العراق وحصاد خمس سنوات احتلال ومقاومة
عوني فرسخ
في العشرين من الشهر الجاري انقضت خمس سنوات على بدء غزو العراق، وفي العاشر من الشهر القادم تبدأ المقاومة العراقية سنتها السادسة في التصدي لقوى الاحتلال متعددة الجنسيات أمريكية القيادة، ولنظام المحاصصة العرقية والطائفية الذي أقامته، والسؤال والعراق على عتبات سنة جديدة من الاحتلال والمقاومة إلى ماذا يؤشر حصاد السنوات الخمس الماضية؟
أول ما يلاحظ أنه خلال العام المنصرم توالي سقوط ادعاءات الإدارة الأمريكية حول دواعي عدوانها على العراق، الوطن والشعب والتراث الحضاري والتقدم العلمي والمعرفي، حيث أعلن ناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً أنه لم تكن هناك علاقة ما بين الرئيس صدام حسين و"القاعدة"، والذي سكت عنه الناطق الأمريكي أن "الجنرال بريمر" بحله الجيش وتسريح أجهزة الأمن العراقية، وباعتماده سياسة "الفوضى الخلاقة"، فتح أبواب العراق على مصاريعها "للقاعدة"، وأسس لاستغلال عملياتها الانتحارية في تفجير حرب أهلية فيما بين شيعة العراق وسنته، وهي الحرب التي حال دون تفجرها وحدة الانتماء الوطني وعمق سعة صلات القربى بين شيعة العراق وسنته، العرب منهم والأكراد على السواء.
كما شهد العام المنصرم سعي الإدارة والأجهزة الأمريكية توظيف إرهاب "القاعدة" المنكر والمدان في تشكيل ما سمي تجاوزاً "مجالس الصحوة" العشائرية، المؤسسة كما يقرر محقاً د. صباح ياسين على "اغتيال الدولة وتغييب المجتمع " – المستقبل العربي العدد 348 شباط / فبراير 2008 – ويذكر أن هناك تسميات أخرى: مثل "مجلس عموم العشائر العربي والعراقية"، و"هيئة العشائر العراقية" و"المجلس الوطني للعشائر في العراق"، ويضيف - استنادا لتقرير أمريكي – أنه تم تجنيد 72150 متطوعاً، في تلك المجموعات المسلحة، يدفع لكل فرد فيها 300 دولار شهرياً، وأنه توجد في مناطق العراق المختلفة 131 مجموعة تعمل بإشراف القوات الأمريكية، ولا يحق للحكومة العراقية الاعتراض على مختلف أوجه نشاطها.
ويختم متسائلاً: هل إنه بعد طرد "القاعدة" وتراجع دورها، وتجفيف مواردها المادية والبشرية، يدخل في الاستراتيجية الأمريكية وضع "مجالس الصحوة"، في مقابل فصائل المقاومة المسلحة، أي توجيه سلاح العراقيين إلى صدر بعضهم البعض؟ وهو تساؤل مبرر في زمن تقديم قادة المليشيات السائرين في الركب الأمريكي مصالحهم الذاتية ومطامعهم الفئوية على مقتضيات الانتماء الوطني، ناهيك عن الالتزام القومي، وحين يعقد المؤتمر البرلماني العربي في أربيل، ويضمن بيانه الختامي تأكيد أخوة الشعبين العربي والكردي، وانتماء العراق لأمته العربية، فيما يطالب "تشيني" الدول العربية بإعادة سفرائها لبغداد لمواجهة النفوذ الإيراني.
ففي الأمرين ما يؤشر للتقدم الطردي في فشل محاولات الأمريكان وعملائهم المساس بعروبة العراق وتفاعله مع عمقه العربي، بل ووضوح استعادة الشعور بأن العمق العربي استراتيجي بالنسبة للعراق، إذ يشكل الدرع الواقية لوحدة ترابه الوطني، وسلامة نسيجه الاجتماعي، ولجم التداعيات الخطرة لتقديم الولاءات دون الوطنية، على الولاء الوطني والانتماء القومي لشعب العراق بكل مكوناته الاجتماعية على اختلاف أصولها وأديانها ومذاهبها.
وإذا كانت المقاومة، بانطلاقتها في اليوم التالي لاحتلال بغداد، فاجأت قوى العدوان والميليشيات القادمة من ورائها، فإنها بذلك لم تؤكد فقط عدم سقوط إرادة العراق الوطنية برغم إسقاط النظام، وإنما برهنت أيضاً على أن التناقض مع الغزاة وأدواتهم إنما هو التناقض الرئيس الذي لا يحسم إلا بدحر الغزاة وتطهير أرض العراق من دنسهم. فضلاً عن أن صمود المقاومة وامتداد عملياتها إلى معظم نواحي العراق، على الرغم من تأثيرات إرهاب "القاعدة" ونسبة عملياتها الإجرامية زوراً للمقاومة، ما يدل على اتساع دائرة الوعي الوطني على أن التناقض مع قوى الردة الطائفية والعرقية السائرة في الركب الأمريكي مندرج ضمن التناقض الأساس مع الإدارة والأجهزة الأمريكية، وسعيها لأن تجعل من المحاصصة الطائفية والعرقية في العراق حجر الزاوية في مشروع "الشرق الأوسط الكبير/ الجديد"، وقاعدة انطلاقها لتحقيق أحلامها الإمبراطورية.
وكانت قد جرت خلال الشهور الأخيرة من العام الرابع للاحتلال تسريبات، متعددة المصادر، حول مباحثات تجري في الكواليس بين ممثلي الإدارة الأمريكية وبين بعض رموز المقاومة، وقد انقضى العام الخامس للاحتلال والمقاومة دون أن تلوح في افقه مؤشرات صدق تلك التسريبات، مما يدل على واحد من احتمالات ثلاثة:
- إما أن تكون تلك التسريبات مجرد بالونات اختبار لفحص مدى استعداد قادة المقاومة للمساومة. - أو،
- أن الفصائل التي استجابت للدعوة الأمريكية غير ذات وزن مؤثر في العمل المقاوم. أو،
- أن شروط المقاومة قد أفشلت المسعى الأمريكي.
وفي تواصل المقاومة وتطورها في عامها الخامس دلالة أصالتها وجذرية التجاوب الشعبي معها، فيما تدل استقالة الجنرال "فالون"، وردة الفعل الأمريكية الشعبية عليها، على اطراد غوص إدارة الرئيس بوش في المستنقع العراقي.
ولقد شهدت بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية مظاهرات صاخبة في الذكرى الخامسة للحرب العدوانية على العراق، وتوالت المطالبة في أكثر من عاصمة من عواصم الدول المشاركة في قوات التحالف لسحب جنودها، والتوقف عن المساهمة في تدفيع العراق ومواطنيه ثمن مصالح ومطامع المركب الصناعي - العسكري الأمريكي.
والمؤشرات كثيرة على تراخي الخيوط التي تشد أنظمة التحالف للإدارة الأمريكية بعد انكشاف دواعي عدوانها على العراق، وكذلك هي المؤشرات المبينة تحالف الغزاة مع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة، والذي كان توفير "أمن" مستوطنيه في مقدمة دوافع العدوان على العراق، وتدمير دولته، وحل جيشه، وتبديد قدراته العلمية والمعرفية.
وتذهب التقديرات إلى أنه وقع في العراق خلال سنوات الاحتلال الخمس مليون قتيل، وأربعة ملايين مهجر، وثلاثة ملايين أرملة، وخمسة ملايين يتيم، وتقرر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية "أن العراق من بين المناطق الأكثر خطراً في العالم".
وكنتيجة لهذا الحصاد المر ارتفعت نسبة المطالبين برحيل الاحتلال إلى 70%، في تضاد مع توجه "حكومة المالكي" لإبرام اتفاقية طويلة الأجل مع الإدارة الأمريكية تتيح لها التدخل الدائم في شؤون العراق، وبالتالي ففرصة تطور العمل المقاوم لتعميق أزمة الاحتلال ونظام المحاصصة العرقية والطائفية غير محدودة، وهذا هو التحدي الذي تواجهه المقاومة في عامها السادس.