لم ندحرهم ولم ننتصر عليهم ولم نفشلهم

سامي الأخرس

كثيرا ما نقف أحيانا لنبارك لأنفسنا بالانتصار، والنصر، وفي كل مرة نقيم الاحتفالات ويخرج للنصر ألف أب عكس الهزيمة التي لا تجد لها أب شرعي واحد، في السابق قلنا يجب أن لا نبالغ في فرحتنا ولا نهول من هزائمنا، وعلينا أن نحتكم للواقعية ونستند للحقائق في تعاطينا مع الأمور حتى لا ننخدع ونبقي منغمسين بجهالتنا التي لا نجني منها سوى الخديعة للنفس وتضليل الذات.

بداية إن مقاومتنا بإمكانياتها المتواضعة أمام هذا العدو فهي تسطر ملحمة بطولية على الأرض، فهي تحاول بإرادتها وإيمانها المطلق بحتمية المواجهة على خلق قاعدة ثابتة لها للانطلاق بمشاكسة هذه الآلة الصهيونية وعرقلتها قدر المستطاع عن استباحة الأرض وتحقيق أهدافها بأريحية، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن نسترخص دمائنا ولا نضعها في ميزان الخسائر وكأنها طيور تتساقط وتوارى الثرى ونترحم عليها، فالإنسان هو أغلى المخلوقات وهو الذي كرمه الله ووضعه بأبهى صورة وأسمى مكانة، فالإنسان أغلى من الأرض وأغلى من كل شيء، وهو الأغلى لأنه هو الحياة، فكيف تقاس عملية النصر والهزيمة؟

المشاهد لحجم الدمار والقتل الذي خلفه العدو في محرقته الأخيرة التي لا زالت مستمرة يقف مصدوما أمام هول الصدمة والفاجعة التي يراها، آثار تدميرية لا يتقبلها أو يتصورها إنسان أو ذو صاحب عقل، مجزرة فعلية استمرت على مدار خمس أيام حصدت من الأرواح ما معدله 24 شهيد يوميا، وعشرات الجرحى والمصابين، وعشرات المنازل التي دمرت على رؤوس أهلها وهم نيام، وخسائر مادية لا يمكن حصرها لمجرد زيارة للمناطق المنكوبة التي عاشت قصف جوي وبري وبحري على مدار خمس أيام متواصلة، فبقعة جغرافية صغيرة كمسجد بلال في مدينة رفح الذي تم قصفه دمر منطقة ومساحة كاملة من المنازل والمؤسسات والمحال، وسبع شهداء وعشرات الجرحى، هذه الصورة من غارة لم تستمر سوى خمس دقائق فقط، فلكم تصور وتخيل شمال ووسط غزة الذي عاش خمس أيام بنهارها وليلها تحت مدافع الدبابات وصواريخ الطائرات ورصاص القناصة، حربا ضروس آتت على الأخضر واليابس، الإنسان والطير، والحجر، جل ضحاياه من الأطفال والنساء، مأساة إنسانية تدمي القلب، وتدفعك للحسرة إن لم يكن للجنون، ومن ثم نحتفل بالنصر والانتصار، ونروج أمام العالم أجمع إننا نمتلك من السلاح والأدوات ما يستطيع هزيمة هذا العدو، ويصمد في وجه آلة الموت الصهيونية، مما يشكل مبررا لشن مزيد من عمليات القتل المستمرة، ويؤكد دعايته بأننا نمتلك ما يهدد "أمن إسرائيل"، نفس الأخطاء التي ارتكبناها عندما انسحب العدو من غزة انسحاب أحادي الطرف حيث جعلنا العالم يعتقد ويتصور إننا فعلا دحرنا العدو وحررنا الأرض، فمنحت "إسرائيل" الوسائل والأدوات ليقول للعالم إننا نواجه كيان وجيش وقوة تمتلك مقومات الحرب، فتحولت "إسرائيل" لضحية ونحن الجلاد.

إذا أردتم الاحتكام لمنطق الإعلام فاحتفلوا كيفما شئتم واجعلوا صورة الاحتفالات ومشاهدها تطغوا على حجم الجريمة والمحرقة الفعلية التي ارتكبها العدو في غزة، وهنيئا لكم نصركم المزيف، وهنيئا لـ"إسرائيل" هزيمتها التي ستكررها عشرات المرات وتكون هي الدولة المهزومة التي تدافع عن وجودها، ونحن المنتصرون الذين نهدد "إسرائيل"، ما دمنا نخلق لهم المبررات، ونقدم لهم الذرائع عل طبق من ذهب.

لا يا سادة نحن لم ننتصر، ولم ندحر العدو فهو قد مارس محرقة فعلية ضد غزة وأهلها، محرقة وقودها ليس أفراد جيش مدجج بالسلاح بل أطفال ونساء وشجر، محرقة دمرت المنازل والأرض، محرقة أحرقت الحجر والبشر، هذه المحرقة يجب أن توثق وأن يراها كل العالم وكل الأمم المتحضرة، ومقاضاة حكام "إسرائيل" وجندها بتهم الإرهاب قولا وفعلا، يجب أن توثق أقوال "فلنائي" بالصوت وتقدم للعالم مع صور المحرقة على الأرض، وأن يدرك العالم أن الشعب الفلسطيني يحرق ويقتل، من آله نازية عدوانية.

فأي نصر هذا الذي تحتفلوا به وتتحدثوا عنه؟ وأي نصر الذي توهمونا به، فهو نصر بأحلامكم يعطي عدونا الفرصة والمبرر لتبرير مذابحه؟

فاخجلوا وعودوا لرشدكم إننا نذبح، ونقتل، ونهزم، فلم ننتصر، ولم ندحر العدو، وليس لدينا من الوسائل سوى الإرادة بالتثبت بالأرض، فليضطلع العالم بمسؤولياته ويقف في وجه هذه النازية الصهيونية، فنحن لا نقوي على مواجهة هذه الآلة ونازيتها لوحدنا، فهي تمتلك ما لم نمتلكه، نحن شعب أعزل، محاصر، جائع، فقير، لا يمتلك سوى إرادته وحقه في أرضه وكرامته فقط، هذه هي أسلحتنا التي نواجه بها، لا نتملك غيرها من ثروات، أو ترسانة أسلحة متطورة تقليدية أو غير تقليدية، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته أمام المذبحة التي ترتكب بحق شعب أعزل مقهور محتل.

قسما لم ندحرهم، ولم نهزمهم، ولم نفشلهم، بل هم من يذبحونا، ويذبحوا أطفالنا، ويدمروا بيوتنا، وينتهكوا أرضنا، ويحرقوا نساءنا، ويستبيحوا كرامتنا.

4/3/2008