البعث الذي لم تفهمه كما ينبغي

الحلقة الثانية

المحامي هاشم العبيدي - السويد

ثانيا - أما فيما يخص قول السيد نوري المرادي عن (نجاح الماسونية في تسريب الهرمية السياسية لواحد من مذاهب الإسلام الكبيرة وهو التشيع) على يد المرجع الديني الشيعي "كاظم يزدي" في رسالته عام 1915 التي أوجبت التقليد شرعا..."

فـ (الشيعة) مثل (السنة) مصطلح له مدلوله الخاص وكطائفة أو مذهب فإنها تتألف كما (السنة) من فرق عديدة حاليا منها "الجعفرية - الأمامية - الاثنا عشرية"– الزيدية والاسماعيلية.. الخ وكانت هناك في الماضي وعبر التاريخ الإسلامي الزاخر فرق شيعية وأخرى سنية ولكنها اندثرت لأسباب، لا مجال لذكرها أو شرحها الآن، وأن نسبة "الشيعة" كطائفة قياسا إلى حجم المسلمين لا يتجاوز أو يزيد نسبتها بالكثير عن 10% والباقي منهم أي المسلمين من غير الشيعة تبلغ نسبتهم 90% وهم جميعا من أهل المذاهب السنية الأربع الرئيسة (الحنفي، الشافعي، المالكي، الحنبلي) والمذهب الأباظي الذي هو اقرب إلى المذاهب السنية منه إلى المذاهب الشيعية.

وبعيدا عن الخوض والبحث والحديث والدخول في تفاصيل عقائد الشيعة الإمامية (الجعفرية)، والفقه الجعفري الإمامي، ومرتكزات تلك العقائد الأساسية التي تتمثل في "أصول الدين" وتنحصر في "التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، والميعاد" إلا أن الفكر الإسلامي الشيعي الذي هو في أساسه فكر بشري قد ساهم بشكل سلبي في إنتاج الأساطير واستنساخ القديمة منها وتحويرها وبما تتلاءم مع مفاهيمه التي اعتمدت الإرهاصات الفلسفية في بعض جوانب هذا الفكر الذي تسربت إليه (الاسرائيليات) ولجأ إلى التأويل الباطني لبعض نصوص القران الكريم حينما لم يجد في تلك النصوص ما تسعفه صراحة أو ضمنا أو دلالة في تفسيراته لمفاهيمه العقائدية الخاصة التي هي ليست من أصول الدين أو فروعه في شيء بل يعتبر من قبيل نواقض الإسلام تماما وخروجا صريحا على مبادئ الدين الحنيف، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:-

أ - الادعاء بوقوع التحريف في القران الكريم زيادة أو نقصانا أثناء جمعه وحين ترتيبه.

ب - عدم انقطاع الوحي واستمرار نزوله على فاطمة (ع) بعد وفاة أبيها الرسول الكريم.

ج - الطعن في فراش النبوة (والعياذ بالله).

د - قدح وذم صحابة رسول الله (عليه الصلاة والسلام) وخصوصا الخلفاء الشهداء الثلاث.

هـ - القول بالبدء والرجعة والتقية والمتعة والزيادة والإضافة إلى الآذان (أشهد أن علياً ولي الله وأشهد أن علياً حجة الله).

و - المغالاة والغلو في تقديس الأئمة الأطهار (عليهم السلام) والمبالغة في إقامة مظاهر الاحتفالات التي تقام على مدار السنة احتفاء بذكرى ولادة كل إمام من الأئمة الاثنا عشر، مع تجاهل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وهو (عليه الصلاة والسلام) الأحق والأولى بالاحتفاء والاحتفال بذكراه، وهو نفس موقف (الوهابية) من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ولكن من وجهة نظر أخرى بحيث أصبح المذهب الشيعي وقد اختزل - الإسلام- وجعله يدور كليا حول الحديث عن فاجعة كربلاء ( بالرغم من رهبتها) باستشهاد الإمام الحسين (ع) ومناقب الأئمة الآخرين من نسله (عليهم السلام) وذلك عن طريق القيام بتنظيم عمليات جماعية ( مواكب) للطلم وضرب الأكتاف والصدور العارية من الرجال بالسلاسل المعدنية المصنوعة والمخصصة لهذا الغرض واستعمال السيوف والسكاكين الطويلة الحادة ( القامات) بضرب الرؤوس الحليقة بها حتى تنزف او تقطر دما وبصورة مقززة في أيام (العاشوراء) من كل سنة واعتماد الألقاب الكهنوتية "آية الله، حجة الإسلام ..." وإسباغ هالة من التقديس على المجتهدين من رجال الدين الشيعة من خلال مفردات (قدس الله سره، دام الله ظله، أيده الله..) وإطلاق تسمية الحسينيات على دور العبادة بدلا من مسمياتها القرآنية والنبوية المعروفة (المساجد، الجوامع) والادعاء بأنها ليست بديلا عن دور العبادة بل أنها فقط لغرض إقامة مجالس العزاء في أيام العاشوراء، فلا قران ولا حديث نبوي إلا في هذا الإطار وماعدا ذلك فأن أي شيء آخر لا يعتد به إطلاقاً.

أما فيما يخص قول السيد المرادي حول "نجاح الماسونية في تسريب الهرمية السياسية إلى التشيع عن طريق المرجع الديني (كاظم يزدي) حسب رسالته عام 1915 التي أوجبت التقليد شرعا على الشيعة"... والكلام هنا وعلى إطلاقه ينبغي الوقوف عنده إذ لا يرتقى إلى مرتبة – اليقين - ولا يؤخذ به حتى كوجهة نظر فأن مثل هذا القول لا سند له ولا دليل عليه.

إن التقليد لدى الشيعة بحد ذاته لا يشكل "الهرمية السياسية" وهو أقدم من وجود (كاظم يزدي) كمرجع للشيعة في ذلك الوقت ويعود تاريخه إلى ما بعد ما تسمى بالغيبة الكبرى.

إن ما يؤاخذ عليه (كاظم يزدي) هو سكوته وصمته وتأييده للاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 والذي لم يتخذ موقفاً مضاداً ومناهضاً، إذ لم يصدر أية فتوى بوجوب الجهاد ضد الاحتلال الانكليزي، كما صمت ولم يستجب لمناشدة علماء ورجال الدين، وخاصة الشيعة منهم لإصدار مثل هذه الفتوى المؤيدة للتمهيد لثورة العشرين، حيث كان على علاقة حميمة كقرينه الشيخ (عبد الرحمن النقيب)مع الجاسوسة المعروفة (المسز بيل) – السكرتيرة الشرقية في السفارة البريطانية في بغداد لاحقاً، إذ تولى السيد الشيرازي بعد وفاة (يزدي) إصدار مثل هذه الفتوى مع جمع من علماء الدين المسلمين تأييداً وتمهيداً لثورة العشرين المجيدة.

وأن ما يسميها السيد المرادي بـ "الهرمية السياسية" أو "التركيبة الهرمية" أو "الهيكلية الهرمية" أو "الهيكلية التنظيمية" هي ظاهرة ملازمة لجميع التشكيلات الاجتماعية التي ظهرت عبر التاريخ حتى التشكيلات الاجتماعية البسيطة الأولى فنجدها في أصغر وحدة أو تشكيل اجتماعي كالأسرة أو العائلة كما نراها في الدولة وهي ليست ظاهرة تختص بها "الماسونية" كما يحاول السيد المرادي تصوير الأمر وكأنها اختراع ماسوني بحت.

ثالثا: أما عن قول السيد المرادي حول "سقوط آخر خلافة إسلامية على يد الضابط العثماني الماسوني مصطفى كمال" الذي قيل عنه أيضا أنه كان ينتمي إلى عائلة من طائفة (الدونمة) وكان يكن بغضاً وحقداً على العرب، وكراهية وعداء شديدا للإسلام، ونشير هنا إلى الدولة العثمانية، كانت مجرد دولة ولم تكن دولة خلافة إسلامية كما يتوهم السيد المرادي في مقالته، وكما يظن ذلك آخرون غيره، رغم قلتهم، وجلهم من الاتجاه الإسلامي، بل كانت إمارة صغيرة توسعت إلى دولة، ثم تطورت إلى إمبراطورية على غرار تلك الإمبراطوريات التي كانت قائمة وسائدة، وأغلبها اعتمدت - النهج الديني - وكانت ترمز إليه في إعلامها.

لقد بدأ - عهد الخلافة - بعد وفاة الرسول الكريم (ص) وتولي أبو بكر الصديق (رض) الأمور كأول خليفة الذي (توفي بعد فترة من تناوله طعاما مسموما دس له السم في وليمة)، وانتهى عهد الخلافة باغتيال آخر الخلفاء الشهداء الأربع وهو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وسيطرة الخارج على الشرعية والي الشام المتمرد (معاوية بن أبي سفيان) بالقوة على مقاليد الأمور مؤسساً بذلك - الدولة الأموية والذي أصبح أول ملك عليها.

إذاً إن الحقيقة التاريخية تقول بأن الأمويين قد اغتصبوا - الخلافة - اغتصابا بغير وجه حق ولا سند شرعي، وجعلوها ملكاً عضوضاً متوارثاً فيما بينهم، معتمدين القوة وسيلة في الحكم، أي ما تسمى اليوم وفي العصر الحديث بـ "نظرية القوة والغلبة" خلافاً لأحكام الشرع الحنيف، الأمر الذي يتناقض كلياً مع جوهر رسالة الإسلام نصاً وروحاً.

وعلى هذا الأساس فأن ملوك بني أمية، وملوك بني العباس، وسلاطين بني عثمان، لم يكونوا خلفاء وهم بالتأكيد ليسوا بخلفاءـ وإن كانت دولهم التي حكموها دولاً إسلامية.

إن معظم سلاطين بني عثمان، قد تولوا مقاليد السلطة نتيجة دسائس ومؤامرات حيكت بتدبير من أمهاتهم، من جواري وخواتين القصور الملكية، وأن أغلبهم قد قاموا فور توليهم السلطة بقتل إخوتهم الأشقاء وغير الأشقاء، وإن كانوا إخوة صغار تجنباً وخوفاً من منافستهم وتخلصاً منهم.

وهذا لا يعني نكران ظهور ملوك عرب وسلاطين غير عرب صالحين وعظام، برزوا من خلال الفتوحات التي تمت في عهودهم وبطولاتهم وأعمالهم المجيدة، سواء في العصور الأموية والعباسية والعثمانية.

وكان العثمانيون يحاربون على جبهات مختلفة أوروبية وغير أوروبية، حتى باتوا يطرقون أبواب (فيينا)، دون أن يهرعوا بجدية تامة إلى نجدة إخوانهم المسلمين العرب في الأندلس الذين كانوا يستغيثون بهم دائماً ولكن دون جدوى.

وكان الأولى بالعثمانيين، بدلاً من الحرب مع أوربا المسيحية، إلا في حالة الدفاع عن النفس، أن ينحدروا جنوبا نحو أفريقيا، تلك القارة التي اسلم نصف سكانها على يد العرب، لكنا نرى اليوم أفريقيا بأكملها مسلمة وقد آمنت بالإسلام دينا.

إن الدعوة إلى الجهاد وفكرة الجامعة الإسلامية (الخلافة) كانت من شعارات الفترة المتأخرة من حياة تلك الدولة العثمانية، والتي لم تلق تجاوبا من عموم المسلمين، كانت محاولة عثمانية لشحذ الهمم وحشد الطاقات وتوظيفها لصالح وخدمة السياسة العثمانية، من خلال اللجوء إلى استنهاض الروح والمشاعر الدينية الإسلامية ضد الأطماع الاستعمارية الأوروبية، التي استفحلت وتحولت من صيغة الاتفاقيات إلى صيغة الامتيازات، فصيغة النفوذ والتدخل في شؤون وأوضاع السلطنة الداخلية تحت ستار حماية حقوق الأقليات الدينية وخاصة "المسيحية" وصولاً إلى الاحتلال العسكري المباشر، الذي شمل منذ أوائل القرن التاسع عشر مناطق المغرب العربي، ومصر، والسودان، والحافات الجنوبية لشبه جزيرة العرب، وشواطيء الخليج العربي، بحيث اكتمل احتلال الوطن العربي كله قبل انتهاء العقد الثاني من القرن العشرين، وخلال تلك الفترة فقدت الدولة العثمانية امتدادها الجغرافي الإقليمي في القوقاز وقبرص والجزر الساحلية الصغيرة المحاذية.

ونتيجة الانقلاب العثماني الذي وقع عام 1908 فقد أوشكت الدولة العثمانية التي كانت منهكة على الانهيار، إذ تم على أثره عزل السلطان (عبد الحميد الثاني) وتولى السلطة (محمد الخامس 1909 - 1918)، ثم جاء من بعده (محمد السادس 1918 - 1922) وفي عهده ألغيت السلطنة في تشرين أول عام 1922، ثم جاء (عبد المجيد) حيث تحولت تركيا إلى جمهورية، تولى رئاستها (مصطفى كمال) الذي قام بإلغاء ما سميت بـ(الخلافة) في آذار عام 1924، وأنه بإلغائه منصب الخلافة الذي أصبح لا معنى له بعد إلغاء السلطنة فقد أطلق على الدولة العثمانية (طلقة الرحمة).

وبدلاً من احتلال وتجزئة (تركيا العثمانية) وفق سياق ومنطق الحرب ومسارها، فأن الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى غدروا بالعرب الذين كانوا قد وقفوا إلى جانبهم أثناء تلك الحرب، فقامت (بريطانيا وفرنسا) باحتلال واقتسام (المشرق العربي) فيما بينهما، دون الاعتراف باستقلال العرب في دولة عربية واحدة تضم العراق والشام والجزيرة العربية، كما كان متفقاً مع الشريف حسين بن علي الذي أعلن الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916 على العثمانيين، ثم اعترف الحلفاء رسميا بـ (الدولة التركية الجديدة) التي تشكلت في تلك المرحلة، والتي ضمت في كيانها السياسي جميع الأتراك العثمانيين، الذين يقطنون ضمن حدودهم القومية المعروفة داخل الدولة العثمانية التي خسرت الحرب، ولم تكتف (بريطانيا وفرنسا) باحتلال وتجزئة المشرق العربي، بل قامتا أيضا بتجزئة إقليم الشام إلى أربعة أجزاء (سورية، لبنان، فلسطين، الأردن)، وإمعانا في الغدر بالعرب فأنهما قامتا أيضا أثناء المفاوضات حول "معاهدات الصلح" و"اتفاقات السلام" مع تركيا، بالتنازل إليها وبدون وجه حق عن أكثر من ثلث الأراضي العربية التي اقتطعت من إقليم الشام، فضلاً عن قيام فرنسا بتسليم لواء الإسكندرونة الذي تم سلخه واقتطاعه من سورية التي كانت تئن في تلك الفترة تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، الذي قام بتقسيمها إلى أربعة دويلات، وتم ضم اللواء إلى تركيا عام 1939، بتواطؤ فرنسي، وتحت غطاء قرار صادر من عصبة الأمم التي كان الحلفاء يسيطرون عليها كشأن أو حال الأمم المتحدة اليوم، وفي المرحلة الراهنة التي تقع تحت الهيمنة الأمريكية والتي تسمى (إجراءاتها) كذباً وهراء بـ (قرارات الشرعية الدولية)، كما قامت بريطانيا بدورها وبنفس الوقت بإصدار (وعد بلفور) في 2 تشرين الثاني 1917، حول العمل على "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" التي كانت تحت الانتداب البريطاني وتم تنفيذه بإعلان قيام - الكيان الصهيوني - في 15 مايس / أيار 1948.

فكان الاتحاد السوفيتي الذي أيد وساهم متحمسا وبشكل ملفت للنظر، في السعي إلى إصدار قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الأول 1947، وكان مندوبه - غروميكو – ما انفك يهاجم بشدة وعنف ما وصفها بالدول العربية، الرجعية، المتعنتة، هو ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تعلن اعترافه بعد عشرة دقائق من قيام الكيان الصهيوني.

وهكذا وقفت الدولة السوفيتية الشيوعية مع أمريكا الرأسمالية في نفس الخندق إلى جانب - الكيان الصهيوني - وكان الاتحاد السوفيتي يخالف ويختصم مع أمريكا الامبريالية في كل القضايا فيما عدا قضيتي فلسطين والوحدة العربية.

كما مهدت بريطانيا أيضا بل ومكنت (إيران) من إتمام احتلال إقليم الأحواز في نيسان عام 1925، هذا الإقليم العربي الذي هو جزء وامتداد للسهل الرسوبي لجنوبي العراق، ويكونان معاً منطقة واحدة ديمغرافياً وجغرافياً، أي أنهما يشكلان إقليماً واحداً من جميع الوجوه، من حيث المناخ، وتضاريس الأرض، والأنهار، وأنواع الحيوانات والطيور، والنباتات وبساتين النخيل، والسكان وأنماط العيش، فالأحواز جزء لا يتجزأ كما "الكويت" والإحساء من إقليم أرض السواد (العراق).

9/3/2008