بكل بساطة متى تفيق أمة العرب!!

فؤاد الحاج

منذ أكثر من عقد من الزمن كتبت متسائلاً ما أهمية الكتابة في زمن العهر السياسي الصهيو-أمريكي والرسمي العربي؟ كما تساءلت مرات عديدة لمنْ نكتبْ ومَنْ يقرأ؟! وكنت أجيب نفسي، بأنه لا بد أن يكون هناك قارئ واحد في مكان ما من هذا العالم يطالع ما أكتبه ويؤيده ويعمل على نشره فيزداد عدد القراء ومن ثم تبدأ حملة توعية تبدأ من الصفر لتعم أبناء الأمة، عله بذلك تبدأ ثورة تغيير شاملة، وفي الوقت نفسه كنت ولا زلت من المؤمنين بأن فلسطين لن تحررها الحكومات بل الكفاح الشعبي بكافة أشكاله، وأن هذا هو واجب كل حر أينما كان في هذا العالم وهو لواجب لا منّة فيه أبداً لأنني اخترت وعرفت طريقي إلى أن بدأت أتعرّض لضغوط إرهابية نفسية من خلال زوار الفجر في محاولة من أعداء الإنسانية لثنيي عن نشر الكثير من المواضيع والكلمات والجُمل التي يعتبرونها "معادية للسامية" والمقصود منها بالطبع تكميم الأفواه إضافة إلى المقصود منها المعروف لكل حر ومتابع لمجريات الأوضاع في ليس في البلاد العربية فقط بل في أرجاء العالم، كما يحاول وزراء إعلام عرب الذل والهوان أن يثبتوا ذلك بطرق ملتوية في وثيقتهم الصفراء مؤخراً، وهذا يحتاج لبحث آخر مفصّل، لذلك ابتدأت بالتخفيف تدريجياً من كتاباتي شخصياً وبدا ذلك واضحاً للمتابع لما أنشره وأكتبه منذ عدة أشهر كنت خلالها وبشكل يومي تقريباً أتابع مجريات الأوضاع في بلاد العرب والعالم، إلى أن ضاقت بي الدنيا وأنا أشاهد المجازر الوحشية التي يرتكبها أعداء الإنسانية في فلسطين المحتلة وكما يفعلون في عراق التاريخ والحضارات باسم "الحرية" و"نشر الديمقراطية" بدعم وقح وعلني من إدارة الشر الصهيو-أمريكية بحجة "الدفاع عن النفس" و"اقتلاع الإرهاب"!، لذلك قررت أن أعود لأكتب قدر المستطاع ليس ضد حكام وسلطات الذل والهوان العربية التابعة لقوى الشر العالمية الذين ينفذون أوامر أسيادهم في المحافل الدولية المعروفة، ولا لأكتب ضد الكيان الصهيوني ولا ضد إدارة الشر الأمريكية لأنهم في واقع الأمر إنما يعملون على تحقيق مصالحهم ومآربهم وتنفيذ مخططاتهم المعروفة لكل كاتب ومفكر وسياسي حر وشريف في أي مكان من العالم، ولأن الأنظمة العربية كما هو واضح للعيان هي ليست سوى أداة ولعبة بأيدي قوى الشر العالمية، كما أن الكثير من الكتبة والسياسيين الناطقين بلغة الضاد هم في واقع الأمر إنما يخدمون مخططات أعداء الإنسانية عن قصد أو دون قصد ولا زالوا حتى الآن، وهؤلاء هم الذين أبرزتهم فضائيات "الرأي والرأي الآخر" و"المستقبل" و"العربية" و"الحرة" و"ال بي سي" و"العالم" وغيرهم، وهم الذين لا يعرف أحد في العالم ما هي الأطروحة التي قدّمها ونال عليها لقب دكتور، ولا الأهمية العلمية لتلك الأطروحة التي خولته الحصول على ذلك اللقب ليتبوأ من خلالها المناصب في مكاتب صغيرة لا يوجد فيها سوى جهاز كومبيوتر وطابعة وهاتف ومكتب وكرسي، يسمونها مركز أو معهد، ولا نعرف ولا يعرف أحد ماذا قدمت هذه المراكز أو المعاهد وما هي أهميتها وتأثيرها على تقدم المجتمع والبشرية، والكثير يمكن أن يقال في هذا الصدد، والشواهد كثيرة على آراء أولئك وأفكارهم لكل متابع لتلك الفضائيات المتعددة الجنسيات والأهداف والألوان، المهم هنا أن كل أولئك وهؤلاء الذين حصل كل منهم على لقب دكتور ورئيس مركز كذا في باريس ومدير مركز كذا في لندن أو في واشنطن، أو مدير معهد كذا في جامعة كذا في واشنطن وباريس ولندن وغيرهم من عواصم الغرب، يتم التركيز عليهم في تلك الفضائيات من خلال إجراء المقابلات معهم ونشر كل ما يكتبونه ويقولونه في عدد من وسائل الإعلام العربية المتعددة الألوان والأهداف أيضاً من المحيط إلى الخليج، كما أسبغت عليهم ألقاب وصفات ومواصفات أقل ما يقال فيها أنها تدعو للعجب مثل "خبير استراتيجي" و"محلل استراتيجي"، وغير ذلك الكثير، وهم بالأساس أحد أهم الأسباب التي أوصلت الأمة إلى ما هي عليه الآن من ضياع، لأنهم نشروا البلبلة الفكرية والفوضى الصهيو-أمريكية التي يسمونها "الخلاقة"، فشتتوا بذلك الجماهير العربية قبل وخلال وبعد غزو العراق واحتلاله، وأتمنى أن يخبرني أي مواطن وكاتب ومحلل ماذا قدّم هؤلاء للأمة وللإنسانية بشكل عام، وما هي مواقفهم وطروحاتهم قبل غزو العراق واحتلاله وماذا كانوا يقولون عن العراق وعن الرئيس الشهيد صدام حسين، وماذا كانوا يقولون عن الثورة الفلسطينية ومواقفهم منها؟ وماذا يكتبون ويقولون اليوم؟!، وأيضاً أتمنى أن يخبرني أي شخص أياًَ كان موقعه عن تلك القيادات التي يسمونها وطنية منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن ما هي مواقفهم الثابتة، وأي دور تقوم به معظم القيادات التي نسميها عربية وجماهيرية ووطنية وقومية وإسلامية التي ثبت أنها غير مؤهلة للقيادة، وأنها أضعف من تلك البعوضة أو البرغشة التي دخلت في أنف النمرود، لأنهم لم تتصدوا ولم يقاوموا كل أطروحات تحالف قوى الشر الرسمي العربي والصهيو-أمريكي-الصفوي، ويدّعون أنهم يعملون ضمن "سياسة الممكن" أو "سياسة أمر الواقع"، وهي بسياستها هذه تكون قد خرجت عن دورها في تحقيق تطلعات الجماهير وعقيدة ومبدأ الحزب أو التنظيم الذي تنتمي له، لأن الجماهير والأمة لا ولم ولن تقبل بالرضوخ والذل، والدليل على أنها قيادات فاشلة وضعيفة يعود لبدايات تسعينات القرن الماضي عندما قبلت باستبدال كلمة الصراع العربي-الصهيوني من قاموسها السياسي، وعندما قبلت باستعمال كلمة "اسرائيل" حتى في وسائل الإعلام ودون قوسين أو هلالين، وعندما قبلت أيضاً بقوانين تغيير اسم الحزب أو التنظيم ووضع اسم البلد التي هي فيه على قاعدة "الأردن أولاً" و"مصر أولاً" و"اليمن أولاً" و"الجزائر أولاً" و"لبنان أولاً" وهكذا باقي الأقطار العربية ودون استثناء كي يتم استبعاد دورها القومي، دون أن يفكر أي من تلك القيادات أو "مفكريها" ومنظريها بأبعاد ومخاطر ذلك على الصعيد القومي وأهمها كي يتم تكريس التجزأة والقطرية، إضافة إلى قبولهم بتقديم تقارير سنوية عن عدد وأسماء أعضاء الأحزاب والمنظمات إلى الحكومات التي من المفترض أن تشكل ضغطاً عليها كي تحقق مطالب الجماهير التي انبثقت عنها بالأساس وكي تنطق باسمها، كل ذلك تحت مسمى "الديمقراطية" و"المعارضة المشروعة" حتى أصبح أي تنظيم لا يقدر على القيام بتظاهرة إلا بموافقة ذلك النظام وضمن شروط محددة، وذلك بات النظام يتحكم حتى في الشؤون الداخلية لذلك الحزب أو التنظيم أو الجمعية ويفرض عليهم تعديل وإلغاء الكثير من أهداف ومبادىء ودستور ونظام تلك الأحزاب والتنظيمات والجمعيات السياسية والدينية، مع العلم أننا نعتقد أن كل تلك القوى مخترقة ومزروع فيها عناصر استخبارية أو أن هناك عناصر ربما في مراكز قيادية تنقل للسلطات كل التحركات والقرارات التي يتم بحثها وطرحها داخل اجتماعاتهم المغلقة، وفي هذا الصدد أيضاً هناك الكثير مما يمكن أن يقال، وهنا لا نستثني وسائل الإعلام وكتّابها وتوجهاتهم وتوجيهاتهم اليومية التي تصلهم من الجهات العليا للتركيز على موضوع ما أو قضية ما لغرض إما تخفيفاً للضغط والحنق الجماهيري المتعاظم، تماماً كما يحدث إثر كل مجزرة يقوم بها الكيان الصهيوني، أو تحالف الشر في العراق، والقول بأن جلالة الملك أو الرئيس أو الأمير (حماه الله وسدد خطاه) أنه يتابع باهتمام ولا يقبل بما يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين أو قوى الاحتلال في العراق، أو... أو... وصولاً لقولهم أنه يجب العمل على تحقيق ما يسمونه "السلام القائم على العدل"، وكأن الجماهير والأمة لا تريد السلام ولا تريد العدل!! وإما لغرض سحب البساط من تحت التنظيمات والأحزاب والجمعيات، وهنا تكمن المصيبة الكبرى في تلك القيادات التي لا تعرف كيف تتحرك ولا كيف تضغط وتستثمر ما قاله جلالة هذا الملك أو سمو ذلك الأمير أو سيادة وفخامة ذلك الرئيس! وربطها على الأقل بتحقيق مطالب الجماهير!، وكذلك المجال مفتوح في هذا الصدد كي نقول ويقال الكثير، ولا بد من التنويه هنا إلى مخاطر استعمال الكلمة وأهميتها في تثبيت الوقائع على الأرض وفي أذن المتلقي مستمعاً كان أو مشاهداً أو قارئاً، وذلك من مختلف وسائل الإعلام والكتّاب والصحفيين وحتى الرافضين من للاحتلال الصهيو-أمريكي-الصفوي للعراق حيث يرددون بدون قصد صفة "الرئيس العراقي جلال طالباني" و"رئيس الوزراء المالكي" و"وزير خارجية العراق زيباري" و"رئيس مجلس النواب العراق" وما إلى هنالك من صفات تم تكريسها من خلال الأنظمة العربية وجامعتهم السيئة الصيت أولاً قبل أن نقول بأن أمريكا فرضتها عليهم، لأن أمريكا لا يمكنها أن تحقق أي شيء مهما كان إلا بمساعدة ودعم من أتباعهم الأذلاء، وكي لا أطيل لأن هذا يراد له بحث آخر، أقول أنه يجب على كل الوطنيين والشرفاء وعلى كل الكتّاب والإعلاميين وكل الأحزاب الوطنية والقومية أن لا تستعمل هذه الصفات والمواصفات، وإذا اضطروا إلى استعمالها فأنه يجب عليهم على الأقل أن يضيفوا لها جملة المعين من قبل الاحتلال أو المفروض من قبل المحتلين وغير ذلك من كلمات تدل على أن الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة العربية يرفضونهم كلياً.

وبعودة إلى الموضوع أقول أنني كلما حاولت أن أكتب ما يجيش في خاطري حول مجريات الوضع في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج تتسارع إلى بريدي مئات الكتابات حول مجازر غزة التي يتساقط فيها الأبرياء من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ليس لذنب سوى أنهم فلسطينيون، يريد أعداء الإنسانية اقتلاعهم من أرضهم التي عايشت الويلات منذ بدايات القرن الماضي مروراً بالنكبات المتعاقبة، وصولاً إلى يومنا هذا، وكأن قدر هذا الشعب الصمود والشهادة، من أجل أن تفيق هذه الأمة من غفوتها لتنصر ذاتها أولاً من خلال نصرة فلسطين العروبة والتاريخ والمقدسات، حتى أنني لم أعد أستطع صبراً وضقت حنقاً ليس فقط على ما يرتكبه به عتاة الأشرار في العالم ضد الشعب الفلسطيني البطل الصامد والمتشبث في أرضه كما ذكرت، بل أن حنقي هو على كتّاب البيانات من داخل البلاد العربية ودون استثناء، وما أكثر البيانات عند المصائب، وما أكثر المصائب في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.

ولا بد من التنويه هنا إلى أنني لست ضد إصدار البيانات، لأنني أؤمن بأنها تساعد على التعبئة الجماهيرية وتوضح مواقف أبناء الأمة بمختلف انتماءاتهم وميولهم السياسية والاجتماعية، ولكن ليس بالبيانات وحدها تعود فلسطين حرة عربية وتعود قضية العرب المركزية، وكذلك ليس بالبيانات تبرز قضية العراق المحتل وباقي قضايا الأمة وما أكثرها، ولكن لو أن تلك البيانات ترافقت مع عمل شعبي وتحرّك سياسي وحزبي منظّم كان أجدى وأفعل على أرض الواقع، ألم يقل السيد المسيح عليه السلام (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، وكي لا أطيل أنقل بعض كلمات وجمل بعض ما وصلني ومما أوردته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام على مختلف اتجاهاتها وميولها وذلك باختصار شديد، (عشرات الآلاف يتظاهرون احتجاجاً على المذابح التي يرتكبها الصهاينة في غزة يرفعون شعارات ولافتات ويرددون هتاف "من غزة لبيروت شعب واحد لا يموت")!! (مجالس النواب والأمة والنواب يدينون ويستنكرون المجازر الوحشية في غزة)!! (الأحزاب بمختلف عقائدها وتوجهاتها القطرية والقومية تدين المجازر وتشجب التواطؤ العربي الرسمي والدولي)!! (الغليان في شوارع مصر والأردن وموريتانيا واليمن وباقي الأقطار العربية وتزايد دعوات إنهاء التطبيع مع الكيان الصهيوني)!! (المؤسسات والتنظيمات المدنية وجمعيات حقوق الإنسان ومختلف النقابات المهنية والعمالية والكتّاب والإعلاميين والأدباء والشعراء والصحافيين والفنانين ورجال الدين وكل أصناف المنظمات والجمعيات على مختلف مسمياتها وأطيافها وألوانها كلها تدين وتشجب وتستنكر وتطالب وتدعو المجتمع الدولي للتدخل لوقف المحرقة الوحشية في غزة)!! (نداءات بالجملة موجهة من رؤساء وزارات سابقين ونواب حاليين وسابقين وكتّاب وأدباء وما إلى هنالك من صفات وألقاب، إلى الأنظمة العربية وإلى جامعتهم الميتة، وإلى هيئة الأمم المتحدة، والاتحادات والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية تطالبها بالتدخل لوقف المجازر والمحرقة ضد في غزة)!! والأنكى هو قول جامعة أنظمة الذل والهوان "فلسطينيو غزة لن يسمح العرب بتجويعهم"!! وكذلك ما تورده بعض المنظمات الحقوقية و"الإنسانية" هو استعمالهم لجملة "تلك المجازر التي ترتقي إلى مصاف الإبادة الجماعية" وكأن كل ما جرى ويجري ضد شعب فلسطين ليس بالفعل هو إبادة جماعية!! وكذلك "الضغط على كافة أطراف النزاع في المنطقة على احترام القانون الدولي الإنساني في عدم استهداف المدنيين"، وكأن الفلسطينيون هم الذين يرتكبون الجرائم ضد المحتلين!! وأيضاً استعمال جملة تلك "الإجراءات التي ترتقي لمصاف العقاب الجماعي ضد المدنيين وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني"، وكأن الكيان الغاصب لفلسطين العربية وبحماية من إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة من "جمهوريين" و"ديمقراطيين" إضافة إلى أتباعهم في بريطانيا وفرنسا وباقي الدول الأوروبية، ويطالبون في بياناتهم ما يسمى "هيئة الأمم المتحدة" و"مجلس الأمن الدولي" بأن يضغطوا على الكيان الصهيوني مراعاة لما يسمونه "اتفاقية جنيف الرابعة" أو ما يسمونه "الشرعية الدولية"!! وهنا أقول أنه من الأفضل ألا نسمي "هيئة الأمم المتحدة" و"مجلس الأمن الدولي" بهذه الكلمات بل علينا أن نقول "هيئة الإرهاب الدولية" و"مجلس الإرهاب الدولي"، لأنهم في واقع الأمر هم كذلك وأتحدى أي كان أن يدلني على قرار ولو واحد فيه إنصاف أو عدل ليس لبلاد العرب فقط بل لكل بلاد العالم ودون استثناء، مع أني أطلقت صفة "مجلس أمن الولايات المتحدة الدولي" قبل العدوان الثلاثيني الغادر على العراق عام 1991، ومن الآن فصاعداً أعتقد أن صفة "مجلس الإرهاب الدولي" هي الأنسب والأفضل.

أكتفي بهذا الإيجاز الذي اختصرته قدر الإمكان مما وصلني من رسائل وبيانات ومما تناولته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام كي أقول كلمة بسيطة تعبّر عن رأي مواطن ما، في مكان ما، في قرية نائية ما لا يصلها الكهرباء ولا الماء ولا الهاتف، ولا أي من وسائل التكنولوجيا الحديثة في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، وهي أننا لو أحصينا عدد البيانات وعدد الموقعين عليها، إضافة لعدد عناصر الهيئات التنفيذية في النقابات والمنظمات المهنية وأصحاب المهن الحرة، وأعضاء اتحاد الكتّاب والأدباء، وعناصر نقابات المحامين والأطباء، وعدد النواب والوزراء والأحزاب السياسية والدينية، والجمعيات الخيرية، وأعضاء منظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى الإعلاميين والشعراء والفنانين، وكذلك بعض رجال الدين الذين لا يعملون بما أمر الله ولا بما أمر به الرسول العربي الكريم (صلعم) إنما يعملون للحفاظ على مناصبهم وتنفيذ أوامر أسيادهم في بلاد نجد والحجاز من خلال تبوئهم للمناصب إن في لبنان أو في مصر أو إيران وغيرهم وبمختلف مذاهبهم ودياناتهم، وكذلك لا نستثني هنا بعض رجال الدين المسيحيين الذين ينفذون أوامر محافلهم المعروفة وأهمها الفاتيكان وأوروبا وأمريكا وهؤلاء جميعاً ودون استثناء مسلمين ومسيحيين هم في واقع الأمر سبب البلاء الأكبر في تفتيت هذه الأمة وغيرهم الكثير، وما أكثر الدجالين في بلاد العرب، أقول أنه ربما يصل عدد الذين أصدروا ووقعوا البيانات مع أعضاء تنظيماتهم وأحزابهم وجمعياتهم إلى عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف، أقول لو أن هؤلاء فعلاً يريدون الخير والتقدم لهذه الأمة وتحقيق الازدهار والمستقبل المشرق والأفضل، كانوا على الأقل اتفقوا على تنظيم مسيرة موحدة كلٌ في قطره ومدينته وعاصمة بلده، ولو أنهم فعلاً يريدون مساندة شعب فلسطين وتحرير القدس من الغاصبين، كانوا على الأقل تشابكوا يداً بيد وهبّوا متوجهين إلى قصور الرؤساء، وإلى قصور الملوك والأمراء، وإلى مجالس رؤساء الوزارات في يوم محدد وهددوهم بالقول والفعل بأنه يجب فوراً ودون إبطاء أو أي تأخير، وقف كل مجالات التطبيع وبمختلف أشكالها وألوانها مع الكيان الصهيوني ومع أمريكا أولاً، ومن ثم فتح الحدود وكسر الحواجز بين الأقطار العربية، وتسيير دفعات من عربات نقل المساعدات الغذائية والطبية وغيرها إلى فلسطين المحتلة مما يعزز صمود أبناء فلسطين، وإرسال كافة مستلزمات إدامة صمود هذا الشعب في وجه الاحتلال، وإذا لم يفعل الرؤساء والملوك والأمراء ذلك وفوراً، يتم تشكيل لجان مساندة ودعم على مختلف الصعد، سياسية وغيرها، للتوجه إلى فلسطين كما فعل أبناء الأمة الأحرار والشرفاء منهم في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حيث شكلوا لجان نصرة فلسطين وهبوا بالتطوع للدفاع عن فلسطين وأذكر هنا على سبيل المثال الشهيد عز الدين القسّام الذي ورد في عدد من الكتابات أنه عراقي الأصل وسوري المولد والنشأة وأنه باع بيته في سوريا ودفع ثمنه من أجل دعم الثورة الفلسطينية وتشكيل لجان مقاومة الاحتلال، هذا على سبيل المثال وما أكثر الأمثلة على المناضلين العرب من كل الأقطار العربية ضد الغزاة لفلسطين العربية، أقول أنه حتى لو أدى ذلك إلى الاشتباك المباشر مع عناصر وأزلام أنظمة السوء والهوان المتحكمة في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، لأنه في حال سقوط جريح أو شهيد واحد من أبناء الأمة فأن ذلك سيؤدي إلى ثورة شاملة تعيد صياغة الواقع العربي برمته، لأنه وباعتقادي إذا لم تتحرك الجماهير والقيادات الشريفة الوطنية والقومية في هذه المرحلة من أجل وضع برنامج عمل مشترك نابع من صميم إرادة الجماهير المؤمنة بحقها في الحياة، فأنه يمكن القول أنه على الأمة والإنسانية السلام لمدة خمسين سنة قادمة على الأقل، وأنه إذا لم يتم تحرّك جماهيري منظم وواسع من أجل إعادة روح النضال والمواطنة إلى المواطن المحبط والمقهور، فأنه لا يمكن أن تعود للأمة كرامتها وللمواطن عزته ووطنيته، لأن هذا المواطن المغلوب على أمره ضاق بهكذا أنظمة وهكذا قيادات ونواب وأحزاب وتنظيمات لا تبيع سوى الكلام والأوهام.

قد يقول قائل بأن هذا كلام أوهام وليس أكثر من حبر على ورق، وهو نابع من شخص بعيد عن واقع الأمة لأن (آكل العصي ليس كمن يعدّها) في زمن الفساد الرسمي المنظم، وأن الجالس وراء مكتبه ليس كمن يعيش واقع الأمة الممزق بسبب رجال الدين والسياسيين والقيادات الحزبية المختلفة الذين يعملون على تنفيذ مصالحهم والبقاء على عروشهم متنعمين بالكهرباء والماء والدواء والعلاج في أفضل مشافي العالم، بينما المواطن يموت على أبواب مشافي الوطن دون أي يجد ثمن حبة لوقف الصداع، وكذلك أن أزلام الأمراء والملوك والرؤساء والمصفقين لهذا النائب أو ذاك القيادي يحصلون على أكياس الطحين وتنك الزيت وغير ذلك من مواد غذائية مجاناً، إضافة إلى كل ما يتمنونه من وسائل التكنولوجيا الحديثة، في الوقت الذي يموت فيه ابن، أو زوجة، أو أم، أو أب، أو أخ، أو أخت المواطن المغلوب على أمره دون أن يجد من يسعفه بلقمة خبز أو حبة دواء في زمن العهر السياسي، وبالتأكيد هناك من يموت منهم في داره دون أن يجد من يواسي عائلته أو يدفع عنهم عدة وثمن الدفن، والكثير غير ذلك، فكيف لنا أن نطلق ثورة ونحن لا قدرة لنا على الحصول على رغيف خبز، أليس ما تقوله بصبّ في خانة الأوهام والأحلام؟!

أقول أن كل ذلك صحيح وقد يقول البعض ويزيد على هذا الكلام، وهو محق في ذلك أيضاً، وأنه من الصحيح كذلك أن (مّنْ يأكل العصي ليس مثل الذي يعدّها)، ولكن المثل الشعبي العربي المعروف يقول (ما حك جلدك مثل ظفرك)، وأنه لا يمكن أن يتم التغيير إذا كان المواطن لم يبادر للتغيير لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه وال)) (الرعد:11).

وكي يتم التغيير أقول أنه يجب على المواطن في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج أن يخرج من حالة التبعية لهذا النائب أو ذاك القيادي، وعلى الشرفاء والأحرار من أبناء الأمة الذين ينتمون إلى هذا التنظيم أو ذلك الحزب أو تلك الجمعية أن يقدموا مطلبهم الواضح والصريح من خلال كتاب رسمي يعبّرون فيه عن آمالهم وآمال الجماهير، والعمل على تحرّك فوري من أجل التغيير، وإزالة الحدود المفروضة، وبذلك يبدأ التغيير نحو الأفضل كما أعتقد، وإلا يعلنوا انسحابهم الجماعي من ذلك الحزب أو التنظيم أو النقابة أو الجمعية أولاً، أو من خلال تشكيل مجموعة جديدة من الأحرار والشرفاء، المؤمنين الوطنيين والقوميين، والمعروفين بتاريخهم النضالي الوطني والقومي ربما يطلقون عليها اسم (النواة) ومن ثم توجيه دعوة فورية إلى كافة القوى الحية في باقي الأحزاب والتنظيمات والجمعيات والنقابات لتشكيل نواة عمل مشترك تنطلق من واقع جديد من أجل يوم جديد ومستقبل أفضل، وكذلك الاتصال بالأغلبية من أبناء الأمة غير التابعين أو المرتبطين بطريقة أو بأخرى بهذا التنظيم أو ذلك الحزب أو تلك الجمعية، من أجل البدء بالتحرك الفوري وفرض الواقع الجديد على هؤلاء جميعاً، وبناء عليه يتم تشكيل نواة جماهيرية واسعة تحقق تطلعات الجماهير وآمالها من أجل مستقبل حر ومزدهر لهم ولأولادهم وللأجيال القادمة، وفي حال استجابت الأحزاب والتنظيمات والجمعيات من تحقيق برنامج عمل مشترك وتشكيل لجان عمل ومتابعة يومية من أبناء الأمة ومن مختلف شرائح المجتمع وكل في ميدانه، فأنهم بذلك سيفرضون واقعاً جديداً على الأرض كما سيفرضون على كل الفصائل الفلسطينية العودة إلى وحدة النضال والكف عن المهاترات والصراع فيما بينهم، ومع أن تحقيق ذلك فيه من الصعوبات الكثير بسبب الأنظمة والاختراقات للقوى الحية وارتباط بعضها بقوى خارجية ومنها بعض الأنظمة العربية وإيران وأمريكا وغيرهم، وعلى الرغم من كل ذلك أقول أنه لا بد من التحرّك الفعّال للخروج من حالة الذل والمهادنة التي يموت فيها كل حر وعربي يومياً مرات ومرات في الوقت الذي يستشهد فيه أبناء فلسطين كل فلسطين ضمن مسلسل الإبادة الصهيونية اليومية المستمرة منذ بدايات القرن الماضي كي يتم استيلاء قوى الشر على كامل فلسطين وكل بلاد العرب من أجل ترسيخ وتحقيق السيطرة الاقتصادية والسياسية.

من هنا أقول أن كل الأحرار والشرفاء المهاجرين والمهجّرين من أبناء العروبة وفي أماكن تواجدهم على أرصفة الاغتراب، يمكن أن يساهموا في إسناد أي تحرك جماهيري وطني وقومي، من خلال الإعلام أولاً، ومن خلال المسيرات والاعتصامات ثانياً، وأن كل المهاجرين الأحرار والشرفاء ومن منطلق معرفتهم بساحاتهم وقوانين البلاد التائهين فيها، ومن خلال أصدقائهم غير العرب الذين يؤيدون ويؤازرون الحق العربي وحقوق الإنسان في كل مكان وهؤلاء كثر والحمد لله، يمكن أن يساندوا ويدعموا بشكل أو بآخر كل الأحرار والشرفاء في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، ولكن تبقى النتيجة مرتهنة ببدء تحقيق التغيير على أيدي الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة من داخل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.

وفي الختام يمكن القول أن الكلام كثير والآراء أكثر ولكن تبقى النتيجة أن المطلوب واحد، وكي لا نكرر قول (لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي) أقول أنه إذا لم يتحرك كل الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة، وبمساندة من كل الخيرين من أبناء تلك الأمة التي أعطت للعالم أجمع العلم والمعرفة، وأضاءت دروب البشرية للعلم والمعرفة والخير، فأن قوى الشر والحقد من صفويين وصهاينة وأتباعهم من أنظمة الهوان سيتحكمون بمقادير بلاد العرب من المحيط إلى الخليج إلى أن يرسل الله لهذه الأمة قائداً وطنياً وقومياً جديداً يعيد لها عزتها وكرامتها، مردداً بائية الشاعر ابراهيم اليازجي:

تنبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ

فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ

فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم

وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القََنَـا سُلـبُ

اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ

فَقَـدْ شَكَاكُمُ المَهْدُ واشتاقتـكُمُ التُّـرَبُ

كَمْ تُظْلَمُونَ ولَسْتُمْ تَشْتَكُونَ

وَكَمْ تُسْتَغْضَبُونَ فَلا يَبْدُو لَكُمْ غَضَـبُ

أَلِفْتُمُ الْهَوْنَ حَتَّى صَارَ عِنْدَكُمُ طَبْعَاً

وَبَعْـضُ طِبَـاعِ الْمَرْءِ مُكْتَسَـبُ

وفَارقَتْكُمْ لِطُولِ الذُّلِّ نَخْوَتُـكُمْ

فَلَيْسَ يُؤْلِمُكُمْ خَسْفٌ وَلا عَطَـبُ

لِلّهِ صَبْـرُكُمُ لَـوْ أَنَّ صَبْرَكُـمُ

فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ حينَ الْخَيْلُ تَضْطَرِبُ

كَمْ بَيْنَ صَبْرٍ غَدَا لِلـذُّلِّ مُجْتَلِبَـاً

وبَيْنَ صَبْـرٍ غَدَا لِلعِـزِّ يَجْتَلِـبُ

فَشَمِّـرُوا وانْهَضُوا لِلأَمْـرِ وَابْتَدِرُوا

مِنْ دَهْرِكُمْ فُرْصَةً ضَنَّتْ بِهَا الحِقَـبُ