"المقاومة الشريفة".. كم هي شريفة؟

علي الصراف

ينكر المتواطئون مع المشروع الصفوي- الصهيوني في العراق، على المقاومة الوطنية والإسلامية اسمها ودورها كمقاومة، ويقول بعضهم أنهم هم "المقاومة"، ولكي يُميزوا أنفسهم عن المقاومة الأخرى، فقد وصفوا أنفسهم بأنهم "المقاومة الشريفة"، وسرعان ما أصبح التعبير يتردد على ألسنة سياسيين ورجال دين يريدون وضع مسافة بينهم وبين المواجهة المسلحة ضد قوات الاحتلال ومليشيات حكومته.

ولكن كم هي "شريفة" تلك "المقاومة الشريفة"؟

ينسب أهل "المقاومة الشريفة" كل الأعمال الوحشية التي تُرتكب في لجة الفوضى إلى المقاومة الأخرى، أولاًً، لكي يُطهّروا ساحة الاحتلال، وثانياً لكي يبرئوا أنفسهم مما يعرفه الجميع عن أفعالهم، وثالثاً، لكي يقولوا أن المقاومة "الوطنية والإسلامية" لا تقاوم الاحتلال بقدر ما ترتكب جرائم ضد الأبرياء، وضد المنشآت المدنية، وضد العصافير.. "إذا كان المتحدث شاعرا"، وكأن الـ 4000 جندي أمريكي الذين قتلوا في المواجهة مع المقاومة، ماتوا "نتل" بالكهرباء، وليس بعمليات قتال كلفت الكثير من التضحيات وتطلبت الكثير من البسالة، وهناك فوق ذلك العدد من القتلى مثلهم على الأقل من المرتزقة، إلى جانب أكثر من 25 ألف جريح، فهؤلاء كلهم سقطوا بحادث سير، وذلك بما أن المقاومة تشغل وقتها بقتل الأبرياء فقط.

والكل يعرف أن المقاومة الوطنية الإسلامية تضم أكثر من 50 فصيلاً مسلحاً "في إطار ثلاثة تحالفات كبرى"، وثلثاها ينطلق من موقف وطني مستقل تماماً عن الموقف الوطني الذي يتبناه الفريق الثالث الذي يقوده الحزب الحاكم السابق، إلا أن المتحدثين باسم "المقاومة الشريفة" ينسبون تلك الأغلبية، وكل المقاومة، إلى "النظام السابق"، أولاً، لكي ينكروا على الوطنيين وطنيتهم المستقلة، وثانياً، لكي يربطوا هذه الأغلبية بأخطاء لا شأن لها بها، وثالثاً، لكي يضيع المعنى من "الوطنية" كمشروع توحيدي، فلا يبقى إلا الطائفية.

ولئن كانت المقاومةُ عراقيةَ الروح والانتماء والهوية، بكل معانيها التعددية التي يمثلها العراق، ولئن كان 90 في المائة من جسم هذه المقاومة عراقياً، إلا أن أصحاب "المقاومة الشريفة" كثيراً ما يتهمون هذه المقاومة بـ"التكفيرية" التي يمثلها فريق واحد.

أولا، لكي يتبنوا خطاب الاحتلال القائل أن المقاومة "مستوردة من الخارج"، وثانياً، للقول إن العلاقة بين الاحتلال والعراقيين "دهن ودبس"، وثالثاً، لكي يُضفوا على المقاومة طابعاً طائفياً يُغطّون به طائفيتهم، فإذا كان كل ذلك من دلائل عدم الشرف، فهناك ما هو أسوأ.

فـ "المقاومة الشريفة" لا تقاوم الاحتلال، ولكنها تقاوم العراقيين المناهضين للاحتلال، هذا هو "الشرف"، من منظور "المقاومة الشريفة"، وفصائلها تعرف جيداً كيف تقتل الأبرياء على الهوية، وكيف تنصب الحواجز على الطرق لكي تجز رقاب المواطنين "السنّة"، لمجرد أنهم "سنّة"، وتعرف كيف ترمى جثثهم على الأرصفة، وتعرف كيف تمارس التعذيب بوسائل تجاوزت في وحشيتها كل ما عرفه البشر من وحشية، وتعرف كيف تحوّل مؤسسات الدولة إلى حسينيات لأعمال النهب واللطم، لا لتقديم خدمات للمواطنين.

لا يجب أن ننكر إنه في وقت من الأوقات وجد أحد أصحاب "المقاومة الشريفة" مقتدى الصدر نفسه يخوض مواجهة مع الاحتلال، هذه المواجهة جاءت في خضم أمرين: الأول، أنه لوحق من جانب قوات الاحتلال بجريمة قتل أحد عملائها عبد المجيد الخوئى "وهذا قُتل لأسباب تتعلق بتنافس عائلي، وليس لأسباب تتعلق بالعمالة، والعملاء كثر من حول الصدر ولكنهم لا يُقتلون". والثاني هو أن "جيش المهدي" كان غطاء للكثير من الوطنيين "الشيعة" الذين أرادوا إطاراً تنظيمياً، من أي نوع، يوفر لهم السبيل للمواجهة مع الاحتلال.

وعندما نجح الصدر في ترتيب غسل تبعات جريمته، فقد كان أول ما فعله هو الانخراط في "العملية السياسية" التي يديرها الاحتلال، ثم قرر حل جيشه، ثم عاد إلى تجميده، ثم عاد وأعلن الهدنة مع الاحتلال لمرتين على الأقل، وعلى سبيل "التقية" المجردة فقد ظل الصعلوك، يزعم أنه يرفض الاحتلال، إلا أنه ظل على الدوام ولدا مطيعاً له ولأتباعه ولعمليتهم الطائفية.

وعندما دبرت قوات الاحتلال مع بعض عملائها جريمة هدم مرقد الإمامين في سامراء، فقد تحولت مليشيات "جيش المهدي"، بكل ما أوتيت من "مقاومة شريفة"، إلى قوة غوغاء تولت حرق المئات من مساجد أهل السنّة، وقتلت الآلاف من الأبرياء وساهمت في أعمال التهجير التي أسفرت في النهاية عن تحول بغداد إلى كانتونات طائفية، فيما فقد الملايين منازلهم وتحولوا ليعيشوا في الخيام أو هربوا بجلودهم إلى الخارج.

هذا هو ما تفعله "المقاومة الشريفة". 

وكان يمكن للمرء أن يبلع ما تقوله عن نفسها لو أنها قتلت عصفورا من عصافير الاحتلال، إلا أنها لم تفعل. ولكن هل تعرف لماذا؟

لأنها "شريفة"... إنما من وجهة نظر الصفويين والصهاينة، من وجهة نظر أصحاب المشروع الطائفي الذين لم يتركوا جريمة إلا وارتكبوها، ليس ضد أفراد معارضين فحسب، بل وضد ملايين العراقيين بالجملة.

المقاومة "غير الشريفة"، في المقابل، ظلت وما تزال تضر بالاحتلال، وتلحق به الخسائر الجسيمة، حتى صار يصرخ ويبحث عن سبيل للهرب.

ولكن لم يسأل أحدٌ، ماذا تفعل "المقاومة الشريفة"؟ مَنْ تقاوم؟ وتضر بمَنْ؟

إنها بتهادنها مع الاحتلال، وبتواطئها مع مشاريعه، وبتورطها بكل جرائم النظام وأعماله الوحشية، قد تسمى نفسها "شريفة" إلا أنها ليست سوى "....".

وفي الواقع، لا توجد عاهرة في الدنيا إلا وقالت إنها "شريفة"،... وهى كذلك بالفعل من وجهة نظر المستفيدين منها.

هل سمع أحدٌ الجنرال ديفيد بيترايوس يوجه انتقاداً، من أي نوع، لـ"المقاومة الشريفة"؟ هل أرسل البنتاغون مخططين للبحث في الخطر الذي تمثله "المقاومة الشريفة"؟

لا. ولكن، هل تعرف لماذا؟

لأنه راعيها وحاميها و"....". ولأنه يشاركها في الاعتقاد بأنها "شريفة".