جنوب أفريقيا على الأجندة العربية
كتب: علي عبد العال - مصر
يبدو أن العرب أخذوا ينتبهوا - أخيراً - إلى أن خارطة العالم تتعدى المساحة المحصورة بين المحيط والخليج، وأن أمن الدول ومحيطها الحيوي ومصالحها التاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية كل ذلك لا ينتهي عند الحدود السياسية المصطنعة. لفت الانتباه إلى ذلك ما أعلنه الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن الجامعة تعتزم فتح بعثة دبلوماسية لها في جنوب أفريقيا قريباً، بهدف تعزيز الوجود العربي في الدولة الجنوبية الهامة، وتعزيز التنسيق والتشاور بين الجامعة - كممثلة للعرب - وحكومة جنوب أفريقيا.
وبعد توقيعه مذكرة تفاهم بهذا الشأن مع وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، أكد عمرو موسى الحرص العربي على تعزيز التعاون مع جنوب أفريقيا في شتى المجالات، خاصة وأنها من الدول الرئيسة ليس على المستوى الأفريقي فحسب بل وعلى المستوى الدولي. واصفاً سياسية بريتوريا بأنها متزنة وعادلة وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني، كما تدعم الموقف العربي فيما يخص قضايا "الشرق الأوسط".
وتأتي العلاقات العربية مع جنوب أفريقيا في إطار العلاقات العربية الأفريقية عامة، وحقيقة فإن المتأمل لمسيرة ما يسمى بالدبلوماسية العربية الحالية يلحظ اهتماماً بدول القارة الأفريقية، خاصة أن الأمن القومي العربي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالأمن القومي الأفريقي، وكلاهما يمثل عمقاً للآخر، إلا أن الفشل العربي في الاستفادة الحقيقية من الروابط الثقافية والتاريخية والعقائدية والهم المشترك مع شعوب القارة الأفريقية بشكل عام، انعكس - بما لا يدع مجالاً للشك - على أهم دوله.
وإذا كانت أفريقيا هي القارة المقهورة بين قارات العالم فقد تزايد الاهتمام بها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خصوصاً جنوب الصحراء، بالإضافة إلى شرق القارة وغربها. حيث تتنافس القوى الكبرى - الولايات المتحدة وفرنسا والصين - على تعزيز مواقعها في أنحاء القارة الواعدة بثرواتها الكامنة والرابضة في غاباتها وصحاريها.
وتلعب جنوب أفريقيا بشكل خاص دور القيادة في الإقليم الجنوبي من أفريقيا والريادة في كل أنحاء القارة السوداء، ودائماً ما توصف بأنها نتاج العقل الغربي بل وتكاد تكون بقعة منه، حيث لم تعد إلى أصلها الأفريقي الأصيل إلا بعد سقوط النظام العنصري فيها، والإفراج عن المناضل الوطني نلسون مانديلا. كما ينظر لجنوب أفريقيا على أنها دولة ذات حضور معتبر على الساحة الدولية، وعلى المستوى الأفريقي فإنها حاضرة وبقوة إزاء ملفات هامة ومصيرية بالنسبة للعالم العربي، على رأسها: دارفور وجنوب السودان وتشاد والصومال، فضلاً عن قضايا العراق وفلسطين ولبنان.. كل ذلك إلى جانب تأثيرها بقضايا القارة الكبرى مثل النزاعات والفقر والاستغلال الخارجي، ومن ثم فمن الحماقة تجاهلها أو على الأقل نسيان أهمية التنسيق معها.
وليس سراً أن لجنوب أفريقيا - الدولة التي تتواجد فيها أكبر جالية يهودية في القارة السمراء - مواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية، وهي مواقف تاريخية مثلت ما يشبه الانقلاب على العلاقات القوية التي كانت تربط نظام الفصل العنصري بإسرائيل التي سعت ولازالت إلى نقل اليهود الأفارقة إليها، وهي العلاقة نفسها التي ساهمت في وقوف دول القارة الأفريقية جمعاء إلى جانب العرب في صراعهم الأساس.
إلا أنه ورغم قدم وعمق العلاقات العربية الجنوب أفريقية فإن عدداً من الخلافات والمصالح المتباينة تكاد تطفو على السطح - من حين لآخر - بين الجهتين، ومن أهم قضايا الخلاف حالياً يأتي الموقف المتباين من توسيع مجلس الأمن الدولي، حيث تزاحم بريتوريا بشدة لكي يكون لها المقعد الأفريقي الدائم في المجلس.. وهي في ذلك تخوض صراعاً سياسياً ودبلوماسيا ضد كل من مصر والمغرب وليبيا. كما يسجل المتابعون لجنوب أفريقيا استحواذها على جزء كبير من رصيد مصر الأفريقي وشقيقاتها من دول شمال القارة، فإليها ذهبت استضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم، ولها كان المقعد الدائم في مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بعد أن شغلته مصر إلى ما يقرب من عشرين عاماً، وعلى أراضيها يوجد مقر البرلمان الأفريقي.
وكل ذلك خصم من الدور التاريخي والتحرري لمصر في أنحاء أفريقيا، كما أنه يعني أيضاً من جهة أخرى تركيز الدور التنموي داخل أفريقيا على الجمهورية الجنوبية وحدها، فضلاً عن النظر إلى العرب الأفارقة على أنهم تجمع له خصوصية لا تعبر بالضرورة عن شخصية القارة السوداء كلها.
وخلال استقباله لوزيرة خارجية جنوب أفريقيا، صرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأن العلاقات بين بلاده وجنوب أفريقيا، تجعل منهما قطبين مهمين في القارة، يشكلان عمودا فقريا اقتصاديا وسياسياً لأفريقيا. في حين قالت (دلاميني زوما) - التي أبدت اهتمامها بالتعرف على التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية وخاصة في ضوء ما حدث بقطاع غزة والحالة الإنسانية التي عانى منها السكان هناك وتدفقهم على مصر - قالت إنها تبذل مساع متنوعة لتحقيق حل سلمى للأزمة اللبنانية، وحول موقف جنوب أفريقيا من الاقتراح بتوسيع مجلس الأمن الدولي، قالت زوما إنه عندما تبدأ المفاوضات في هذا الشأن فإن جنوب أفريقيا تتمسك بالمطالب الأفريقية المعروفة.