فضل الله.. الجريمة والغصّة

علي الصراف

لم تمض سوى ثلاثة أيام على التفجير الذي استهدف موكب الزوار الشيعة في الطريق إلى كربلاء لإحياء يوم الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين، "وأوقع 63 قتيلا الأحد الماضي"، حتى أصدر المرجع الشيعي الكبير محمد حسين فضل الله بيانا ندد فيه بالجريمة ودعا إلى "التحرك بقوة ضد منهج التكفير الذي يستخدم لقتل المسلمين".

وقال فضل الله "إن الذين استهدفوا زوار الإمام الحسين في عملياتهم الانتحارية الوحشية أساؤوا إلى صورة المقاومة الإسلامية والوطنية الشريفة ضد الاحتلال الأمريكي". وختم بالقول: "إننا ندعو علماء المسلمين من جميع المذاهب في العالم الإسلامي.. إلى التحرك بقوة حتى لا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع".

ونحن نؤيد العلامة فضل الله في كل كلمة قالها، ولدينا من الأدلة والبراهين التي تثبت أن العديد من فصائل المقاومة العراقية قالت مثلها أيضا، وما يزال الكثير من الكتاب والمثقفين الأحرار يرددون الموقف نفسه الذي يندد بالتعرض للمدنيين في أي أعمال قد تأتي في سياق مواجهة الغزاة، ولكن كلام السيد فضل الله يترك في الحلق مرارة، وفى البلعوم غصّة.

لقد أُرتكبت هذه الجريمة في سياق تم خلاله ذبح مئات الآلاف من الأبرياء السنة، وهناك الملايين منهم الذين هُجروا وتشردوا، ودُمرت مدنهم وبلداتهم وقراهم على رؤوس أهلها، ومن الواضح، لكل ذي بصر وبصيرة، أن المليشيات الشيعية التي استولت على السلطة من خلف دبابات العم سام، لعبت وما تزال تلعب، الدور الأكبر في العشرات من المجازر الوحشية التي تطول مسلمين لا يبدو أن العلامة فضل الله يرى بوضوح المأساة المروعة والوحشية الظالمة التي وقعوا تحتها.

"تكفير" الشيعة هو أسم نُطلقه كلما وقع بضع ضحايا أبرياء من جراء جريمة يرتكبها أفراد، على سبيل الانتقام، أو مجموعة دجالين يتخذون من المقاومة ستارا لانغلاقهم العقائدي، ولكن ماذا بشأن الجريمة المنظمة التي تمارسها المليشيات الشيعية ضد ملايين الأبرياء؟ ماذا عن مئات الآلاف من المعتقلين الأبرياء في سجون حكومة آيات الله من الدجالين الشيعة في بغداد؟ وماذا عن كل أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب الوحشية التي يمارسها عملاء "الحرس الثوري الإيراني" ضد ما لا يحصى من المسلمين الآخرين لمجرد أنهم سُنّة؟ وماذا عن جدران الإسمنت التي يُعزل خلفها الأبرياء من قبل حكومة ذوي العمائم "والأعمال" السوداء؟ وماذا عن كل ما تستبيحه مليشيات الشيعة من أموال وثروات هذا البلد الضحية؟ وماذا عن اغتيال المئات من العلماء والخبراء؟ وماذا عن تحويل كل مؤسسات الدولة العراقية، وكل الجامعات، وكل الحسينيات، إلى مراكز لنشر الكراهية والتفرقة الطائفية؟

لا نريد، ولا نستطيع أن ننكر على السيد فضل الله يقظة ضميره، ونحن "سنة وشيعة" بحاجة إليها على حد سواء، ولكننا نقول أن إدانة جريمة يرتكبها أحد من "الطرف الآخر" لا يتطلب أي شجاعة.

الشجاعة هي عندما ندين الجريمة التي يرتكبها أحد من "طرفنا" نفسه، الشجاعة هي آن نلاحقه بسببها، الشجاعة هي أن نتبرأ منه إذا فعلها.

والوطنيون العراقيون شجعان، بالفم الملآن، الكثير من فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية، والكثير من الأحرار لم يتركوا مناسبة إلا وأعلنوا فيها إدانتهم التامة لكل جريمة يقع ضحيتها أبرياء، وخاصة إذا كانوا من الشيعة. لأنهم يعرفون المجرى الطائفي الذي يسير فيه مشروع الاحتلال، ولأنهم لا يريدون لمقاومتهم أن تنحرف عن مسارها التحرري الوطني والإسلامي النبيل.

وكم كنا نتمنى على هذا المرجع الكبير أن يكبر في قلوب كل الضحايا، وليس فقط في الدفاع عن ضحايا طائفته وحدهم، وبيننا وبينه العدد على الأقل.

إذا كان العلامة فضل الله لا يعرف كم قُتل من الأبرياء السُنّة، وكم اعتقل منهم، وكم تم تعذيبهم بـ"الدريلات" "وهذا ما لم يسمع به الشيخ الجليل بعد"، وكم جثة منهم رميت على قارعات الطرق، وكم هجروا من منازلهم، وكم يتيم صار في منازلهم، وكم أرملة، وكم طفل منهم يجوع ويتشرد، فنحن نتوسل إليه أن يسأل.

المعرفة، قد تكون مجرد اختيار لكل الناس، ولكنها واجب شرعي على المرجع الديني.

فإذا اكتشف المجاهد فضل الله أن مليشيات "بدر" و"الصدر" و"الدعوة" و"فيلق القدس" "جنبا إلى جنب حلفائها من "المارينز" و"بلاك ووتر" و"الموساد" و"البيشمركة"" ترتكب من الجرائم اليومية والرسمية والمنهجية ما لم يستطع أن يصل "التكفيريون" إلى عشر معشاره، فأننا سنترك الأمر إلى يقظة ضميره ليقول لنا، أي الجهاد أوجب: الذهاب إلى زيارة الحسين في أربعينيته، أم القتال إلى جانب الأحرار السُنّة ضد الغزاة ومليشيات عملائهم الشيعة؟

ظننا الأكيد انه سيكفر بهؤلاء العملاء، وسيتبرأ منهم، قبل أن يلقي باللائمة على أحد غيرهم، وظننا الأكيد أنه سيقف مع الأحرار.