بيان صادر من رابطة الدبلوماسيين العراقيين
بمناسبة الذكرى الخامسة للعدوان العسكري الأمريكي البريطاني الصهيوني الغاشم وانطلاقة الثورة العراقية المسلحة، خمس سنوات عجاف مرت على العدوان العسكري الأمريكي وحلفائها واحتلال العراق، مرت السنوات العجاف بكل ظلمها وأهوالها ودمارها تحمل خلالها الشعب العراقي هذا القدر الهائل من الآلام والأحزان التي وصلت إلى حد المحن.
لقد تسبب الاحتلال والحكومات العميلة التي نصبّها في خلق حالة مأساوية لم يسبق لها مثيل في حجم الانتهاكات والفساد وجرائم الإبادة الجماعية، فضلاً عن انتهاك حقوق الإنسان والتهجير والتشريد وتصفية العلماء والمفكرين في مشروع مخطط له سلفا، لتدمير العراق، كيانا ومجتمعا ودولة وهوية وتحويله إلى نتف طائفية ومذهبية وإثنية تتصارع فيما بينها، وترويج النزعات الانفصالية والتقسيمية والمحاصصة المذهبية المتخلفة، وخلال السنوات الخمس الماضية حاول الاحتلال جاهداً قتل الوحدة الوطنية العراقية، وتفكيك النسيج الاجتماعي العراقي.
ورغم كل المحن والمآسي بقى نسيج المجتمع العراقي متماسكاً قوياً لا تمييز بين أبنائه على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة، لقد خرج الرئيس بوش بالأمس ليقول أنهم نجحوا في منع وقوع حرب أهلية في العراق، والحقيقة أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في إشعالها، فرغم كل المخططات وكل الأساليب التي اتبعتها الإدارة الأمريكية وعملائها في العراق إلاّ أنهم فشلوا جميعاً في إشعال ما كانوا يتمنوه من حربٍ بين مكونات المجتمع العراقي، المتحابة المتآلفة عبر الآلاف السنين، وأثبت أبناء العراق أنهم أقوى من كل المؤامرات الساعية لتمزيقهم إلى فرق وطوائف متناحرة، وبهذه المناسبة نتوجه إليهم جميعاً مناشدين لهم بالصمود على هذا الموقف ونبذ أي محاولة تستهدف تماسكهم ووحدتهم.
لقد فقد العراق منذ الاحتلال الأنغلو - أمريكي في نيسان 2003، أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شهيد حسب إحصاءات موثوق بها، كما أدّى إلى ارتفاع عدد الأرامل إلى ثلاثة ملايين أرملة، وتسبب في وجود ما يقرب من خمس ملايين يتيم، كلهم يعانون أقسى معاناة، دون أبسط مقومات الرعاية، كما فقد العراق أكثر من 5500 عالم ومفكر ومثقف بين قتيل ومهاجر، معظمهم هاجروا إلى شرق آسيا وشرق أوروبا، وأصبح العراق مسرحا لقتل أكثر من 170 إعلامياً وصحافياً.
إن التقدم العلمي والتقني للعراق كان أحد أسباب استمرار الحصار الجائر و الغزو الغاشم، لذا كان اغتيال علماء العراق جزء من استراتيجية "الفوضى المنظمة" التي اتبعها الاحتلال منذ الغزو لتطويع العراقيين وإخضاعهم وإفراغ العراق من كفاءاته وعقوله بهدف تدمير الدولة العراقية وتحطيم بنيتها التحتية، وتخريب ما بنته السواعد والعقول العراقية عبر عقود من الزمن، فلقد انهار النظام الصحي الذي وصفته منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في آذار 2003 بأنه كان من أفضل الأنظمة تطوراً في المنطقة.
والأمر نفسه ينطبق على النظام التعليمي، فبعد أن كانت جامعات العراق ومؤسساته التعليمية قبلة أنظار كل طلبة العلم من دول المنطقة أضحت مراكز للبؤس والظلام بعد حملات التصفية ضد الكوادر التدريسية وتشريد الباقين منهم.
حول المحتلون وعملائهم هذا البلد إلى سجن كبير يقبع، حسب الأرقام المعلنة، أكثر من23 ألف أسير حرب عراقي في معتقلاتها منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى عشرات الآلاف المعتقلين في سجون ومعتقلات الحكومة العميلة، السرية منها والعلنية.
إن عملية الغزو التي جاءت تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل وعلاقة العراق بـ"تنظيم القاعدة" و"الإرهاب الدولي" قد افتضح زيفها ونفاقها وبطلانها بشهادات واعترافات تقارير مراكز البحوث والدراسات الأمريكية والبريطانية، بل وباعتراف المسؤولين في الإدارتين اللتين يتحملان المسؤولية القانونية والأخلاقية في إشعالها.
وبعدما تبين بطلان تلك الذرائع وافتضاح الأكاذيب، عمد المحتل إلى ترويج ذريعة أخرى وهي مسمى"الديمقراطية والحرية"، من خلال جعل العراق مدخلاً لنشر الديمقراطية في المنطقة، التي سرعان ما تبين أنها لم تكن سوى أكذوبة سمجة.
وفي ظل هذه اللافتة الخادعة تم انتهاك ما تبقى من حقوق إنسان العراق ومؤسساته وقيمه وسيادته ووحدته وثرواته، ولكن سرعان ما تبين زيف هذه الذريعة هي الأخرى، وبطلانها حتى غدا العراق نموذجاً للدولة الفاشلة الغارقة في الفساد والمحسوبية والسرقات والميليشيات المذهبية و الصراعات الطائفية وفرق الموت برعاية أمريكية واضحة ومكشوفة، وتحول العراق حسب تقارير أمريكية وتقارير هيئات دولية خاصة بالنزاهة، إلى أكثر الدول فساداً، واحد من أخطر الأماكن في العالم.
وبسقوط هذه الادعاءات، سقطت أقنعة الزيف والبهتان عمن غلبوا مصالحهم الشخصية وأغراضهم الذاتية على كرامة الأمة وأمنها وسلامة ربوعها وأراضيها وتحالفوا مع أعدائها ضد أمنها القومي وفتحوا أراضيهم وأجوائهم لتدمير العراق وشعبه، إن تحطيم هيبة وكرامة الدولة والمواطن، كان واحداً من الأهداف الرئيسية للاحتلال.
العراقيون لن ينسوا الحرمات التي انتهكت والفظائع التي ارتكبت والدماء التي سالت والثروات التي نهبت، كما أنهم لن ينسوا المجرمين الذين اقترفوا ويقترفون الجرائم ضدهم ولا المتواطئين على الإجرام ولا الساكتين عليه أو المحرضين على ارتكابه.
أن حق العراق في القصاص من هؤلاء المجرمين ثابت لا يسقط بالتقادم وأن التاريخ سوف لن يرحم هؤلاء المجرمين والمحرضين على ارتكابه ولن ينساهم.
ومع كل جبروت المحتل، وقوته العسكرية والاقتصادية والإرهابية، فشل مشروع الاحتلال فشلا كاملا على يد المقاومة العراقية الباسلة التي انطلقت في اليوم التالي لاحتلال بغداد العزيزة، وبدأت أمريكا مسيرة الانتحار على أسوار بغداد وها هي تنتحر بالجملة على أسوار الرمادي وبعقوبة والموصل وكركوك وصلاح الدين والبصرة والنجف وكربلاء والحلة وواسط والفلوجة وسامراء وتلعفر وكل قرية وكل مدينة وها هي فلوله تستعد للهروب المذل مع حصاد عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وانهيار اقتصادي لم يسبق له مثيل.
إن المقاومة الوطنية العراقية هي مقاومة كل أبناء العراق، فقد انخرط فيها، ومنذ اللحظات الأولى، مقاتلين من كل مكونات الشعب العراقي دون استثناء، لقد استطاعت المقاومة الباسلة أن تقاتل قتالاً أسطورياً أعتى وأقوى قوة عسكرية في التاريخ وجعلتها تترنح وتتضرج بدمائها وأوصلت المخطط الإمبراطوري الأمريكي إلى طريق مسدود، ووضعت الامبريالية الأمريكية، أمام انهيار محتوم إذا واصلت سياسة الحرب والعدوان.
إن وحدة وتلاحم الشعب العراقي، قد أسقطت جميع محاولات المحتل والصهيونية لتقسيمه و تمزيقه وتفتيت نسيجه الاجتماعي وبقي شعباً واحداً متماسكاً، بعربه وكورده وتركمانه، بمسلميه ومسيحييه.
لقد تحمل الشعب العراقي بمختلف أطيافه طيلة خمس سنوات من الاحتلال هذا القدر الهائل من الآلام والأحزان التي وصلت إلى حد المحن.
إن جهاد العراقيين لطرد المحتل الغاصب وعملائه، يستحق بجدارة، أيها الأشقاء العرب وأيها الإخوة المسلمون، دعمكم ومؤازرتكم ومساندتكم واعترافكم بمقاومته الباسلة التي تصنع لكم وللعالم غداً مشرقا حراً كريماً.
وانطلاقا من هذه الحقائق تدعو رابطة الدبلوماسيين العراقيين وتناشد أبناء الأمتين العربية والإسلامية وقواها الوطنية وكل الأحرار في العالم إلى الوقوف بجانب شعب العراق ومقاومته الوطنية والقومية والإسلامية الباسلة وهي تخوض حربها المقدسة ضد طاغوت الاحتلال الأمريكي البغيض وعملائه، إن هذه المقاومة هي شرف الأمة وعنوانها الكبير، وهي متمسكة بخيار المقاومة وبانتزاع حقوق الوطن مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
وتدعوا الرابطة كافة فصائل المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية إلى التوحد ونبذ الفرقة والى تعزيز الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية الذي هو أحد أهم عوامل دحر العدو وتحرير العراق.
وبهذه المناسبة تناشد رابطة الدبلوماسيين العراقيين كلاً من:
1 - الدول العربية في قمة دمشق القادمة أن تسحب اعترافها بالحكومة المنصوبة من قبل الاحتلال وتعترف بالمقاومة الوطنية العراقية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب العراقي وأن تمدها بالدعم السياسي والإعلامي وأن يكون لها مكاتب تعبر من خلالها عن نفسها في مواجهة الإعلام الموجه ضدها وأن يتم التحدث في وسائل الإعلام العربية عن وجود مقاومة وليس عن وجود إرهاب أو متمردين وهو الحد الأدنى الذي يمكن أن يطلبه أي عراقي وطني من القمة العربية.
2 - الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار بيان يدين فيه استمرار الاحتلال ويؤكد على عدم شرعيته ويطالب بإنهائه فوراً.
3 - حكومات الدول الصديقة للشعب العراقي بالاعتراف بالمقاومة العراقية ممثلا شرعيا ووحيدا لشعب العراق والسماح بفتح مكاتب لها في عواصمها ودعمها سياسيا وإعلاميا.
4 - المنظمات الجماهيرية والمهنية على امتداد الوطن العربي تنظيم المسيرات والاعتصامات في الساحات العامة خلال هذا الشهر والشهر القادم منددين باستمرار الاحتلال، مطالبين بإيقاف تدمير العراق وشعبه، إذ لا يعقل أن تخرج مسيرات تنديد باستمرار الحرب ضد شعب العراق في العواصم الغربية وعلى امتداد العالم والأشقاء العرب والمسلمين ساكتون سكوت أبا الهول أو اشد سكوتا.
يا أشقائنا العرب والمسلمين ويا أحرار العالم ومناضليه
لا تتحولوا إلى متفرجين على مأساة الشعب العراقي، ولا تتعاملوا معه كأنكم في عالم آخر، إن روابط الأخوة والدين والدم ووحدة النضال من أجل الأخوة الإنسانية والمصير المشترك تناديكم أن تقفوا إلى جانب هذا الشعب المنكوب وتساعدوا في إيقاف نزيف دماء أبنائه المستمر منذ خمس سنوات.
وما النصر إلا من عند الله.
عاش العراق حرا موحدا..
عاشت المقاومة العراقية الباسلة..
المجد والخلود لشهداء العراق والأمة العربية المجيدة..
رابطة الدبلوماسيين العراقيين
بغداد 21 آذار / مارس 2008