مجـد الشهيـد
مجيد البرغوثي
(1)
ضمن الصراع القائم بين السلطة والمقاومة في فلسطين وغيرها من بلادنا، تتم اعتقالات عشوائية من الجانبين بدوافع سياسية. والفلسطيني جربَ كل أنواع الاعتقال والتعذيب على أيدي الاحتلال والمخابرات العربية والعالمية وأقساها كما يبدو - المخابرات الفلسطينية، المخابرات حين تتحول عن خدمة الوطن والمواطن تتحول إلى سلطة، والسلطة تتحول إلى بلطة، والبلطة تعتقل، البلطة تعذب، البلطة تقتل، وتقول: توفي المواطن بسبب الجلطة. ومن حق المعتقل أن يتوفى أثناء التحقيق، والأعمار بيد الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. يجب أن تتوقف الاعتقالات السياسية، وهي مدانة ومستنكرة ومحرمة، حين تتم بأيدي أعداء الحرية، المحتلين الصهاينة والأمريكان، فكيف حين تتم بأيدي أنصار الحرية؟
اعتقل إمام مسجد كوبر مجد عبد العزيز البرغوثي في 15 فبراير، وتوفي في المعتقل في 22 من نفس الشهر، وأفاد تقرير الطبيب الشرعي الرسمي أن الوفاة طبيعية، رحم الله الفقيد، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، ولكن الأسئلة لا ترحم:
1 - ماذا كانت تهمة الإمام مجد؟
2 - هل كان متهماً أم مذنباً أم بريئاً؟ أم توفي دون معرفة ذلك كله؟
3 - أين توفي الإمام؟ وهو يلقي خطبته من منبر مسجد "كوبر"؟ أم في المعتقل؟
4 - كيف كانت حالته الصحية عند اعتقاله؟
5 - هل عرف المحققون عند اعتقاله أنه يعاني من أمراض؟
6 - هل عرفت عائلة الشهيد مكان وجوده أثناء الاعتقال؟
7 - هل سمح لعائلته بزيارته؟
8 - هل "تمتع" المعتقل بحقوقه الإنسانية والقانونية أثناء الاعتقال والتحقيق؟
9 - كيف كانت ظروف اعتقاله؟
10 - هل تم تعيين محام للدفاع عنه؟
11 - هل كان الفقيد أسيراً في زنازين الاحتلال لنفس التهمة؟ وما هي تهمة الاحتلال له؟
12 - لماذا فوجئت "كوبر" باعتقال الشهيد ولماذا فوجئت باستشهاده بعد اعتقاله؟
13 - ما هي الأسئلة التي طرحت على المعتقل؟
14 - هل سئل عن أسلحة؟ أم سئل عن رأيه في السلطة؟ أم عن رأيه في حصار غزة؟
15 - ماذا قال زملاء الشهيد الذين أطلق سراحهم بعد استشهاده عن حالته في المعتقل؟
16 - كيف خرج حياً بعد اعتقاله لسنوات في زنازين الاحتلال ولم يخرج حياً بعد اعتقاله أسبوعاً في سجن السلطة؟ في الحالتين، الأعمار بيد الله، ولكن في الحالتين هناك أسباب للحياة وللوفاة!
الإجابات التي نقلها المراسلون الأجانب، وذوو الشهيد وزملاؤه الذين كانوا في نفس المعتقل كانت كما يلي:
عائلة الشهيد: عذب مجد على يد المحققين وهو قيد الاعتقال في أحد سجون المخابرات برام الله، وآثار التعذيب واضحة ومصورة.
زوجة الإمام: قالت إن زوجها كان بصحة جيدة عند اعتقاله.
سيف البرغوثي، ابن عم الشهيد: العائلة عرفت عن المعاملة السيئة من 4 معتقلين أطلق سراحهم بعد وفاة الإمام، قالوا إنه كان يتم تقييدهم وشبحهم في أوضاع مؤلمة أثناء التحقيق.
آثار التعذيب واضحة على الجسد، على اليدين والساقين، المحققون كانوا يجبرونهم على الوقوف على أطراف أصابع القدمين لمدد طويلة، والنوم على ألواح كرتون فوق أرضية مبتلة، بالفانيللا واللباس الداخلي فقط.
"الحق" لحقوق الإنسان: ظروف الاعتقال سيئة، المعاملة غير إنسانية وتحط من كرامة البشر.
الدكتور مصطفى البرغوثي: تقرير الطبيب الشرعي لا يحدد سببا للوفاة.
حسن خريشة: إن هذا الحادث أثار المخاوف بشأن الحريات العامة وأن موته يقرع الجرس بشأن استمرار الاعتقالات في الضفة وقطاع غزة.
مؤسسة "الضمير" لحقوق الإنسان: طالبَت بتقديم المسؤولين عن اعتقاله إلى القضاء، على أن يضمن هذا التحقيق فحص مدى قانونية إجراءات الضبط والإحضار والتوقيف، ومكان الاحتجاز، والتحقق من سبب الوفاة، التي يثار حولها شك.
(2)
هل تطبق السلطة ما كانت تطبقه القوات البريطانية في النصف الأول من القرن العشرين حين تتلقى وشايات بوجود أسلحة في قرية ما أو مكان ما؟.
حدثني بعض الأقارب ممن عاصروا الانتداب البريطاني على فلسطين، (1948-1917) - الذي مهد لقيام "دولة اسرائيل" عن طريق التنكيل بالثوار الفلسطينيين وتسهيل هجرة اليهود سراً وعلناً – فقالوا: إن الانجليز تلقوا في أحد أيام سنة 1944 وشاية تفيد بوجود أسلحة للثوار مخبأة في قرية دير غسانة القريبة من كوبر.. "فكبسوا" على البلد، وأخرجوا الرجال الشباب والشياب إلى الساحة وبدأوا بضربهم ليدلوهم على مكان وجود الأسلحة المزعومة، وتدخلت إحدى القريبات المسنات فقالت: أبو فلان.. لم يكن يملك قطعة سلاح، (وكان عمره قد جاوز الخامسة والخمسين) وانضرب حتى استوى، فكان إذا ضربوه على رأسه يقول: آخ يا ظهري، وإذا ضربوه على ظهره صاح: آخ يا رأسي.. ومن شدة الضرب، قال لهم: عندي بارودة، أعطوني مهلة لبكرة، وأخذوا عليه وعلى سواه تعهدات بإحضار البواريد في اليوم التالي، وعاد أبو فلان إلى أم العيال، وطلب منها ما لديها من ذهب، ربما إسوارتين وخاتم، وباع (الذهبات) واشترى بارودة وسلمها في اليوم التالي للضابط البريطاني.. أما من لم يكن معه ذهب أو مال، فقد قضى أسابيع في السجن ثم خرج بكفالة أو تعهد.
في حالة الشهيد مجد، استمر الاستجواب حتى الموت، ربما لم يكن المطلوب تسليم أسلحة مزعومة، ربما كان عقابا للشيخ على موقفه وخطبه ضد حصار غزة، وقد عرف ذلك حين قال: المسألة ليست مسألة أسلحة، إنما هي بشأن ما أقوله ضد الحصار.
(3)
المستفيدون من كل ما جرى من انقسام بين السلطة والمقاومة هم "أولمرت وبوش وليفني ورايس"! إن الاتفاق على برنامج موحد لمقاومة الاحتلال هو ما يجب أن يجمع الواقعين تحت الاحتلال، فإذا اختلفنا على حقنا في المقاومة، وقد اختلفنا، فهذه هي النكبة الثانية، فلنتحد إذن من أجل الحق والحرية والعدالة، وهي قيمنا التي لا تتجزأ، ولا تموت، تماما مثل مجد. الشهيد.
(4)
كلنا ثقة في لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها للتوصل إلى استنتاجات قاطعة وموثقة، قد تؤدي إلى وقف الاعتقالات السياسية، وحماية حرية التعبير، وتحريم التعذيب، وتكشف ما لم يتم الكشف عنه حتى الآن بشان المعتقلين السابقين، وأن تتابع عملها بشأن المعتقلين اللاحقين، فالقادم أخطر، وكل مخفيِّ سيَظهر، وما من سرِّ إلا ويُنشر، إذا لم يكن اليوم، فبعد حين.
25/2/2008