أزمة الشرق الأوسط والبركان القادم
بقلم: م. جمال قارصلي - برلماني ألماني سابق
المراقب المحايد لـ"منطقة الشرق الأوسط" لا يستطيع إلا الوصول إلى استنتاج مفاده أن السياسات الأمريكية فشلت فشلا ذريعاً، المؤشرات والشواهد على هذا الفشل نشهدها يوميا ونستشفها مع كل تصريح أو فعل على الأرض تدفع إليه السياسة الأمريكية، يضاف إلى ذلك حالة الفرز الداخلي الشديد في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط عموما.
مسميات "محور الاعتدال" و"محور الممانعة" تصفان السياسات التي تقف وتدعم السياسة الأمريكية في المنطقة وتلك التي تقف ضدها على التوالي، والملاحظ هو أنه عندما تفشل السياسات الأمريكية في الوصول إلى أهدافها من خلال أصدقائها وحلفائها المحليين تلجأ إلى استعراض العضلات سوءا بشكل مباشر كما في إرسال المدمرة "كول" وأخواتها إلى الشواطيء اللبنانية للضغط على سوريا والمقاومة اللبنانية أو عبر وسيط وأذرعة ضاربة حليفة كما حدث في "محرقة غزة" قبل فترة وجيزة، كل هذا ترافق مع مواقف عربية ودولية صامتة ومتواطئة ضد قطاع غزة الواقع تحت نير الحصار منذ شهور، رغم قرار وزراء الخارجية العرب رفع الحصار، حيث بقي هذا القرار حبرا على ورق كالعادة، ليس هذا وحسب بل تم تشديد الحصار الذي تشارك فيه أطراف عربية معروفة.
ومن متابعة ذلك كله نستنتج أن ما تسمى "قوى الممانعة" تتعرض للضغط الشديد والحصار والتهديدات لتمرير المشروع الأمريكي في المنطقة والاهم من ذلك مشروع ربيبتها "إسرائيل" في فلسطين.
فبالرغم من عنف الهجمات الدموية على لبنان أثناء حرب تموز 2006 و"محرقة غزة" الأخيرة نجد أن النتائج التي حصدها الجيش "الإسرائيلي" الذي "لا يقهر" والذي يدعى "طهارة السلاح" جاءت محدودة جدا وتلخصت في مذابح ضد المدنيين في لبنان وفي غزة ولم تستطع النيل من المقاومات سواء اللبنانية أو الفلسطينية، قياسا على نجاحات هذا الجيش الهائلة في حرب 1967 والتي استطاع من خلالها هزيمة جيوش 3 دول عربية وضاعف مساحة دولته عدة مرات بعد اكتساح الضفة الغربية وسيناء والجولان، نجده الآن يراوح مكانه أمام المقاومات الشعبية.
وعلى الرغم من قدرتها على التدمير الشامل وامتلاكها لأعتى أنواع الأسلحة بدأت "إسرائيل" تشعر بخطر تدعيه على وجودها بالرغم من الدعم الدولي اللامحدود والتواطؤ العربي الرسمي من خلال عمليات التطبيع أو في أحسن الأحوال الحياد المخجل أمام عنف عمليات القتل والحرق "الإسرائيلية".
وأمام هذا المشهد يتساءل البعض ما هي الخطوط العامة للمواقف الأوروبية؟
الإجابة بسيطة فالأوروبيون لن يكونوا حاديّن في مواقفهم أكثر من النظام العربي الرسمي السائر في ركب السياسة الأمريكية ضد المصالح الحيوية للشعوب العربية.
الأزمات المتفاقمة التي قادت السياسات الغبية لرئيس الولايات المتحدة "بوش" العالم إليها، بدأت تخلق نوعا من التوتر بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين المهمين باستثناء الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" الذي احتل مكانة "بلير" في تذيله وانسجامه مع السياسات الأمريكية. في حين أن المواقف الروسية المضادة للسياسات الأمريكية في دول ما كان يسمى "الكتلة الشرقية" بدأت بالبروز إلى العلن.
عندما يقف وزير الدفاع الأمريكي "غيتس" أمام مؤتمر الأمن الأخير الذي عقد في مدينة ميونخ الألمانية ويطلب من الحلفاء إرسال جنودهم للقتال في أفغانستان ولا يجد آذانا صاغية ويحذر من انهيار "حلف الناتو" إذا لم يفعلوا، فأن ذلك إشارة قوية على فشل السياسات الأمريكية التي يحاول "بوش" وحكومته توريط الأوروبيين فيها.
القراءة الألمانية لهذا الطلب الأمريكي كانت سليمة على عكس مواقف كل من هولندا والدنمارك، ألمانيا رفضت ذلك لاسيما أنها تدرك أن "بوش" في أيامه الأخيرة لا يعدو كونه بطة عرجاء، إلا أن ألمانيا بدأت تخط طريقا آخرا باتجاه تعميق التحالف مع "إسرائيل" الذي وجد تعبيرا عنه من خلال الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" والتي أعادت فيها التأكيد على اعتذار ألمانيا عن :المحرقة النازية" ضد يهود أوروبا متناسية المحرقة "الإسرائيلية" في قطاع غزة على بعد عدة كيلومترات من مكان إلقاء خطابها في "الكنيست الإسرائيلي"، كما أن أخطر ما احتواه هذا الخطاب هو إعلان التحالف الضمني ضد المشروع النووي الإيراني والتهديد بزيادة وتيرة العقوبات ضد إيران مما يعني في المحصلة ضربها وصولا إلى الحرب العالمية الثالثة التي هدد "بوش" بها والتي ستكون على حساب البلدان والشعوب العربية.
التطّير العالمي من سياسات "بوش" العدوانية وصمود المقاومات الوطنية والإسلامية في المنطقة العربية أمام عربدة القوات الأمريكية في العراق وذراعها "الإسرائيلي" في لبنان وفلسطين لا تجد أدنى ردة فعل على المستوى الرسمي العربي لاستغلال نقاط القوة الكامنة في شعوبها بل على العكس هناك محاولات لكبح جماحها وحتى الـتآمر عليها وضربها.
إضافة إلى عدم الرغبة أو القدرة على البناء على المواقف الأوروبية الايجابية جزئيا والروسية التي بدأت تتململ ضد السياسة الإمبريالية الأمريكية على مستوى العالم والتي قادت إلى عواقب اقتصادية تمثلت في انهيار الدولار الأمريكي وعجز الميزانية الأمريكية الهائل.
شهدنا قمة إسلامية "أخرى" في داكار وسوف نشهد قمة عربية "أخرى" في دمشق وسط خلافات مستحكمة تقدم الفرع على الأصل تهربا من استحقاقات غاية في الأهمية، حيث أن الأصل يبقى هو المذبحة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ مائة عام والاحتلال الأمريكي للعراق والفرع هو الأزمة الرئاسية اللبنانية حيث لا يعاني لبنان من خطر وجودي لحظي ولا من "محرقة" يومية ولا من حرب طائفية مقيتة "لا سمح الله" كما هو الحال في العراق، مع أهمية حل هذه الأزمة.
الهروب إلى مشكلة الرئاسة اللبنانية هو هروب من الاستحقاق الأكبر على النظام العربي وهو كسر الحصار المحكم التجويعي على 1،5 مليون إنسان في غزة ووقف المذبحة المستمرة ضد الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
الاستحقاقات التي ينتظرها المواطن العربي العادي من القمة المزمعة في غاية الوضوح، وهي دعم المقاومات العربية والإسلامية في كل من العراق وفلسطين ولبنان وعدم تسويغ القضاء عليها من خلال التواطؤ الذي تقوم به بعض الدول العربية للأسف، والانتقال من عروض السلام العربية المذلة إلى ساحة الفعل الحقيقي على الأرض، يضاف إلى ذلك دفع عملية التكامل العربي بتوجيه استثمارات ضخمة وفوائض من الدولة التي تعيش حالة الطفرة النفطية إلى الدول التي تعاني الفاقة والعجز كمصر مثلا.
فليس معقولا أن يقتتل الناس في طوابير الخبز في أكبر دولة عربية في حين أن الاستثمارات العربية الخارجية تبلغ مئات مليارات الدولارات، هذه الاستثمارات الخارجية مهددة أن تصبح رزما من الورق غير ذات قيمة إذا استمر هبوط الدولار كما نشهد. المشاكل المتعلقة بالعالم العربي مستحكمة ومزمنة وتسير من سيء إلى أسوأ بسبب العوامل والتدخلات الخارجية المخربة، بينما لاحظنا أن النزاع الذي نشب في أمريكا اللاتينية بين كولومبيا والإكوادور حيث حديقة أمريكا الخلفية حل بين ليلة وضحاها.
أمام هذه الوقائع آن الأوان لإعادة تعريف مفهوم الأمن القومي العربي ليشمل جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية بالإضافة إلى طبيعة التحالفات مع القوى الدولية.
دون التطرق إلى هذه التحديات والابتعاد عن سياسات المجاملة و"تبويس اللحى" العبثية سيبقى الجمهور العربي ينتظر ويتشوق لأي برنامج حواري تبثه قناة "الجزيرة" مثلا أكثر من انتظاره لمؤتمر قمة "آخر" يعتبر تنظيمه تبذيرا وهدرا للمال العام، دون الحلول الجذرية النابعة من مصالح الشعوب العربية ستبقى المنطقة تنتظر على فوهة بركان انفجاره المنتظر الذي لن يبقي ولن يذر.