مراجعات في ذكرى العدوان الأمريكي (1)
بقلم: أبو ذر
من أجل النفط..
حين قرر الامبرياليون الأمريكان غزو عراق العروبة، كانت تقديراتهم الأولية لتكاليف عدوانهم المالية، وعلى أبعد توقعاتهم، تشير إلى مبلغ 75 مليار دولار . غير إنه، وبعد مضي خمس سنوات عجاف على احتلالهم لوطننا، لابد أنهم قد أيقنوا إن حسابات عدوانيتهم الرعناء لا يمكن إن تتطابق مع، ولا حتى إن تقترب من، معطيات الواقع العراقي . فمما كشفت عنه مؤخرا دراسة أُعدت من قبل الخبيرين الاقتصاديين الأمريكيين (جوزيف ستيغليتز) أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، و(ليندا بيلمز) أستاذة المالية العامة في جامعة هارفارد، إن التكلفة المالية للعدوان الأمريكي على العراق قد وصلت حتى نهاية عام 2007 إلى 3 تريليون دولار أمريكي، أي 3000 مليار دولار، ويدخل ضمن ذلك خسائرهم بالمعدات التي طالت العشرات من الطائرات القتالية والتجسسية والمئات من الدبابات والمدرعات وعجلات القتال المختلفة والمهمات المتنوعة . هذا الرقم الفلكي يساوي ما نسبته 22% من مجموع عوائد الدخل الفدرالي الأمريكي لعام 2007 ..، وهو يوازي تقريبا مجموع المداخيل المالية للدول العربية مجتمعة للأعوام الثلاثة من 2004 ولغاية 2006.
ومع إن الامبرياليين الأمريكان كانوا متفوقين دائما في استغلال الظروف الدولية والإقليمية لتمويل حروبهم وحملاتهم العسكرية، بل والابتزاز لتحقيق ربح طائل منها، وكما حدث أبان حربهم العدوانية الأولى على العراق مطلع العام 1991، إذ فضلا عن أنهم لم يدفعوا سنتا واحدا من خزائنهم لتمويلها، فقد حققوا ربحا ماليا يصل إلى 25 مليار دولار مما دفعته دول بعينها في تغطية تكلفة تلك الحرب العدوانية ( دفعت السعودية 60 مليار دولار والكويت 30 مليار دولار والإمارات 12 مليار دولار وألمانيا 12 مليار دولار واليابان 12 مليار دولار ) ..، إلا أنهم هذه المرة قد غَلِبوا واستعصى عليهم إن يجدوا من بين دول العالم من يستغلونها، أو يبتزون حكامها، لتدفع لهم، فبلعوها لوحدهم.
هذا عن خسائرهم في الأموال، والتي تأتي دائما في الصدارة من اهتمامهم كرأسماليين، والتي تؤكد الدراسة المنوه عنها، أنها في ازدياد مطرد دائما نتيجة لتفاقم وجسامة ما يتكبدونه من هزائم بفعل الضربات النجلاء والموفقة التي تسددها إليهم مقاومتنا الباسلة، إما عن خسائرهم في الأشخاص، فإذا ما نحينا جانبا الأرقام المعلنة عن فصائل مقاومتنا الباسلة والتي تجاوزت 36,000 قتيل، مع ثقتنا المطلقة بصحة ودقة ما تقدمه مقاومتنا الباسلة بجميع فصائلها من إحصاءات وتقديرات عن خسائر المحتلين وعملائهم ..، وإذا ما أبعدنا ما قدرته المصادر الغربية المستقلة والمحايدة لهذه الخسائر والتي قاربت عندها 20,000 قتيل، مع إدراكنا إن تلك المصادر غالبا ما تدفعها ((حياديتها)) إلى إسقاط كثير من الحقائق والأرقام من تقديراتها ..، واعتمدنا الأرقام المعلنة رسميا من قبل المحتلين أنفسهم والتي وصلت حتى اليوم إلى أربعة ألاف قتيل ..، مع ملاحظة بان هذا الرقم المعلن لا يتضمن من ينفق من جنود المحتلين بعد إصابته بجروح حيث يدخلونه في عداد الجرحى، ولا يشمل كذلك القتلى من المدنيين العاملين داخل مقرات ومواقع قطعاتهم، أمريكيين كانوا أم من جنسيات أخرى، ولا يشمل أيضا النافقين من مرتزقة ((بلاك ووتر)) وشركات الحمايات وشركات تجهيز المؤن والخدمات المختلفة لفلولهم.
وعلاوة على ذلك، وباعتماد النسبة التي أقرتها الدراسة المشار إليها سالفا بسقوط 16 جريح مقابل كل قتيل ..، فان ثمة 64,000 جريح في صفوف قطعانهم الغازية يضافون إلى قتلاهم ضمن خسائرهم في الأشخاص..، وان نسبة 20% (حسب ذات الدراسة) من بين هؤلاء الجرحى، أي ما يقرب من 13,000 جريح منهم، مصابون بجروح بالغة وعاهات دائمة وإمراض عقلية ونفسية مستعصية.
فلماذا كل هذا؟..
حرب عدوانية تمنوها خاطفة، فتبخرت أحلامهم فيما تمنوه، وسقطت من أيديهم كل مقدرة على إنهائها كما يتمنون، وقيض لها إن تمتد لزمن لم يتخيلوه، رغم زجهم في أتونها بترسانة سلاح ومعدات كانوا قد خزنوها لمواجهة إقرانهم من ((الدول العظمى))، ورغم دفعهم لمحرقتها بأفضل قطعاتهم المسلحة عدة وعديدا.
حرب عدوانية حسبوها محدودة التكاليف، فأخطأوا الحساب، وفلتت من قبضتهم، ولم تزل، المليارات تلو المليارات من دولارات خزينتهم، لتضيف بتكاليفها المستمرة والمتصاعدة عبئا جديدا إلى أعباء خزينتهم المثقلة أصلا بالعجز والتضخم والدين العام وفوائده.
حرب عدوانية أرادوها نزهة لفلول عساكرهم في أرض الفراتين حين أوهموهم إن الورود والرياحين وهتافات الترحيب والثناء ستكون بانتظارهم، فخابت أمانيهم، وانقلبت أوهامهم واقعاً مراً، تسقيهم منه مقاومتنا الباسلة الجسور في كل حين، وفي كل مكان من أرضنا الطاهرة، كأس الهزيمة المرة والموت الزؤام يفتك بأرواح فلولهم الضالة المضلة.
فلماذا كل هذا ؟ أعني لماذا يستمر هؤلاء الامبرياليون من عبيد الدولار في دفع الباهظ من التكاليف لتمويل حرب عدوانية صار يجاهر بفشلها الأكيد العديد من دهاقنتهم في مؤسسات السياسة والجيش، والكثير من عقولهم في الطب والاجتماع والاقتصاد، وتعارضها الغالبية من شعبهم حسب استطلاعات الرأي العام المنشورة في وسائل إعلامهم المختلفة، لماذا لا يجنحون إلى العمل بمبدئهم الاقتصادي العتيد cut your losses (أنهي خسائرك)، فيكفوا جيوبهم وأنفسهم وفلولهم وشعبهم المزيد من مر الخسران وعار الهزيمة ومسؤولية العدوان..؟
يجيب (بول وولفيتز) المساعد السابق لوزير دفاعهم السابق (2001 - 2005)، وأحد الرؤؤس المدبرة لهذه الحرب العدوانية فيقول: ((لم يكن إمامنا خيار أخر غير العراق، فتلك البلاد تطفو على بحر من النفط )). نعم.. أنه النفط، وقد صدق (وولفيتز)، وأن كان من الكاذبين، فالنفط هو غايتهم، وهو دافعهم الأول والأساسي لاحتلال وطننا، وكل ما عداه من أسباب أخرى لعدوانهم يأتي في مراتب تالية من اهتمامهم به، أنهم يعلمون علم اليقين بأن أرض عراق العروبة تستبطن ربع احتياطي العالم بأسره من النفط، وإن كلفة أنتاج برميل النفط العراقي هي الأدنى بين تكاليف أنتاج نفوط دول العالم الأخرى، وإن القدرة الإنتاجية لأبار النفط العراقية يمكن مضاعفتها خلال فترة زمنية وجيزة، ثم مضاعفتها إضعافا خلال سنين معدودة، وان هذه الميزات مجتمعة ستكفل لهم، لو تحققت لهم السيطرة الكاملة على هذا المنبع إنتاجا وتسويقا، سد حاجتهم المستمرة والمتزايدة من النفط بأبخس الإثمان، وتعزيز فرص هيمنتهم على ثلثي نفط العالم الذي تختزنه أراضي المشرق العربي والجزيرة العربية، ثم ضمان إن يكون القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا خالصا.
إن إدراكنا لأولويات ما يستهدفه المحتلون الغزاة إذ يكشف لنا خفايا خططهم المعلنة ودسائسهم المبطنة، فأنه يمكننا في ذات الوقت من تعريتها والإجهاز عليها ..، وان هزيمتهم المؤكدة بعون الله تعالى تحت ضربات فصائل مقاومتنا الباسلة، إذ تسجل نصرا بهيا للعراق العربي، فإنها ستحيل خططهم وأمانيهم في فرض هيمنتهم على هذا القرن من الزمان إلى حلم، مجرد حلم بعيد المنال.
العراق المحتل في 21/3/2008