لماذا لا تحاسب الإدارة الأمريكية؟

 د. فيصل الفهد

في إحدى لقاءات المغفور له الرئيس صدام حسين مع أحد محاميه قال (عندما كنا نقول أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل كنا صادقين، ولذلك فتحنا لهم أراضي العراق وسمائه، وكانت لدينا ثقة أنهم لم يعترفوا بالحقيقة، لكننا أردنا أن نثبت للرأي العام بأسره أننا نتعاون إلى أقصى الحدود خاصة بعد أن طلب مني بعض القادة العرب ذلك، ولكن للأسف فقد تجاوزت أمريكا المجتمع الدولي بأسره وشنت العدوان دون سند من شرعية أو قانون وخارج نطاق مجلس الأمن، ومع ذلك لم نسمع صوتاً لأحد يطالب بمحاسبة أمريكا لأنها كذبت على الجميع ووضح الأمر كما كنا نقول دائماً يتعلق بالنفط و"إسرائيل".....)

إن هذه العبارة لم ترد على لسان الرئيس اعتباطاً أو صدفة، بل كانت جزء من مكونات معاناة كانت مصدر آلاماً ومعاناة، ليست لديه فقط بل لدى كل العراقيين، ونحن هنا لا نريد أن نتطرق لما يفترض أن تكون عليه مواقف الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمجتمع الدولي، لأن جميع هؤلاء كانوا وما يزالوا تحت خيمة أمريكا وجزء من أدواتها، ولكن الذي نريد تسليط الضوء عليه هو موقف أغلب الأنظمة العربية مما حدث ويحدث في العراق بعد احتلاله وتدميره بالكامل، ولماذا لم يطالب أحد من المسؤولين العرب أو غيرهم بمحاسبة الإدارة الأمريكية على احتلالها للعراق وما ترتكبه من جرائم يوميا ضد شعبه الصابر.!!

ومن المثير للاستغراب والجدل، أن هناك كم من الاتفاقيات والمواثيق بين الدول العربية تلزم العرب بالوقوف مع العراق ومن أبرزها "معاهدة الدفاع المشترك" بين دول "الجامعة العربية" وهذه المعاهدة تلزم جميع الأنظمة العربية (المادة الثانية) أن (تتخذ على الفور متفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما) كما نصت مادة أخرى (الثالثة) (في حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توجيه خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية الدفاعية التي يقتضيها الموقف).

كما منعت المعاهدة أياً من الدول العربية الدخول في اتفاقات مع دول أخرى غير عربية تتناقض مع التزاماتها في هذه المعاهدة، عدا أن القانون الدولي يفرض أولوية الاتفاقات الإقليمية ومنها ميثاق "الجامعة العربية" و"معاهدة الدفاع المشترك" على الاتفاقيات الثنائية بين دولتين، وفي حالة إرغام أي من الدول الداخلة في الاتفاقات ثنائية التي تتعلق بالقواعد أو التسهيلات أو ما شابهها من جانب الطرف الآخر، بما فيها حالياً (الولايات المتحدة) على استخدامها ضد إرادتها يكون من واجبها أن تعلن عن ذلك وتعرض الأمر في شكوى مباشرة إلى مجلس الأمن.

كما أن قرارات مؤتمرات القمة العربية لاسيما مؤتمر بيروت المنعقد في 28 آذار 2002 كانت قد أصدرت القرار المؤتمر ذي الرقم 227 والمتعلق بالتهديدات الأمريكية على العراق قد أكد على ما يلي:

- مطالب القادة باحترام استقلال وسيادة الفرق وأمنه ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية.

- تدارس القادة التهديد بالعدوان على بعض الدول العربية وبصورة خاصة العراق وأكدوا رفضهم المطلق ضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية باعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية.

وعدا سلسلة البيانات والقرارات للاجتماعات الوزارية للجامعة العربية خلال تلك الفترة والتي تؤكد جميعها على إيجابية موقف العراق وتعاونه مع الأمم المتحدة ورفض مسألة العدوان عليه نشير بوضوح إلى قرار مؤتمر القمة العربي رقم 243 في 1/3/2003 المنعقد في شرم الشيخ حول التهديدات الخطيرة التي يتعرض لها العراق إذ أن مجلس الجامعة على مستوى القمة بعد أن ناقش الوضع الخطير المتعلق بتطورات الأزمة العراقية وإذ يؤكد قراره الصادر في قمة بيروت رقم 227 الذي أكد الرفض المطلق لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية.

يقرر:

1 - تأكيد الرفض المطلق لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أي دولة عربية باعتباره تهديداً للأمن القومي العربي وضرورة حل الأزمة العراقية بالطرق السلمية في إطار الشرعية الدولية.

وجاء في الفقرة (5) من القرار (التأكيد على امتناع دولهم عن المشاركة في أي عمل عسكري يستهدف أمن وسلامة ووحدة أراضي العراق وأي دولة عربية.

كما عقد مجلس جامعة الدولة العربية (على المستوى الوزاري) دورة غير عادية في القاهرة حول العدوان على العراق في 24/3/2003 وتم في الاجتماع الموافقة شبة الجماعية على إدانة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق وعلى اعتباره انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة وخروجاً على الشرعية الدولية وتحدياً للرأي العام العالمي وعلى المطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الغازية من الأراضي العراقية وتحميلها المسؤولية المادية والأخلاقية عن العدوان وعلى تأكيد عدم المشاركة في أي عمل عسكري يمس سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق وأية دولة عربية أخرى وعلى المبادرة إلى طلب عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لوقف العدوان وسحب القوات الغازية والاستعاضة عن مجلس الأمن إذا تعذر انعقاده أو تعذر صدور قرار عنه بعقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ القرار المطلوب.

وبعد هذا الاستعراض السريع لهذه القرارات يلاحظ أن الأنظمة العربية لم تلتزم بأي من هذه القرارات بل أنها أسهمت بأشكال مختلفة في تنفيذ مخطط واحتلال العراق وهذا يعني ليس فقط عدم احترامهم للقرارات التي أصدروها بل والعمل على تنفيذ العكس منها ففي حين رفضت تركيا وهي دولة عضو في أحلاف عسكرية مع أمريكا السماح لانطلاق قوات الاحتلال الأمريكي من أراضيها نجد أن حكومة حسنى مبارك فتحت ممر قناة السويس لمرور القطعات الغازية بل قدمت لها كل التسهيلات وفتحت السعودية والكويت والأردن جميع أراضيها وقواعدها لانطلاق القوات المعتدية باتجاه العراق كما استخدمت قوات الاحتلال قواعدها المنتشرة في الأقطار العربية في تنفيذ عدوانها على العراق في حين قدمت دول أخرى خدمات جليلة منها استخبارية ومترجمين ومعلومات ورجال أمن ومتخصصين باستجواب المعتقلين (لبنان، تونس، المغرب، الجزائر).

ولا ننسى هنا الإشارة إلى أن مواقف البعض من العرب قبل احتلال العراق كانت مؤذيه أثناء وبعد الاحتلال رغم إصرار المسؤولين في الإدارة الأمريكية على احتلال العراق حتى لو قبل الرئيس الراحل صدام حسين بترك منصبه كرئيس شرعي للعراق.

إن الملفت للنظر أيضاً أن اغلب الأنظمة لم تكلف نفسها عناء، حتى من قبيل الدعاية بأن تدين العدوان الأمريكي البريطاني على العراق، بل الأدهى من ذلك أن بعضهم راح يحمل العراق مسؤولية ما حدث وسيحدث وكأن العراق هو من حمل قواته وذهب بها عبر البحار والمحيطات لاحتلال القارة الأمريكية.

والمثير للاستغراب أن بعضهم لم يكتفي بما فعله بل ازداد في إصراره على مواقفه ولم يأبه بما أصاب العراق من تدمير وتفتيت لشعبه فراح يقترح ويقرر ضد مصلحة العراق والأمة العربية وفي كل يوم يخرج علينا أحد هؤلاء الذين ابتلت بهم الأمة العربية بتصريح يؤكد مدى انبطاح هؤلاء الحكام وخضوعهم المذل للمستعمر الأمريكي البريطاني الصهيوني.

ولم يضع أي منهم حساباً لأهم ما في كل هذا الموضوع، وهو الشعب العراقي، هذا الشعب الذي عبر عن رفضه منذ اللحظات الأولى للعدوان وأعلن عن مشروعه الحضاري الجهادي لطرد الاحتلال بكل الوسائل والسبل المتاحة وفي المقدمة منها مقاومته العسكرية الباسلة التي لم تهدأ منذ بداية العدوان على العراق في19/3/2003 والتي استطاعت أن تمرغ وجه المحتلين بالأرض وتلقنهم دروساً لن يستفيقوا منها إلا بعد خروجهم مدحورين من العراق قريباً.

ومما مَنّ به الله كثيراً على الشعب العراقي أنه لم يضع في حساباته السليمة الاعتماد على غيره بل اعتمد على إرادة المقاومة الحرة.