قمة النجاح و.. قاع الفشل

علي الصراف

ماذا يعني النجاح، وماذا يعني الفشل، بالنسبة للقمم العربية؟

لقد عقد القادة العرب 19 قمة من قبل، ولكن أوضاع الأمة العربية تسير من سيء إلى أسوأ، ولا أحد يعرف لماذا يتوجب، في ضوء هذه المأساة المتكررة، أن تكون قمة دمشق المزمعة أواخر الشهر الجاري، "قمة ناجحة"؟

بالله، ما هو الفرق إذا نجحت، أو إذا فشلت؟ ما الذي سيحدث في اليوم التالي للقمة، أو على طول الأشهر الـ12 المقبلة، قبل انعقاد القمة التالية؟ ومَنْ الذي سيحاسب مَنْ على تطبيق أو عدم تطبيق أي قرار؟ ومن سيتابع؟ وماذا سيحصل إذا أثمرت المتابعة صفرا؟

أحياناً، يراود المرء الشعور بأن عدم انعقاد القمة ربما يكون هو التعبير الأفضل عن الواقع الرديء الذي تمر به العلاقات العربية-العربية، وأنه لا حاجة إلى ممارسة النفاق بين زعماء دول يتحرك الكثير منهم بموجب إملاءات خارجية، ثم أنه لا حاجة إلى اجتماع تحدد واشنطن جدول أعماله أصلا.

لا نريد القول أن الكثير من الزعماء العرب يبدون لنا كأناس عديمي الضمير في ما يتعلق بالقضايا المصيرية والإستراتيجية للأمة التي يقودونها إلى الهاوية، ويحق لنا ولشعوبهم وللتاريخ أن يحاسبهم على ما اقترفت أيديهم من جرائم وأعمال خيانية وتواطؤات أدت إلى استمرار الاحتلال "الإسرائيلي" للأراضي العربية في فلسطين وسوريا، وإلى غزو واحتلال العراق، وإلى دمار لبنان، وتفكك الصومال، وبقاء العديد من الأزمات مفتوحة على وعود بحروب ومواجهات شتى!!

ولكننا كنا نود، على الأقل، أن يتصرفوا كرجال ناضجين، لا كصبيان، في ما يتعلق بالأصول والاعتبارات الدبلوماسية وأعراف العلاقات بين الدول.

القصة اليوم التي تحول دون تسليم رئاسة القمة من السعودية إلى سوريا، من جانب حامل اللقب نفسه إلى نظيره، هي عدم التوصل إلى حل لمشكلة انتخاب رئيس لبناني.

لقد سمحت الضمائر الميتة للكثير من القادة العرب أن يتم شنق رئيس واحدة من أكبر الدول العربية صبيحة يوم عيد، عقب محاكمة- مهزلة، ولكن نوازعهم الهمجية لا تسمح لهم بحضور أعمال قمة لا يشارك فيها رئيس لبناني.

وهذه قد تكون تعبيرا عن الدَرَك الذي بلغته العنجهيات البدوية، في تعامل العرب مع بعضهم البعض، إلا أن هذا الدرك ليس هو الدرك الأسفل بعد.

فهؤلاء القادة سمحوا، ومولوا، وما يزالون يمولون، احتلالاً همجياً في العراق، ويتعايشون مع نظام طائفي غارق في الفساد والعفونة، إلا أنهم قرروا أنهم لن يستطيعوا التعايش مع أزمة في لبنان يعتقدون أن سوريا هي السبب الرئيسي فيها.!!

والأزمة في لبنان قد يعود تاريخها إلى عام 1886، حيث لم تكن سوريا الحديثة قد ظهرت إلى الوجود بعد، وقد تكون رحى هذه الأزمة قد دارت على عدة حروب أهلية، استغرق آخرها 15 عاما متواصلة، إلا أن زعماء البركة ضربوا أرجلهم في الأرض مطالبين بحل الأزمة قبل انعقاد القمة، قائلين "الآن، الآن، وليس غدا"، تلك التي لم يقولوها في شأن "أولى القبلتين" نفسها.

وهناك، على جدول أعمال الأزمات العربية، مشاكل مستعصية، من الواضح أنها أكثر أهمية من مشكلة أمراء طوائف لم يتوصلوا إلى اتفاق حول من يرأسهم، فالفلسطينيون يُذبحون كل يوم، على مرأى ومسمع هؤلاء القادة، ولكن ليس فيهم من يعتبر أن هذه هي القضية التي يتوجب أن تكون محوراً للتضامن العربي! وهم يرون ويسمعون ما يحدث في العراق من جرائم ومآس يقف وراءها الاحتلال وعملاؤه، إلا أنهم لا يعرضون سبيلاً لجعل قمتهم مناسبة للدفاع عن وحدة واستقلال وسيادة العراق، وهم يدركون حجم المخاطر التي يمثلها المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة! إلا أنهم لا يعتبرون هذا الخطر حافزاً للدفاع عن الوحدة الاجتماعية لكياناتهم نفسهاً!!.

ثم هناك الحرب في السودان، والتفكك في اليمن، والأزمة الطويلة بين المغرب والجزائر، والكثير غيرها من قضايا التعاون الاقتصادي والتجاري والإستراتيجي بين الدول العربية، إلا أنها كلها لا تشكل موضوعاً كافياً لجعل القمة العربية حلبة لوضع مشاريع وبرامج وخطط.!!

هناك شيء واحد فقط يشغل البال: انتخاب رئيس في لبنان!! وكأن هذا الرئيس هو المفتاح لحل جميع المشاكل، وللخروج من جميع الأزمات، ولفتح جميع الطرق المغلقة، ولرسم جميع الإستراتيجيات، ولتحديد كل آفاق المستقبل.

والحال، فقد يجوز الاختلاف مع سوريا على كل شيء، ولكن بأي منطق، بالنسبة لقمة عربية، يصبح مصير "قصر بعبدا" موضوعا أهم من مصير القدس؟

توجد خلافات في كل المنتديات الدولية، وما من مؤسسة إقليمية إلا وكان فيها قضايا نزاع، وتضارب مصالح، وأحياناً حروب، إلا أنها لا تحول دون مشاركة زعماء الدول في أعمالها لطرح تصوراتهم لحلها، أو لبحث القضايا التي لا خلاف حولها على الأقل!!.

ولكن بعض زعمائنا، مثل الأطفال الصغار، إذا زعلوا على شيء، فأنهم يخربون اللعبة كلها.

الصحيح، هو أن يذهب جميع الزعماء العرب إلى دمشق، ليقولوا للرئيس بشار الأسد: "نتفق معك في هذا، ونختلف معك في ذاك.. نحن هنا، احتراماً لسوريا العربية، وإن اختلفنا، وستكون معنا هناك احتراماً لأي دولة عربية تستضيف القمة، وإن اختلفت معها".

هذا هو الصحيح. وكل الباقي غلط و... سخيف.

الارتفاع فوق الخلافات، خدمةً لما لا نختلف فيه، هو قمة النجاح، والغرق في لجة الخلافات هو قاع الفشل.. ومن هذا الفشل كان لدينا 19 قاعا، كلُّ واحد منها أسفل من الذي سبقه، لا 19 قمة.