كرامة العراقيين في الأردن
ماهر أبو طير *
روى لي احدهم أن ابنه عاد من المدرسة ذات يوم، ليسأل والده.. لماذا يقوم طلبة آخرون في المدرسة بشتم الطلبة العراقيين، وإهانتهم لفظيا، بل ويقال لبعضهم ساعة غضب بين الطلبة.. اذهب إلى بلدك، وعد.. إلى بلدك، وكلام قبيح آخر يقال ولا يقال.
من المؤسف جدا أن نبدو نحن بهذه الصورة، فمن يذهب لشراء شقة ويجدها مرتفعة، يحمل الشعب العراقي المسؤولية، ومن يزاحمه قائد سيارة بلوحة عراقية، يشتمه ويشتم العراق، ومن يدخل مطعما ولا يجد محلا فيه، ويجد فيه العراقيين، يحملهم مسؤولية ما يجري، وهي لغة جديدة على هذا المجتمع، حين نسمح نحن بسواد ثقافة انعزالية وثقافة الكراهية تجاه الشعب العراقي.. وهي ثقافة تثبت أن بعضنا لا يهمه سوى "بطنه" فإن استفاد من العراق شكره، وإن كان مطلوبا منه رحمة العراقي اليوم، تململ وتذمر، وكشف سوء نفسه.
ينسى بعضنا في غمرة انفعالاته الكاذبة، ما قدمه العراق لهذا البلد، ذات يوم، وكأن هناك من يريد تربية الناس على ثقافة أن يأخذ وحين يأتي دوره في العطاء يكره ويتملص ويصبح جاحدا، فالعراق قدم للأردن عشرات المليارات، إن لم يكن أكثر، هل نسينا كل المنح النفطية، وتدفئة أولادنا، وطبيخ بيوتنا، وشوارعنا والبنى التحتية ودعم الموازنة، ونفط سياراتنا، وكل حياة الرفاه التي تسبب بها دعم العراق لنا، على الصعيد الرسمي وعلى صعيد القطاع الخاص، الذي انتعش على مدى عشرات السنين بسبب العراق، وما زالت بعض قطاعاته منتعشة بسبب العراق.
اليوم يأتي من تخرج الحموضة الكريهة من فمه، من يتكلم وفي بطنه بئر قذرة، لا يسحب منها إلا ماء آسنا ضد أهلنا العراقيين، في الأردن، يريدون تحميلهم مسؤولية هذا الغلاء وهذه الحياة، على الرغم من أن العراقيين يعيشون أصلا في بلدهم وهذا حق لهم، بإقامة ودون إقامة، هذا قليل مما يستحقون، حين وقفوا معنا طوال عقود، وحين علمت جامعاتهم عشرات آلاف الأردنيين، مجانا، وحين يأتي من ينسى كل هذا، ويريد الإساءة للشعب العراقي، ولأي عراقي يقيم في الأردن تحت أي عنوان كان.. وهي قلة من الأردنيين تفعل ذلك، فالشعب الأردني شعب شهم وكريم وصاحب أصالة، ولا تمس قيمه هذه "العنترات" من ضعاف النفوس والمرضى، تحت أي تبرير كان.
حزنت بشدة لأجل الأطفال العراقيين في المدارس حين يتم جرحهم بهذه الطريقة، فلولا التربية المنحطة لأهالي بعض الطلبة، لما سمع هؤلاء هذا الكلام الفاسد في البيوت ونقلوه إلى المدارس، وهي تربية ستؤدي إلى نقل الكراهية حتى بين أبناء البيت الواحد، حين لا يتم إفهام كثيرين بأن العراق هو صاحب الأولى، وأنه قدم لنا الكثير، فلا ضير لو احتملنا، أي كلف مالية أو معنوية، فما هي هذه الطبيعة البشرية للبعض التي تقترب من حدود الطبيعة الحيوانية، حين يريد الأخذ من غيره، وحين يأتي دوره في أي عطاء، يريد إدارة ظهره، بل ومس العراقيين في الأردن.!!
لا عليكم يا أهل العراق، أنتم في بلدكم وبين أهلكم، فإذا جرح أحدكم جاهل أو مريض أو متخلف، فاعلموا أنكم منا ونحن منكم، وأن مقابل كل صاحب نفس مريضة هناك نفوس خيرة، وأن هذا الزمن الذي بات صعبا عليكم لا بد أن ينتهي، وعندها ستذكرون بألم ذكريات المهاجر، وكيف عاملكم الناس، حين لم ينصفكم البعض في ساعة ضعف أو ضيق، لا عليكم يا أهل العراق، فمن يجرحكم هو أيضا ليس منا، ولا يمثل الأردنيين، بأي حال من الأحوال، فالشعب الأردني فيه خير ومروءة لا تسمح بسريان هذه المفردات وهذه الثقافة الانعزالية التي يرفضها رب العالمين.
سلام عليك أيها العراق، وسلام عليك يا بغداد والبصرة والموصل، وكل المدن المبتلاة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
لا يريد العراقيون منا شيئا، فقط سددوا جزءا من دينهم الذي في أعناقنا أساساً، إذا كان لدى البعض.. بعض وفاء.
* عن جريدة (الدستور) الأردنية 1/3/2008