تفجير القمة العربية لو حدث، هدية الموسم وشرارة حروب الشطب.....

أيمن اللبدي / شاعر وكاتب من فلسطين المحتلة ونائب رئيس تحرير صحيفة (الحقائق) والمشرف العام على (الحقائق الثقافية)

أحمدي نجاد في "المنطقة الخضراء" ببغداد وبحراسة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والشركات الأمنية العاملة بالوكالة، ومن هناك لا بأس وأن يتبادل التصريحات الهجومية مع فخامة الرئيس الأمريكي جورج بوش في مكتبه البيضاوي، ولا بأس أن يعلن أن العراقيين يكرهون الأمريكيين، ولا بأس أيضا أن يجيبه على العراق أن يطلب من إيران وقف إمدادات الحرب، ولا بأس أيضا أن يذكّر من اجتمع بهم في بغداد أنه لولا التعاون الإيراني التام لما وطئت قدماه أرض العراق، وبالقطع فزيارة كابول في ضيافة فخامة الرئيس كرزاي ستكون أهون وأكثر سلاسة!

الدرس المضني الذي عمل عليه اللوبي الصهيوني طويلا في تنوير "المحافظين الجدد" في واشنطن، لم يكن فقط حول أهمية ترشيح البديل في الخطر "الأخضر" وريثاً لزوال الخطر "الأحمر"، ولم يكن فقط في التنظير لخطة العمل في نقل هذه النظرية من مجال التخطيط الاستراتيجي إلى مجال التطبيق العملي، بل كان أيضا في ضرورة تحقيق "القوة الذاتية الدافعة" لضغط ردود الفعل في مستوياتها القابلة للتحكم.

الكولونيالية الإنجليزية العريقة في قهر الشعوب واستنزاف ثرواتها عبر استعمارها الطويل، كان لديها الوصفة السحرية للقيام بتحقيق "القوة الذاتية الدافعة" هذه والتحكم في مسارات ردود الفعل الواردة على ظلمها وجبروتها، لم تكتشفه ولم تدعي أنها اخترعته وإن فعلت فهي لا تقول الحقيقة التاريخية، فوصفة "فرّق تسد" هي ذاتها التي استخدمتها قبلها عدة إمبراطوريات قديمة وحتى عدة قوى محلية كما هو حال "حروب الاستعادة" التي شنتها قشتالة ضد ممالك وملوك الطوائف في الأندلس العتيقة.

الإمبريالية الأمريكية الهاجمة في مرحلة الحرب الباردة ومواجهة الخطر "الأحمر" كانت تستخدم شعارات كثيرة من أول بوابة "العالم الحر" وحتى مزامير حقوق الإنسان، ولكنها في شعارات السياسة كانت دوما تستخدم سياسة "الحلف الأقوى" تطبيقا لمقولة داروين "البقاء للأصلح" وبها استطاعت أن تعقد مجموعة كبيرة من الأحلاف التي أدت في نهاية الأمر من ضمن أسباب أخرى إلى انهيار الكتلة الشرقية وإمبراطورية السوفييت، لكنها في مسألة المرحلة الثانية ضد الخطر "الأخضر" يبدو أنها احتاجت إلى الدرس الخصوصي من اللوبي الصهيوني في وصفة تأتي من عمق التاريخ وانعكاسات الجغرافيا.

هذه الوصفة كما يبدو اليوم واضحاً هي استغلال أقصى حدود الممكن في مسألة (سنة –شيعة) في بحر هذا الإسلام السياسي الكبير وبالأخص في منطقة النار، قرب البترول ومفاصل التواصل البحري الدولية، وربما تكون هذه الوصفة الوحيدة التي من الممكن أن تبقي هذا العالم مفككاً إلى أبد الآبدين ويتيح لهذه الامبراطورية العالمية التحكم في مسارات الردود طالما أن الميزان الدولي مائلاً لصالحها على هذا النحو، أما مشكلة المشاكل فكانت كيفية تغذية هذا العامل دون دفع ضريبة تحقيقه المكلفة في البداية ودون أن تتيح لعوامل إعادة اللحمة العمل الاستشفائي السريع عقب افتعال هذه الجراحة الخطرة، هذه الجراحة التي يجب أن تجري على حساب القومية العربية وعلى حساب الشعوب العربية من أجل مصلحة الإمبراطورية وأداتها الكبرى دولة الكيان الصهيوني، فالعائق أن العلاقة (سنة- شيعة) عربيا وتاريخيا لم تكن عاملا تفجيريا خطرا بقدر ما لو تم تعديلها لتصبح العلاقة في غير مرجعية العروبة، "إسلام سني تكفيري دولي" تمثله "القاعدة"، و"إسلام شيعي دولي" يبدأ صفوي تمثله كتل وأذرع ايران المختلفة على الأقل كصاعق التفجير البدائي.

اختيار العراق لبدء تنفيذ هذه المهمة لم يكن عشوائيا مطلقا، فإيران التي طالما وجدت أمامها القوة الرادعة العربية من بغداد لم يكن من الممكن أن تتوجه غرباً دون أن تجتاح العراق، وفي أثناء هذه الرحلة يمكن تسريب عناصر المخابرات الإيرانية لبناء قواعد خلفية في سوريا وإيران وغض الطرف عن عمليات التهيئة للمراحل المقبلة، الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت على البوابة الشرقية ثمانية أعوام كانت ضرورة لاستنزاف قوة العراق الصلبة ونواة ظهره، وهي التي أشعلها خوميني تحت شعار "تصدير الثورة"، ولكنها كانت بالقطع تصنع على عين الإمبراطورية التي كانت تقترب من حلمها رويدا رويدا.

التصريح الشهير الذي أطلقه جلالة الملك عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية بمخاطر تحقيق "الهلال الشيعي" ليس تصريحاً استهلاكياً بالمطلق، وليس صادراً عن هواجس ومخاوف وقتية فرضتها عواقب ونواتج تحطيم البوابة الشرقية العراقية، بل هو بالقطع ناتج عن قراءة واضحة لصيرورة المنطقة والخطط المعدة لشطب الدول التي تحدث عنها لاحقاً السيد هيكل من خلال مرئية "الجزيرة" القطرية، لكن قراءة السيد هيكل في ترتيب الأولويات الضامنة للأمن العربي بمصادقة إيران لم تكن دوما صائبة على النحو المطروحة عليه، فمصادقة إيران وأخذها دعامة ضمن ركائز الأمن العربي لا تأتي فقط مكفولة ومضمونة بحسن النوايا العربي، في ظل ما يبديه المشروع الإيراني نفسه من أطماع وتطلعات على حساب الأمن القومي العربي ذاته مستخدما بضعة أوراق من داخل الإقليم العربي وساحاته، وإن سكت عن ذكر هذه الدول فإحدى أهم الدول المهددة بالشطب كما سربت بعض الخرائط والأخبار والوثائق هي البوابة الشمالية سوريا.

المدهش أن قراءة هذا "الهلال الشيعي" تقول رغم هذه الصورة الظاهرة عياناً في شطب الدولة السورية الحالية لصالح تكوين دولة لبنانية شيعية كبيرة شمالا على حساب سوريا، ودولة درزية على حساب جنوب لبنان وجنوب سوريا وجزء من شمال الأردن، وهي تنظر تجاه الدولة الثانية المرشحة والتي سكت هيكل عن الخطورة التي تلحق بها لأنها تشير إلى جمهورية مصر العربية الظهر القوي غربا والبوابة الغربية لقلب القومية العربية، وما تحلو له دولة الكيان في تصدير كرة النار المشتعلة وآخر حروبها عليها تحت شعار حرب "المحرقة" في غزة هي واحدة من الخطوات اللاحقة لاكتمال مسيرة الجزء الثاني من هذا الهلال الذي سينتهي في أرض السودان الشقيقة.

صحيح أن جملة هذه القراءات هي قراءات تستند إلى واحد من التحليلات السياسية لحركة المنطقة والإقليم مؤخرا، إلا أنها لا تقطع بأنها الطريق الإرشادية الوحيدة الموضوعة للوصول إلى واحد من أهم أهداف اللوبي الصهيوني وجماعة محافظيه الأمريكيين، ومعضلة أي خطة منذ قرن من الزمان كانت ولا زالت في المسألة الفلسطينية والقضية الفلسطينية، فالعمود الفقري لأي استراتيجية أو خطة بعيدة المدى لا يجب أن ينوء عن حمل الهدف الأكبر وهو حصة الأداة الأولى في الرعاية والهيمنة والنفوذ لدولة الكيان باعتبارها أداة ضمان تحقيق اختراق المصالح ومراكمتها لصالح الإمبراطورية ومركزها وفوائد مخفضة لصالح الأطراف.

فزاعة القنبلة النووية الإيرانية تصبح ضرورة من ضرورات خطة العمل والمجابهة الصورية وحتى تقليم بعض الأظافر إن قامت تقوى في خارج سياق الخطة أو ترنو إلى حصة أكبر، وبالمطلق فالممنوعات ليست هذه واحدة منها على اليقين طالما أنها لا تخرج عن السياق في توزيع الحصص، أما الممنوعات الكبرى فهي اثنتان لا ثالث لهما: قوة وأمن وصلابة قومية عربية تشكل حاجزا رادعا وصخرة مانعة، وانتصار فلسطيني حقيقي في مسألة دولة قوية في فلسطين تشكل بوابة تمتين لهذا البرنامج العربي الرادع الحقيقي وضمان صلابته وقوة وجوده، وما عدا ذلك تبقى القوائم زاخرة بالمسموح والمحبب والمندوب والمكروه.

ما يجري من حرب "المحرقة" التي أعلنها "فلنائي" نيابة عن جنرال القتل "باراك" وسيد التخفي "أولمرت"، هي واحدة من أدوات ضمان شطب المشروع الوطني الفلسطيني عبر تصدير كرة النار إلى الإقليم من بوابة مصر حيث جرت البروفة السابقة على معبر رفح بنجاح، والدور الذي يمكن أن تلعبه الجماعات السنية والشيعية القابلة للتوظيف الإمبراطوري في فلسطين ومصر وسوريا والأردن ولبنان كما لعبته قبلها في العراق وأفغانستان، لا يمنع من رؤية المحصلة الأخيرة عند صرف عوائد استثمار أدوارها، وجماعة مثل جمعية "الأخوان المسلمين" في العراق كما في سوريا ومصر وفلسطين تدلل على أنها تقوم بالدور الموازي لدور كجماعة "حزب الله" و"جيش المهدي" و"المجلس الأعلى" و"حزب الدعوة"، وصراعات التقاط الثمار الفاسدة الواقعة عن الشجرة الكبيرة لا تستحق بنظر الإمبراطورية الوقوف عندها طويلا.

التهديدات التي تطلقها إيران خامنئي ونجاد من جهة والتي يردد صداها "حزب الله" و"حماس" من جهة أخرى بحرق دولة الكيان ونسفها، لا تخرج عن قراءة التوظيفات ولا عن قراءة المزاد والبازار السياسي، فالأمانة التي انداح لها سماحة "السيد" حسن نصر الله وهو يعلن عن انتصار حزبه لا شك ملحوظة في الحرب صيف عام 2006، لقد أوضح أن انتصاره كان بمنع تحيقي "كل أهداف العدو" من هذا العدوان وإن بكلفة عالية أثخنت في الأرض اللبنانية والشعب اللبناني نفسه وفتحت مجال الصراع الداخلي أعمق مما كان عليه مستندا إلى قصة النصر، وكذا فإن النصر الذي تقول أنها ستحققه قيادة "حماس الانقلابية" ويدفع الشعب الفلسطيني من دمائه فاتورته الباهظة، لن يكون أكثر من انتصار الهدنة طويلة الأمد وتحقيق حلم العدو الاستراتيجي بشطب العامل الأخير في المناعة القومية العربية عبر المشروع الوطني الفلسطيني وتصدير كرة النار للإقليم وتحضير ساحة الإقليم لجزئي حروب الشطب الأولى والثانية!

إذا كانت الدول الأساسية سوريا ومصر مهددة بالقدر ذاته وبعيدا عن قرب هذه شكلا وظاهرا من الإمبراطورية أو قربها من أحد أداتي الصراع في الإقليم: مشروع إيران ودولة الكيان، فإن دول الخليج العربي وعلى رأسها "المملكة العربية السعودية" وهي الثقل الوازن ليست بمنأى عن مخططات الإمبراطورية وأدواتها، ونظن أن السياسة الوازنة التي تتبعها "المملكة" كفيلة فيما لو انتبهت سوريا ومصر إلى حماية ما تبقى من صلب المشروع العربي المشترك والذي يواجه في هذا الشهر تحديداً اختبارا كبيرا هو القمة العربية العادية المقبلة في دمشق، وإذا كانت القيادة السورية حريصة على الخيار العربي أو ما تبقى منه، فالدور العربي لا يمكن أن يتعمد لا عبر البوابة الأمريكية ولا عبر الأداتين: طهران وتل أبيب.

البوارج على يمين الشواطيء في لبنان أو سوريا ليست بحدث فارق من الناحية الاستراتيجية عن البوارج في حضن الخليج العربي في قطر والإمارات والبحرين، وصواريخ (توماهوك) يمكنها الوصول في قطر دائرة أكبر مما يتخيله الناس، لكن الاقتراب هو معنى سياسي أكثر منه معنى عسكري محض وليس إلأ رسالة الإنذار لبدء تحضير مسرح العمليات فيما تبقى من ولاية بوش الثانية، وإذا كانت "هآرتس" قد صدقت في أن حجم ونوعية وطريقة تصدير كرة النار في غزة قد تمت برسم أمريكي وشروح: افعل ولا تفعل، فهذا يعني أن زيارة السيد نجاد ليست إلا استعداداً لجولة ترسيم "الهلال الشيعي" عقب تفجير القمة العربية القادمة.

ألا يجب أن تكون الأولوية في علاج ارتهان "انقلاب حماس" لأدوات خطة الترسيم، وارتهان "حزب الله" اللبناني وحتى مقابلاته الطائفية الصغيرة لذات الأدوات؟

هل ينتبه العرب إلى ضرورة الحفاظ على آخر ما في أيديهم؟ هذا هو السؤال القائم....