خلويات فتّوح!
رشاد أبو شاور - كاتب وروائي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني يقيم في الأردن
هي فضيحة لا يمكن تغطيتها، رغم محاولة التستّر عليها، ولفلفتها، بتوجيه الاتهام لسائق الرئيس المؤقّت بعد رحيل الرئيس عرفات، روحي فتوّح، رئيس المجلس التشريعي، عداك عن مناصب أخرى كثيرة!.
الفضيحة هي كما بات معروفا: تهريب 2000 ألفي جهاز خلوي، في صندوق سيّارة روحي فتّوح الذي يحمل بطاقة VIP، تخوّله عبور الحدود مع الأردن باحترام، دون أن يقف على الطابور مع جموع الفلسطينيين، والمرور عبر الحواجز المنتشرة في الضفّة، وهو يجعص في المقعد الخلفي لسيّارته الفخمة، دون اضطرار للوقوف تحت الشمس الحارقة، أو في البرد القارس، ورهن مزاج جنود الاحتلال.
تبادر إلى ذهني عند سماعي الخبر غير المستغرب، سؤال:
- ما مصلحة "شريك السلام"، في فضح روحي فتّوح، والتقليل من قيمته، علما أن التهريب في السيّارة هو لأجهزة خلويّة، وليس لصواريخ كاتيوشا؟
لماذا تهزيء قيادة السلطة، وإضعافها، وتقليل هيبتها في نظر الشعب الفلسطيني؟!
خلويات الفتوّح ليست صواريخ القسّام، أو القدس، فلا خطر فيها، ولذا وجدتني في حيرة وأنا أتمعّن الخبر، وأقلّبه في وجوه شتّى، لعلّي أهتدي إلى القصد من فضح الفضيحة!
ولأن أجهزة الأمن في السلطة بادرت فوراً إلى لصق التهمة بسائق فتوّح، فقد استربت في الأمر، ووجدتني أشارك كثيرين، في تفسير الأمر على إنه تلفيق لتوريط السائق المسكين، الذي لا نعرف عنه سوى إنه سائق (القائد) فتوّح.
لماذا؟!
ليس لأننا، أنا وغيري، نحسد فتّوح على كميّة الخلويات ومرابحها، ونوعيتها التي هي بالتأكيد ممتّازة، وغالية السعر، ولكن لأن هذه الكميّة لا يقّل سعرها عن ثلاثمائة ألف دولار، هذا إذا اعتبرنا أنها من النوعيّة متوسطة السعر، فهل يملك السائق مثل هذا المبلغ؟!
إن وزن هذه الألفي جهاز لا يقّل عن ثلاثة مائة كيلوغرام، فإن أضفنا لها وزن فتوّح - وهو رجل بدين ، ضخم، مترامي الأطراف - والذي لا يقّل عن 130 كيلوغرام، ووزن السائق الذي لا يقّل عن 80 كيلوغرام، فكم سيكون وزن السيّارة مع حمولتها التي تتكوّن من الخلويّات، وفتوّح، والسائق؟!
كيف لم يتنبّه فتوّح، وهو يجلس في المقعد الخلفي، إلى إن السيّارة فيها حمولة تثقل عليها؟!
ألم يضع حقيبته في الصندوق الخلفي، أم إنه يسافر بدون حقيبة، فكيف لم يقع نظره على كّل هذه الحمولة التي يفترض أنها مريبة؟!
هل ثقته مطلقة بالسائق إلى حّد إنه لا يتفقّد سيّارته؟!
هذه الأسئلة وغيرها تدفعني لعدم تصديق التهمة التي وجهتها أجهزة الأمن الفلسطينيّة للسائق، الذي يقبع في سجونها، بدون محام، معرّضا للضغط عليه، أو إغوائه بالإقرار بأنه شخصيّا المسؤول عن تهريب الخلويات، لا رئيسه وقائده فتّوح، خدمةً للوطن، وصونا لسمعة (القيادة)!
قد يحكمون على السائق المسكين في محاكمة مفتعلة مفبركة، هو الذي في أحسن الأحوال لم يحصل من عمليات التهريب في سيّارة الVIP سوى على النزر اليسير، في حين يجب أن تحاكم السلطة على كّل الفساد الذي مكّن العدو من الابتزاز، ومواصلة نهب أرضنا، وقتل شعبنا، مع تغييب المقاومة، ومطاردة المقاومين، والإمعان في المفاوضات.
لو أنّ فتوّح صرّح بأنه مسؤول عن تهريب الأجهزة بهدف التواصل مع جماهير الشعب في غزّة، فلربمّا قدّم عذرا يخفف من وقع الفضيحة، ولكنه لبد، وأصبح ملطّة، فاللجنة المركزيّة تعفيه من مسؤوليّاته، وأجهزة الأمن تفتديه بسائقه، ليس احتراما له، ولكن صونا لسمعة رجالات الvip من فاسدي السلطة.
بعد دخوله لمناطق السلطة صرّح أبو عمار بأن السلطة ستجعل من الضفّة والقطاع نمراً اقتصاديّاً ينافس نمور جنوب شرقي آسيا، ولاسيّما سنغافورة!
أمس الأحد 23 آذار، وأنا أتابع حفل توقيع اتفاق فتح وحماس في صنعاء برعاية الرئيس اليمني، على فضائيّة "الجزيرة" التي كانت تنقل وقائع حفل التوقيع وردود الأفعال، مباشرةً، أطّلّ نمر حمّاد المستشار السياسي للرئيس عبّاس، بوجه مربّد، وبلهجة متوترّة أعلن صراحةً رفض الاتفاق، بحجّة أن عزّام الأحمد لم يعد للرئاسة قبل التوقيع، وتلاسن مع عزّام الأحمد الذي وقّع نيابة عن فتح - نمر لا ينتمي لأي فصيل فلسطيني، وبقي سفيراً في إيطاليا حوالي ثلاثين سنةً! - وعلى الهواء مباشرةً.
قلت لنفسي: وجدتها، فالسلطة باتت نمراً فعلاً، بعد سلسلة فضائح، منها: الطحين بالدود، والإسمنت الذي بني به السور، ونهب واقتسام ملايين الدولارات المودعة في البنوك، والتي كانت تحت أيدي مارقين بحجّة التجارة.
لقد تحققت النبوءة: فها هو مشروع السلطة ينتهي بنمر، ليس نمرا آسيويّا، ولكن: بـ.. نمرحمّاد!
تنويه: أعتذر للقرّاء، فأنا فكّرت بكتابة مقالة ساخرة، تدفع القرّاء للابتسام على الأقّل، ولكنني عجزت، فما فعله فتّوح هو فضيحة للسلطة، ومشروعها، وسلوكيّات رموزها، أي كّل أولئك الذين نغّص ونخزى، ونتألّم، ونخسر شعبا، وقضيّةً.. بسببهم.
لا مجال للضحك، مع إنني ضحكت لتنويعات النكات التي ألفّها فلسطينيون مجهولون على خلويات فتوح..
الاثنين 25 آذار 2008