي بالتزام القاهرة بتزويد تل أبيب لما تحتاجه من الغاز، وفق أسعار تفضيلية، وهو ما آثار عدد من رجال الاقتصاد المصريين، خاصة وأن الاتفاقية تفرض سعراً تفضيلياً ثابتاً لا يخضع لآليات السوق وتحركات الأسعار.
ويقضي المشروع بتصدير 170 مليون قدم مكعب يومياً من خلال خط بحري يمتد من الشيخ زويد بالعريش حتى منطقة عسقلان لمدة عشرين أو خمسة وعشرين عاماً، وبقيمة ثابتة 3 مليارات دولار.
ولكن مراسل قناة "الجزيرة" في القاهرة، نقل عن "مصادر مصرية مختصة"، أن الكميات ستبلغ ٣٦٢ مليون متر مكعب خلال ٤ أشهر من بدء التصدير. وأضاف: "أنه من المرجح أن تبلغ مدة التعاقد نحو ٢٥ عاماً". (مصر تبدأ تصدير الغاز الطبيعي "لإسرائيل" في مارس المقبل. "جريدة مصر اليوم" 27/12/23007. وهشام عبد العزيز: "الغاز.. صفحة من ملف التطبيع الاقتصادي")، على الرابط:
http://www.alqudsonline.com/show_article.asp?topic_id=2001&mcat=48&scat=116&sscat=0&lang=0
وفعلا تم تزويد هذا الكيان بالغاز المصري اعتباراً من 1/3/2008. (مصر تبدأ بتسليم "اسرائيل" كميات من الغاز - "القدس العربي" 1/3/2008).
كل هذا تم في الوقت التي فرض هذا الكيان المسخ على غزة الحصار الظالم ومنع تزويدها بالغاز لتشغيل محطة الكهرباء، فتهانينا للشعب العربي المصري بقادته، هذا الشعب الذي لم يصبه الخدر أو التخدير بل الموت الحقيقي للأسف الشديد، فهل سيبعث هذا الشعب، ومتى؟
2 - عندما يتكلم الكاتب عن مساندة الكيان الصهيوني للحزبين الكرديين العميلين لهذا الكيان، يشير إلى ادعاء الصهاينة بوجود صلة النسب المشترك بينهم وبين الأكراد.
ونحن نعلم بأن الصهاينة يدعون زوراً وبهتاناً بأنهم ساميون، - وقد أوضحنا في مقال سابق بأن نسبة الساميين بين "اليهود" قليلة جدا بالمقارنة مع "اليهود" من أصول مختلفة أخرى. (الدكتور عبد الإله الراوي: قادة "العراق الجديد"، وعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، "شبكة البصرة" 25/8/2005) – بينما أن أكثر من كتب عن الأكراد يعيد أصولهم إلى الشعوب الآرية أو الهندو-أوربية.
فأين وجدوا صلة النسب هذه؟ نقول إذا كانت توجد أية رابطة تربط الكيان المذكور مع الحزبين العميلين، الذين يتبرأ منهما كافة الأكراد الشرفاء، فهي العداء لكل ما هو عراقي وعربي.
3 – لقد أشار الكاتب إلى زيارة العميل أحمد الجلبي للكيان الصهيوني ومصافحة "هوشيار زيباري" الوزير البنى التحتية الصهيوني، وقد سبق وقدمنا هذين الموضوعين في مقالنا المشار له أعلاه (قادة العراق الجديد..)
4 - كما يشير السيد مونييه إلى "عملية شيخينا" دون أن يقدم أي توضيح لتلك العملية لذا رأينا أن نعرف القارئ بها بصورة موجزة لضيق المجال، فنقول: إن الكيان الصهيوني كان قد خطط للاستيلاء على جنوب العراق، وبالنتيجة على النفط والماء منذ عام 2001 وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وضمن المخطط أن يتم إخماد الاحتجاجات المحتملة من قبل المجتمع الدولي، بواسطة وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الصهاينة في نيويورك وواشنطن، والتي ستشرح مطولاً: "أن هذا العمل ما هو إلا محض عملية جراحية ضد الطاغية الشرير صدام حسين"، وقد تم تحديد يوم 2/10/2002 كموعد لغزو جنوب العراق، ولكن تدمير مركز الصهاينة المالي (مركز التجارة العالمي) يوم 11 أيلول (سبتمبر) أدى إلى إلغاء الهجوم.
وذلك لصعوبة التمويل المالي، وعدم إمكان أمريكا تزويد الكيان الصهيوني بالمعدات اللازمة بما في ذلك عددا كبيرا من طائرات (أف 15) المقاتلة.. الخ. (جو فيالز: العراق أولاً، الحرب الخاطفة على نفط "الشرق الأوسط"، "عملية شيخينا"، ترجمة: مروان سعد الدين، الأوائل للنشر والتوزيع - دمشق - آب (أغسطس) 2003.
ترجمة المقال
"الدولة اليهودية" ومنذ تكوينها، استمرت تعاني من المقاطعة النفطية العربية، ولذا فهي تطمح بالحصول على النفط العراقي، ولكنها لم تستطع لحد الآن تحقيق هذا الطموح رغم محاولاتها الكثيرة، ولكن احتياجاتها الملحة قد تدفعها لتسريع مناوراتها.
العطش "الإسرائيلي" للنفط العراقي
بقلم: جيل مونييه
"إسرائيل" واليابان هما أكثر البلدان الخاضعة للدول الأجنبية لسد احتياجاتها من النفط
إن المليارات من البراميل النائمة قرب مرتفع "كارمل"، أو تحت "جرش"، لم تكن، لحد هذه اللحظة، سوى أوهام الانجيليكيين الأمريكيين.
إن تمويل هذا البلد "إسرائيل" بالنفط يشكل عقبة حقيقية، وبالأخص فإن الاستهلاك الفعلي للمواطن، يتجه نحو الارتفاع، حيث تجاوز 7 لترات في اليوم (ثامن بلد في العالم).
بفضل لباقة بعض الرجال مثل "زفي الكسندر" "السيد بترول الإسرائيلي" فإن "إسرائيل" استطاعت تنويع مصادر تمويلها من هذه المادة.
اليوم "الدولة العبرية" يتم تمويلها من قبل روسيا، والجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، وكذلك من قبل النرويج والمكسيك وبلدان أفريقيا الغربية، هذا إضافة إلى مصدر غير مصرح به بصورة علنية.. مصر.
ولكن التجهيزات المقررة وفق الاتفاقية "الإسرائيلية" المصرية عام 1979 – التي غطت ثلث احتياجات "إسرائيل" - اتضح بأنها لا تسد الحاجة.
حلم "إسرائيلي"
"إسرائيل" تحلم بالنفط العراقي منذ 1948، وهو تاريخ غلق أنبوب كركوك – حيفا، كاعتراض على إنشاء "دولة يهودية" في فلسطين، فقط "الكويت" التي كانت تحت الانتداب البريطاني، استمرت بتزويد تلك الدولة بالنفط الخام لغاية 1950.
إيران البهلوية أخذت مكان "الكويت"، التي استمرت بتزويد تلك الدولة بالنفط، وبصورة سرية، لغاية قيام "الثورة" الخمينية.
"الإسرائيليون" – "عمال" أو "ليكود" – قاموا بكافة المحاولات لإقناع بغداد لتزويدهم بالنفط، وحتى محاولة الاتفاق مع صدام حسين، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
مع "حرب الخليج"، "الإسرائيليون" أخذوا زمام المبادرة، لقد اتجهوا نحو الأكراد اللذين ساندوهم منذ عام 1950، بحجة المصالح الجغرافية والإستراتيجية وكذلك صلة الرحم المشترك!!، الذين كانوا شبه مستقلين بفضل كون كردستان أصبحت منطقة حظر جوي الذي فرض من قبل "الحلفاء"، "الموساد" استغل هذه الفرصة في سبيل تقوية موقعه داخل جهاز الأمن الكردي من جهة، وبالتعاون مع مسعود برزاني لتهريب النفط الذي كان تحت الحصار المفروض من قبل الأمم المتحدة من جهة أخرى.
في نفس الوقت فإن أحمد الجلبي، "رئيس المجلس الوطني العراقي"، دعي إلى تل أبيب ووعد بإقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" وإعادة فتح أنبوب النفط كركوك – حيفا.
في بداية نيسان (أبريل) 2003، قامت مجموعة مغاوير من القوات الخاصة التابعة للتحالف بالسيطرة محطات ضخ النفط المرتبطة بالأنبوب الذي كان يتجه إلى حيفا ("عملية شيخينا" الذي يعني "حضور الإله" باللغة العبرية) بين حديثة والحدود الأردنية، وإن "بنيامين نتانياهو" أكد بأن النفط العراقي سيتم ضخه إلى "إسرائيل"، وإن: "القضية لا تحتاج إلا إلى بعض الوقت".
في شهر آب (أغسطس) 2003، تم استدعاء "يوسف بارتزكي"، وزير البنى التحتية "الإسرائيلية"، إلى واشنطن في سبيل دراسة ترميم وإعادة هذا الأنبوب، ولكن هذا الأمل خاب مع تصاعد المقاومة العراقية في محافظة الانبار، وإبعاد أحمد الجلبي عن السلطة، ولذا فإنه يظهر بأن خط الأنبوب هذا تم تجاوزه نهائياً.
"كردستان الكبرى"
في سبيل تنفيذ خط كركوك - بانياس، في سوريا، البديل عن الخط السابق، يجب إنهاء المقاومة العراقية بين كركوك والحدود السورية، وتكوين "كردستان الكبرى"، وعمل انقلاب ضد بشار الأسد.
في حزيران (يونيو) 2005، أطلق الأمريكيون عملية "موتادور" في سبيل إخضاع التركمان الذين يعارضون سيطرة الأكراد على أراضيهم وعلى النفط العراقي.
وبحجة القضاء على الزرقاوي في أحد معاقله، تم تطويق تلعفر، وكما حدث في الفلوجة تم قتل آلاف المدنيين في هذه المدينة بواسطة الغارات الجوية الأمريكية، وإن السكان الذين هربوا من تلعفر، جراء هذه الغارات، تم استبدالهم بأكراد.
إن "دستور 2005"، الذي يعتبر غير شرعي من قبل الكثير من العراقيين، سمح لإقليم الحكم الذاتي أن يضم، بعد استفتاء، محافظة كركوك (1) وقسما من محافظتي الموصل ومنها سنجار وديالى، ولكن المقاومة استطاعت إفشال هذا المشروع في الوقت الحاضر.
في شهر آب (أغسطس) 2005 تمت العملية الإرهابية في منطقة سنجار، والتي كان ضحاياها 500 مواطن، علماً بأن هذه العملية الإجرامية نسبت إلى البارستان، "قوات الأمن الكردية"، وكان من نتائجها المباشرة وقوع اليزيدية، الذين يشكلون الغالبية في هذه المنطقة بيد البرزاني، وهذا كان الهدف من هذه العملية.
المعركة حاليا تدور في الموصل، بحجة الحرب ضد "القاعدة"، والمقصود "تنظيف" المنطقة المتنازع عليها، من سكانها العرب والتركمان والكلدو-آشوريين.
سوريا صامدة أمام محاولات زعزعتها من قبل الأمم المتحدة وفرنسا، وإن مشروع خط حمص – حيفا، الأنبوب الموجود سابقا تم تركه ولم يبق أمام المساندين لمد هذا الخط إلا التوقيع على اتفاقية مفترضة للسلام بين "إسرائيل" وسوريا، بأن تقوم "إسرائيل" بالانسحاب من الجولان مقابل موافقة سوريا على السماح بمرور أنبوب النفط إلى حيفا، مع الملاحظة، لتكملة، بشكل أو بآخر، الاتفاق السابق مع أنور السادات.
"إسرائيلي" اسمه فؤاد
في تل أبيب، "بنيامين بن اليعازر"، وزير البنى التحتية، أكثر واقعية من سابقيه، درس إمكانية مد أنبوب يمر عبر سنجار ومحاذ للحدود السورية يجتاز الفرات ويدخل إلى الأردن ومنها إلى حيفا.
كما اقترح بدل ذلك، مد "إسرائيل" بنفط كركوك الذي يصل إلى سيحان، التركية، بأنبوب يربط بين سيحان والكيان الصهيوني.
وبقدر أربعة أضعاف الأنبوب الذي يمتد تحت البحر والذي يجهز عسقلون، من الميناء التركي المذكور، بالنفط والغاز الجيورجي أو الأذربيجاني – أو بالأحرى من كازاكستان -، وكذلك بالماء والكهرباء، بحبال "كابل" من ألياف بصرية،
العميد " الجنرال بن اليعازر"، الذي يسمى فؤاد، ولد في البصرة، يقدم نفسه كـ"صديق للعرب"، ولكن شهرته كجزار لا تختلف عن "شارون" في هذا المجال.
إن يده ليست ملطخة بالدماء بمجزرة تل الزعتر، التي نفذت من قبل "الكتائب اللبنانية" عام 1976 وجنين عام 2002، أو اجتياح لبنان في حزيران (يونيو) 1982 فحسب، ولكنه متهم أيضا بتصفية 250 سجين خلال حرب حزيران (يونيو) 1967.
ونحن ننتظر دائما فتح تحقيق من قبل محكمة الجزاء الدولية بحقه، كما طالب "هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي" في القاهرة، علماً بأن الوزير "العراقي" المذكور صافح، أمام أجهزة التصوير، "بن اليعازر" بمناسبة المعرض التجاري الدولي في الأردن عام 2005، "متمنياً أن يتم التعاون بين الدولتين".
وختاما نقول: إذا وافقت تركيا على المشروع الثاني لـ"بن اليعازر"، أي توصيل النفط العراقي من بانياس إلى "إسرائيل" بأنبوب تحت البحر، فإن المقاطعة النفطية العربية سوف لا يبقى لها أي تأثير.
(1) شاهد: (النهب في بابا كركر)، أفريقيا – آسيا، العدد 23 تشرين أول (ديسمبر) 2007.
تجدون كافة مقالاتنا التي نشرت بعد الغزو على:
اضغط هنا أو اذهب إلى القسم الفرنسي لقراءة نص المقال المترجم