الكويت: شعب وشركة

علي الصراف

أصدر رئيس شركة النفط الكويتية الأمير صباح الأحمد جابر الصباح قرارا الأربعاء الماضي بحل "مجلس أمتها"، وذلك بعد بضعة أيام من تقديم حكومتها الاستقالة.

ويحسن التذكير بأن عدد سكان "الأمة" التي تمثلها هذه الشركة لا يتجاوز 250 ألف نفر، ويبلغ معدل عمر "مجلس الأمة" الذي أنشئ عام 1961 نحو ثلاث سنوات ونصفا، أما المجلس الأخير الذي انتخب عام 2006 فأنه كان واحدا من أقصرها عمرا، إذ انه لم يعمر أكثر من سنتين فقط.

والمشكلة التي دعت إلى حل المجلس "عدم تعاون المجلس مع الحكومة، أو عدم قدرة الحكومة على التعاون مع المجلس" ليست مهمة بحد ذاتها، ولكنها أضحت وسيلة للتغطية على الأزمات التي تعانيها الشركة.

ويعود أصل الأزمة إلى أن الأسرة الحاكمة تعتبر أنها المالك الشرعي والوحيد للشركة، وأنه لا يحق لأحد من سكانها "وهم مواطنون على سلم مختلف من الدرجات" أن يتدخل في شؤون الحكم، ولكن، وبالنظر إلى أن الشركة هي في الوقت نفسه "دولة" فأن تسيير شؤون الحكم فيها يتطلب إقامة نوع العلاقات بين الشركة وموظفيها، من ناحية، أو بين الدولة ومواطنيها، من ناحية أخرى، وذلك حسب منظور كل طرف.

الذين يعتبرون أنفسهم "المالك الشرعي والوحيد" لا يقبلون أن ينتقدهم أحد على أي عمل يقومون به، بما في ذلك أعمال النهب والفساد. وكلما "دقّ الكوز بالجرّة" فأنهم يحلّون المجلس، أما "المواطنون" فينظرون إلى أنفسهم على أنهم "شركاء" في "الوطن" ومن حقهم أن يقرروا كيفية التعامل مع الثروة التي يمتلكها.

هذا هو مصدر الأزمة الحقيقي، وبطبيعة الحال، فأن هذه الأزمة تظهر، في الحياة اليومية، وفقا لتعابير شتى "الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، جلسات المساءلة النيابية للوزراء عن عقود وأعمال "غير مشروعة"؛ الخلاف على قضايا انتخابية، كحق المرأة في التصويت، وتشكيلة الدوائر.. الخ"، إلا أنها جميعا تبدو كروافد للمشكلة الأصل، وهى أن "شعب" الكويت يعتبر نفسه مغلوبا على أمره من قبل حاكميه الذي يتصرفون بثروات "البلد" كيفما يشاؤون، فيما يعتبر مجلس إدارة "الشركة" أن موظفيهم يطالبون بما ليس من حقهم المطالبة به وأن ما يحصلون عليه من "أسهم" كاف لكي يشكروا الله على ما يحصلون عليه من نعمة.

وكان أصحاب "الشركة" هم مصدر البلاء الرئيسي فيها، فهم لم يكتفوا بتبديد ممتلكات واحتياطات الشركة على فسادهم الخاص، ولكنهم حوّلوها إلى قاعدة للعدوان والتآمر ضد الجار الأكبر: العراق، وعندما وقعت الواقعة بقيام العراق باجتياح الكويت وتجديد مطالبته بها باعتبارها جزءا منه، فقد كان أول ما فعله أعضاء مجلس الإدارة هو أنهم هربوا تاركين "موظفيهم" بين فكي رحى المؤامرة-والرد. وذلك قبل أن يعودوا على ظهور دبابات العم سام، بعد أن سلموا جميع الاحتياطات النقدية التي كانت تملكها الشركة في الخارج في "صندوق احتياطات الأجيال".

في ذلك الوقت بدا أن أعضاء مجلس الإدارة مستعدون للنظر إلى موظّفيهم على أنهم "شعب" وليسوا مجرد أتباع عبيد، وكانت "الديمقراطية" تبدو وكأنها هي السبيل الوحيد لمكافأة هذا "الشعب" على تحمل معاناة ومخاوف الاجتياح، ولكن أمر هذه الخدعة لم يستمر طويلا، في عام 2003 تم انتخاب "مجلس أمة" جديد وسط مشاعر بالرغبة لبناء بلد اقتنع بأنه "ضحية".

وكان من الطبيعي، وسط هذه المشاعر، أن يكون النظام خاضعا للحساب والمساءلة، إلا أن المجلس سقط في الفراغ وسرعان ما تم حله، لأن أعضاء مجلس إدارة الشركة الذين حققوا انتقامهم الشخصي بالمساهمة في تدمير العراق وتمرير غزوه واحتلاله، عادوا بنزعتهم الانتصارية المدعومة من سادتهم الأمريكيين، ليرفضوا منطق الحساب والمساءلة، وكان لهذا الرفض سبب خاص أيضا، هو أن الكويت التي وقعت تحت احتلال ضمني آخر، لم تعد دولة ذات سيادة أصلا، وفي وضع كهذا، فلا "الشعب" يملك دورا، ولا "الموظفين" لهم حصة، وكان من عظيم المفارقة أن العبيد الذي احتفلوا بـ"محرريهم"، لم يلاحظوا أن هؤلاء "المحررين" سيأكلون من "حصتهم" لا من حصة "أصحاب الشركة".

ولكن تم انتخاب المجلس الأخير وفقا لتسويات كان الهدف منها هو التغطية على كل أعمال الفساد والنهب التي وجد أصحاب الشركة أنهم مضطرون لها لاستعادة "حصصهم" التي استولى عليها "المحررون" الجدد، "الشعب" أراد في الوقت نفسه أن يتسامح مع لصوصه، قائلا، "يالله ماشي، بلكي المرة الجايية تكون أحسن".

ولكن سقط هذا المجلس أيضا في الفراغ نفسه الذي سقط فيه كل مجلس آخر من قبله.

السؤال الذي تجب الإجابة عليه هو: هل نحن شعب أم موظفوّن؟ هل الكويت دولة أم شركة؟

فقط عندما يقرر الكويتيون الجواب، سيكون لهم مجلسٌ قابلٌ للحياة. وسواء سمّوه "مجلس قرية" أم "مجلس أمة" فأنه سيكون ساعتها مجلسا ذا معنى ووظيفة لا تتطلب صداما مستمرا مع "حكومة" تتبنى جواباً مختلفاً.