أنا فلسطينية وكفى!
كندة سويدان
فلسطينية
أنا، فلسطينية لم تعرف قط بلدها، فلسطينية منذ أن ولدت وجدت نفسها في بلد ليست
حروفه ف – ل – س – ط – ي - ن، وجدت نفسها في بلد مختلف تماماً، وكأنه كان مكتوباً
لي ألا أعرف بلدي، وكأنه كان مكتوباً لي أن أولد في مكان آخر، ولدت في بلد هو بلد
أمي، بلد من أحببت وأحب وسأحب، أحببت الشام، أحببتها بكل من فيها، أحببتها وأحببت
كل حبة تراب من أرضها، أحببت كل ثانية أمضيتها وأنا أتنشق عطر هوائها، أحببت العيش
فيها، لكن القدر عاد مرة أخرى ليحملني إلى بلد آخر أعيش فيه وأستقر على أرضه، إنه
لبنان، البلد الذي لا يربطني به شيء سوى أن جدودي التجأوا إليه عندما كتب لهم القدر
نفسه أن يرحلوا عن بلدهم تاركين كل شيء خلفهم، تاركين من فيه وما فيه، قدر تحكم
بمصيري، قدر تحكم بحياتي، ولكنه ما فكر للحظة بأن يستشيرني أو يأخذ برأيي، وكأنني
لست أنا من ستعيش على هذه الأرض وكأنني لست معنية أبداً، اثنا عشر عاماً وأنا أعيش
بلبنان، اثنا عشر عاماً حسبتها ألفاً، إثنا عشر عاماً أمضيت فيها أوقتا جميلة جداً،
أوقاتاً لا تنسى، ولكن ما كنت لحظة لأنسى بلد أمي وبلد الجدود، البلدان اللذان
لربما أحببتهما بنفس المقدار، البلدان اللذان تعلقت بهما بنفس المقاس، بلد أزوره
كلما سنحت لي الفرصة، وآخر أتمنى دائماً زيارته ولو لمرة واحدة، فأنا لم ألمحه سوى
على شاشة التلفاز، فأرى عدواً لا أشك لثانية بحقده وكراهيته وبغضبه، ولا أشك لثانية
بأنه سوف يهزم، ويهزم هزيمة تبقى في ذاكرة الناس طوال الحياة، أراه يدمر ويقتل ويذل
ويدنس أرضنا بعاره وقساوته، كنت أرى أبناء أرضي يقتلون ويذلون، كنت أرى أطفاله
ونسوته يبكون الله ويناجونه إنقاذهم، طالبين منه تدمير عدو لطالما كرهوه وبغضوه.
وكم تكون فرحتي كبيرة عندما أرى أطفالاً وشباباً ورجالاً يرمون آلياته بحجارة صغيرة، لأنني متأكدة من أن هذه الحجارة المأخوذة من أرض باتت محتلة لكثير وكثير من السنين سوف تقلب بيد من تحب صاروخاً مدمراً يقضى عليهم وعلى آلياتهم الحاقدة، الله لم يقف مرة مع من حقد وقتل ودمر، ولن يقف مع هذا العدو الذي ما فكر لمرة فينا لأنه يلقى دائماً الدعم من بلاد فقد حكامها ضمائرهم وقلوبهم وتخلوا عن أصلهم، لذلك، أظن أن أكثر ما أحببت في لبنان هو أنه بلد لم يقبل لثانية بالاحتلال، لأن فيه من هزموا العدو و جعلوه يصارع من أجل استعادة مكانته في هذه المنطقة، ربما لأنني وجدت فيه من لطالما دافع عن أسراه وحاول استعادتهم ولطالما دافع عن القدس والأقصى، ربما لأنني وجدت فيه من يحب بلدي و يرفض رفضاً تاماً أن تبقى أرضه الطاهرة تحت الاحتلال، احتلال الحاقدين، هؤلاء الناس الذين قالوا لا لهذا العدو الغاصب، هم الناس الذين سوف يساعدوننا ويساندوننا في قول هذه الكلمة له، فنطرده من أرضنا ذليلاً، و أعود لأرى وطني، وطني الذي لطالما حلمت أن أعيش فيه وعلى أرضه، أتمتع بأشعة شمسه وأسهر على ضوء قمره.
أجل لطالما حلمت أن أعيش على أرضه، فأقبلها بعد أن تتخلص ممن كانوا يدنسونها و أذهب لأرى القدس والأقصى وبلدتي صفد، إيماني كبير بأبناء بلدي وبكل من أحبوه، إيماني كبير بمن يكره هذا العدو الغاصب، وإيماني كبير وكبير جداً بالله الواحد الأحد الذي لن يتركنا على هذه الحال، لن يتركنا مهجرين في بلاد ليست بلادنا، سوف نعود، نعود إلى أرضنا التي وحسب ما سمعت عنها بأنها من أجمل بلاد العالم، بل هي أجملها..