أحلام فارسية وأوهام صفوية
بقلم: أبو ذر / العراق المحتل
جاء في الإنباء، نية الرئيس الإيراني التوجه إلى بغداد المحتلة في الثاني من شهر آذار / مارس القادم، وهذه سابقة تاريخية، لم تعرف العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين لها مثيلا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وحتى الاحتلال الأمريكي الغاشم لها. ففي حين قام الملك فيصل الأول بزيارة دولة إلى طهران في 26 نيسان من عام 1932، ثم قام الرئيس عبد الرحمن عارف بزيارة دولة إليها أيضا في 14 آذار من عام 1967..، لم ينبري أي من حكام إيران خلال تلك الحقبة الزمنية، بهلويا كان أم خمينيا، لزيارة العراق بصفته الرسمية.. وهي ظاهرة تستوقف النظر حقا، على الأخص إذا ما عرفنا إن التاريخ الحديث للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين أية دولتين متجاورتين في العالم أجمع، يخلو تماما من أي مثيل لها، حتى وإن سادت بين ذينيك الدولتين المتجاورتين حروب وصراعات لسنين عديدة، إنها ظاهرة فريدة، وتكاد إن تكون مفردة، في العلاقات الدولية انفردت بها إيران وخصت بها العراق وحده دون جميع البلدان المجاورة لها.
فما الذي يقف وراء هذه الظاهرة؟
لن يخفى على أي مطلع لتاريخ إيران والعراق، تشخيص النزعة الدائمة عند جميع أنظمة الحكم المتعاقبة على سدة الحكم في إيران للسيطرة على العراق، هذا بغض النظر عن السلالة التي تنحدر منها تلك الأنظمة أو العقيدة الدينية التي تعتنقها أو النهج السياسي الذي تتبناه..، مما تسبب بعدم الاستقرار المستمر الذي لازم العلاقات السياسية بينهما، وخصوصا بعد قيام الإمبراطورية الصفوية مطلع القرن السادس عشر الميلادي.
لقد ظلت هذه النزعة الفارسية - الصفوية مستحكمة في سيطرتها على سلوك إيران دولة ومؤسسات وحكاما في تعاملها مع العراق، فكانت إيران الدولة تتصرف على الدوام وكأن العراق جزءا تابعا لها، وليس وجودا مستقلا عنها، ولهذا ما انفكت عن التدخل بشؤونه الداخلية، والتطاول على حقوقه، والتعامل مع سلطة الحكم القائمة عليه بدونية واضحة، ولعل في هذا ما يفسر تلك الظاهرة الفريدة التي قدمنا إليها في هذا الحديث.
إن هذه النزعة الفارسية - الصفوية إذ تتناقض مع حقائق التاريخ، وثوابت الجغرافيا، التي تشكل معا مكونا أساسيا لنشأة ووجود وحدود كل من العراق وإيران، فإنها تقوم على سلوك عدواني مفضوح في التعامل مع العراق، ومقاصد توسعية على حساب حقوقه التاريخية المشروعة، ونحسب إن منشأ هذه النزعة العدوانية الموروثة عندهم هو الغل الذي تختزنه سرائرهم على العراق العربي منذ هزيمتهم التاريخية المرة في موقعة ذي قار عام 609 ميلادية، ذلك اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نصروا))، ثم إن محركها فيهم هو الحقد الذي تكظمه نفوسهم على العرب المسلمين منذ هزيمتهم الماحقة يوم القادسية عام 636 ميلادية.
بعد هذا.. لن نستغرب غلوهم في عدوانهم المتواصل على العراق العربي ولو تبدلت ألقابهم، وتغيرت عناوينهم، فجميعهم، أكاسرة، وشاهات، ومرشدين، ورؤساء، ينهلون مواقفهم من ذات منابع الغل الفارسية على كل ما هو عراقي وطني، كما ولن نتعجب إصرارهم على إيذاء العراق العربي المسلم وشعبه الأبي بكل ما يستطيعون إلى ذلك سبيلا، وإن تغيرت نظمهم السياسية، وتبدلت راياتهم، فجميعهم إمبراطوريين أم جمهوريين، ليبراليين أم متمسحين بالإسلام، يرضعون قيمهم من ذات منابع الحقد الصفوي على كل ما هو عروبي إسلامي.
ولكن يبدو أنه لم يشفِ عدوانيتهم حتى الآن ما افترسوه لحما طاهرا محرما، وما ارتشفوه دما غاليا زكيا، من أرواح أبناء شعبنا التي مافتئوا يزهقونها بأيدي عصابات أحزابهم الطائفية، ومرتزقة حرسهم ومخابراتهم منذ خمس سنين عجاف، ويبدو أنه لم يروِ ظمأ غلهم حتى ألان ما انتهكوه من عفيف الإعراض، ويبدو أنه لم يطفأ جذوة حقدهم حتى الآن ما دمروه من حواضرنا، وما هدموه من منشآتنا، وما حرقوه من مساجدنا وكنائسنا، ويبدو أنه لم يشبعِ طمعهم حتى الآن ما سلبوه من خيراتنا، وما سرقوه من مواردنا، وما نهبوه من رزقنا، وما اغتصبوه من حقوقنا، يبدو أن كل ذلك، وغيره الكثير الكثير، لم يروِ نزعة عدوانيتهم الفارسية - الصفوية، فدفعوا بصنيعة حقدهم، ونصل غلهم، رئيسهم، ليتوجه إلى بغداد المحتلة، حيث تظله حراب المحتلين الأمريكان بظلها، بعد إن عزَّ عليه، وعلى سابقيه، وفلول لهم جاوز تعدادها الملايين، اجتياح أسوار عراق الحضارة، أسد العروبة ((فاتحين))..، ثم اختاروا، توكيدا لغلوهم في عدوانيتهم تجاه العراق العربي، وشعبه الصابر المحتسب، يوم الثاني من آذار / مارس موعدا لوجهته، والثاني من آذار هو يوم غدرهم بعراق العروبة، يوم إطلاقهم لأفاعيهم الرقطاء عبر حدودنا لتعيث فسادا وإفسادا في مدننا، يوم دبيب عقاربهم السوداء من جحورها لتدس سمومها طعنات قاتلة لأحبتنا، يوم تسلل جرذانهم الموبوءة بطاعون الحقد الصفوي لحواضرنا، يوم خستهم ودناءتهم، يوم خيانتهم لكل العهود والمواثيق.
أبهذا اليوم هم وغلمانهم يفخرون..؟ ويمجدونه تاريخا يحتفون به كل عام، ثم.. يختارونه موعدا لتطأ به قدمي رئيسهم أرض العراق المحتل..؟!
المؤكد إن في هذا الاختيار تعويض لنفوسهم المملوءة حقدا وغلا عن حسرتهم على هزيمة شرورهم التي أطلقوها في ذلك اليوم المنبوذ من عام 1991، وتجديد لحلم فارسي يستوطن مخيلتهم باستعادة أمجاد عنصريتهم الغابرة، وتمني لوهم صفوي يعشش في ضمائرهم بالسيطرة على العراق العربي، فدعهم بما اختاروا يحلمون، واتركهم بما شاءوا يتوهمون، ولنا معهم يوم موعود. ((فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ)) (الطور/45-46) صدق الله العظيم..
25 شباط 2008