زيارة الطالباني والاحتقار التركي

الدكتور أحمد عبد السلام - كاتب وباحث

لم تشهد العلاقات الدبلوماسية والأعراف الدولية واقعة مثل زيارة جلال الطالباني إلى تركيا، فبعد أن رفض أن يستقبله الرئيس التركي السابق احمد نجدت سيزر خلال فترة حكمه، ذهب جلال الطالباني على عجل إلى تركيا وكأنه لم يصدق تلك الدعوة التي جاءته عبر الهاتف من الرئيس التركي عبدا لله غول، دعوة الهاتف هذه لم تعتبرها تركيا زيارة رسمية، بل جردتها من أي طابع رسمي أو بروتوكولي.

 وحسب صحيفة "ميليت" التركية فان طالباني، بخلاف رؤساء دول زاروا أنقرة أخيرا، لن يستقبل استقبالا رسميا بالسجاد الأحمر أو حرس الشرف وإطلاق المدفعية قذائف التحية وغير ذلك من المظاهر البروتوكولية،واشترطت تركيا عليه أن لا يصطحب معه أي من الوزراء والمسؤولين الأكراد في حكومة الاحتلال. وقال (جميل جيجك) المتحدث باسم الحكومة التركية عشية الزيارة: بأن "حزب العدالة والتنمية" الحاكم يعتبر ضمنا الطالباني ممثلا للأكراد العراقيين بدلا من اعتباره ممثلا للدولة العراقية.

لقد تعامل الأتراك مع الطالباني على أساس كونه رئيسا لحزب كردي ليس إلا، وقالوا إنها زيارة عمل!! وأي عمل ذلك الذين تكون فيه كل الدلائل والمؤشرات تفيد بأنه شخص غير مرحب به هناك، إلا أن تُفسر إنها دعوة سيد لتابعه، إن جلال الطالباني والذين خبِِِرِوه وعرفوا شخصيته، انه لا يأبه لشيء ولا يعرف معنىً لكرامةً أو شيء منها، فالشخص عرف ومنذ سنوات عدة لاجئا في هذه الدولة أو تلك من الجوار الجغرافي للعراق وغيره ومنها تركيا، ولم يترك جهاز مخابرات لدولة مجاورة أو غير مجاورة، إلا وكان لها عميلا بخسا، ولو كان لموزنبيق أو جزر القمر مخابرات تهتم بمعارضة النظام العراقي السابق لعمل معها ولطلب منها دعما ماليا للقضية!!! فليس لدى الرجل قيمّ ولا مبادئ، الانتهازية ديدنه والعمالة تسري في عروقه ومن عايشه عن قرب يعرف إنه لا يخجل من نفسه ولا من أي شيء آخر، نقطة الحياء سقطت من جبينه منذ أمد بعيد.

وأسباب الاحتقار التركي لجلال الطالباني في زيارته الأخيرة، إن تركيا وقادة جيشها وضباط مخابراتها أدرى من غيرهم بحقيقة جلال تلك وكيف كان عميلا وضيعا يعتاش على مساعداتهم منذ أكثر من ربع قرن،لقاء الوشاية بأبناء جلدته من أكراد تركيا، وكيف كان يزودها بالمعلومات عن أماكن تواجدهم وأنشطتهم، بدعوى احتضانهم من قبل النظام العراقي السابق أو من قبل زمرة مسعود البارزاني بعد عام 1991عندما تزايد صراعهما على إيرادات بوابة الخابور الحدودية مع تركيا، فضلا عن معرفة تركيا بطبيعة هذا الشخص الانتهازي وكذبه الذي بات مفضوح جدا،والأهم من كل ذلك إن الاحتقار التركي لجلال الطالباني مرده إلى إن الأتراك لا يرغبون الترحيب بشخص كردي يتحالف مع أعدائهم من حزب العمال الكردستاني حاليا، وليعبروا عن رسالة واضحة المعاني والدلالات لزمر العمالة الكردية من حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بأننا لن نسمح لكم بتأسيس دولة كردية ولن نعترف بكم حتى لو إن أمريكا بعد احتلالها للعراق جعلت منكم حكاما ومسؤولين، وأن تركيا لن تنظر لكم غير نظرة الاحتقار والاستصغار وبأنها قادرة على واد مشروعكم الانفصالي في مهده. لان النخب الحاكمة في تركيا، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، ترفض فكرة التعايش مع قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق. لأن قيام الدولة الكردية سيؤدي - وفق المنظور التركي - إلى تهديد الأمن القومي التركي وهذا ما لا تتهاون معه تركيا أبدا.

ربما الزيارة الأخيرة والاحتقار التركي، تذكر الطالباني كيف أنه ومعه هوشيار زيباري قد تعرضا لمحاولات الاعتداء والضرب والإهانات من قبل بعض الصحفيين الأتراك في عملية مفبركة أثناء حضورهم مؤتمرا في العاصمة التركية أنقرة قبل عدة أعوام وأمام أنظار الساسة الترك، ولكن بطريقة مختلفة هذه المرّة.

أما ما سيطرحه الساسة الأتراك على الطالباني، فهي التهديدات المعروفة بخياراتها العسكرية والاقتصادية، إذا ما سار الحزبين الكرديين على وفق ما تبغي تركيا ومؤسستها العسكرية.ومقابل ذلك لا يملك الطالباني من الأمر شيء، إلا أن يصغي بإذعان ومن ثم يحاول أن يضحك الجانب التركي على آخر مزحة قالها عنه العراقيون وهم يتندرون على مفهوميته ونباهته الفذة!!! وسيرجع إلى العراق ليكذب على الناس في تصريحاته بأن الزيارة كانت ناجحة جدا جدا.