غزة ضحك بطعم المحرقة..
سامي الأخرس
ضحك بطعم المحرقة، وفرح بطعم الدم، هستيريا مفاجأة تصيبك وأصوات صرخات الطفل تئن من لهب مشتعل يقتحم مخدعه، وعويل شقيقه تهم لإنقاذ شقيقها المدرج بدمائه أمام ناظريها فما أن تصل إليه فيباغتها قناص باحدي رصاصات المحرقة، لتحتضن سناء جثمان أخاها ويزفا معا إلي حياة الخلد، سناء النائمة تصحو متفحمة، لتشاطرها جاكلين استصراخ ضمائر العالم الأصم استرحاما من محرقة القرن الواحد والعشرون.
أطفالنا يُقدمون وجبات متفحمة علي لهب الحقد ليهنأ العالم المتحضر وهو يتلذذ على لحوم عصافير فلسطين وغزة، وهي تتفحم علي لهب المحرقة الصهيونية، ونسائنا تتمزق لأشلاء وهي تحاول استجماع كومات اللحم المتناثرة في أزقة غزة بظلام المذبحة.
إنه فعلا ضحك بطعم المحرقة، وفرح بطعم الحزن هذا الذي نعيش فيه وأمة المليار تتسامر حول شاشات التلفزة تكفكف الدمع، وتنشد الفرج العاجل من الله، فالصورة مشوهة، والمشهد عبثي، والمذبحة مستمرة ومتواصلة.
غزة اليوم هي غزة الأمس منذ سنوات عام، شمسها تشرق على إيقاع الحزن، وقمرها يبزغ علي صرخات الألم، فمن يغيثها غزة؟
إنها المحرقة الفعلية تلك التي نعيشها، ولكن ليس في غزة فقط، بل محرقة عامة تعيشها هذه الأمة التي يُعتدي على كرامتها، وينهك عرضها، ويتطاول على نبيها، وهي تستجدي الفيتو الأمريكي أن لا يقول كلمته، وتترقب زعيم هنا يلقي خطاب ثوري وآخر يدين ويشجب ويستنكر، والمحصلة محرقة عربية متكاملة، تتقد يوم تلو يوم لتحرق الفرح في جسدنا الممزق أشلاء.
لا نستطيع الكتابة أو التحليل عندما نستحضر كلمات وزير الدفاع الصهيوني "محرقة" لأنه فعلا كان صادقا، لم يكذب ولم ينافق ولم يتجمل، فهي المحرقة التي حولت غزة وفلسطين لمذبحة أطفال شاهدها محمد البرعي، ووقودها سناء وجاكلين وعشرات الشهداء وكل أطفال فلسطين وغزة، إنها المحرقة التي لا تتطلب سوي بيان شجب وإدانة وتنديد من مؤسسات الجامعة العربية ومجلس الأمن وزعامات الصمت، وقوي التلفزة الفضائية التي تركت محرقتنا مشتعلة، ولا زالت تقود عبثيتها في خوض غمار معركة داخلية ها هي نتائجها محرقة على الأرض.
لا أقوى على قول شيء جيد فالعقل متمرد على التفكير والرزانة والمنطق، ففي خضم المعركة والمحرقة لا زالت أجد تلفاز فلسطين وتلفاز الأقصى يتلاعبان بأجساد أطفالنا، ليدون كلا منهم نصر كاذب في معركة الفضائيات، فأخرسوا أشرف لكم، وغادروا عقولنا التي كدستم الحقد بها، غادروا سماء هذا الوطن الذي أصبح جثمان أطفاله مادة لمعركة قذرة وقودها "محمد البرعي " وأطفال فلسطين.
إنها صرخات مدوية تحملها عصافير فلسطين التي تسقط بفعل المحرقة، بوجهيها محرقة القاتل الصهيوني، ومحرقة الفتنة الداخلية، صرخات الموت التي نعيش فيها ونتجرع علقهما.. فأين أنتم؟!
غزة تعيش المحرقة وتستغيث هذه الضمائر التي لا زالت تصدح بسماء الحق – إن وجدت- فهل من مغيث؟