الحرب "النبيلة" و.. الانتصارات البوشية..!!

محمد ح. الحاج - سورية

بعض الناس، يأسرونك بحديثهم على طوله، وبعضهم الآخر ينطق بكلمات قليلة تستفز المشاعر وتثير الحنق والغضب، ولقد يسمع المرء صفات لا يستغرب أياً منها مثل المعادن النبيلة و"العائلات النبيلة" والسلوك النبيل.. الخ، لكن أحداً لم تعتد أذناه على سماع وصف الحرب بأنها نبيلة! ليس في الحرب ما هو نبيل، حتى الحرب في حالة الدفاع لا تكتسب هذه الصفة مع أنها تأخذ وتستحق صفة الحرب العادلة بجدارة، ومنها حروب خاضها الجزائريون والفيتناميون، ويخوضها اليوم الفلسطينيون والعراقيون وحتى الأفغان، واستثناء فإن العاملين على مساعدة منكوبي الحروب من الجرحى وغيرهم يقومون بعمل نبيل أيضاً، واحدة من هذه الرموز هي:

قمة الاستفزاز، جاءت في كلمات لمدعي النبوة الكاذب، رئيس أمريكا الآفل نجمه، فقد نقل عنه – على ذمة المحطات الفضائية العديدة - أن الحرب التي يخوضها في منطقة "الشرق الأوسط هي حرب نبيلة وعادلة" وإذ يتأكد لكل ذي بصيرة ولب، أن الحرب لا تقبل صفة النبل، فمن أين لحرب عدوانية أن تكون عادلة! وهل من يهاجم الآخرين من شعوب الأرض في عقر دارهم تكون حربه عادله..؟

وأخيراً هل تنقلب المفاهيم فيصبح المدافع عن بيته وعائلته وحقه وبلده هو العدواني "الإرهابي" بالتعريف البوشي الدارج، ويصبح القاتل نبيلاً وصاحب قضية عادلة.!.

في حالة الهلوسة والطيران في الأحلام والتحدث إلى الرب، وتلقي الأوامر مباشرة منه، يجوز القول أن حرباً أمر بها الرب هي حرب "نبيلة" وفي هذه الحالة أيضاً تكون كل النتائج المترتبة عنها حاملة لهذا التوصيف، مع ذلك فنحن لا بد أن نستعرض نتائج الحرب "النبيلة" للنبي الكاذب الجديد ونخلص إلى أهمها على النحو التالي:

في التمهيد لها، كان الحصار، الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف، أغلبهم من الأطفال، وفرض على الغالبية العظمى من سكان العراق شبه مجاعة دون أن يتأثر أي من المقصودين بالحصار، الحصار أنعش فقط كارتل التهريب، والاحتكارات وأنعش شركات النفط بطريقة عجيبة غريبة وأفسح لها الباب لسرقة موصوفة لثروة العراق بشكل شرعي عنوانه (النفط مقابل الغذاء)، بعض هذه الشركات لآل بوش فيها حصة، أو لأصدقاء وأنداد لهم، وأما الحرب، وبعد سنوات خمس يقول أكثر من مسؤول أمريكي أنها كارثة بكل معنى الكلمة، وهنا هل تكون الكارثة بمعنى آخر نبيلة!..

أكثر من مليون قتيل عراقي، عودة بكل ما يمكن اعتباره بنية تحتية وخدمات لمواطني هذا البلد إلى ما قبل قرن من الزمن، والمياه أبسط مثال يمكن أن نسوقه، عشرات آلاف الأرامل والثكالى والأيتام، وخمسة ملايين مشرد، بتقدير آخر، ربع سكان العراق، أصبحوا خارجه، أو خارج ديارهم على الأقل، إنه فعلاً إنجاز يمكن أن يسجل لنبي أمريكا الكاذب في سجل غينس البريطاني الحليف، أرقام لم يحقق جزء من عشرة منها، من أطلقت عليه الإدارة الأمريكية في زمن تجاوز الربع قرن "ديكتاتور".. "يشكل خطراً على العالم، المتمدن"! وهل حقيقة يجوز القول أن عالماً يمارس هذا القتل والتدمير هو عالم متحضر أو متمدن، إلا إذا عرفنا أن القاعدة الإيمانية والثقافية لنبي أمريكا الكاذب هي ثقافة القتل التي مارسها أسلافه (الأنكلو - ساكسون) بحق سكان البلاد الأصليين واعتبروها في حينه مفخرة قطعان مستوطنيهم، وأنها كانت في حينه عملاً "نبيلاً" تماماً كحرب بوش "النبيلة"..!!

السلوك النبيل في عالم بوش اللاأخلاقي الحديث هو: السلب، والنهب، والسيطرة على شعوب العالم الآخر، سرقة ثروات هذه الشعوب بالسطو المسلح والقوة الغاشمة، وأقل وصف لها في العرف القانوني جرائم تعاقب عليها كل قوانين العالم وهي جنايات يعاقب عليها بالعقوبات القصوى لو أن هناك عدالة دولية حقيقية، بوش يمارس السرقة الموصوفة في العراق متوسلاً القتل تخطيطاً وتنفيذاً مع سبق الإصرار، نبي أمريكا الكاذب، مجرم حرب.

يقول الرئيس الأمريكي أنه لا يمكن إنكار الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها الحرب..! ولم يتطرق إلى شرح أي من هذه الإنجازات، وبدورنا سننقل عن المواقع الأمريكية الكثيرة التي تتابع منجزات حرب بوش الاستراتيجية، وما يقوله بعض الخبراء الدوليين المعروفين، الحرب على العراق كانت واحدة من أكبر خمس إحباطات واجهتها أمريكا على مستوى العالم، وهذا يعني خلال قـرن كامل أو أقل بقليل، وعلى صعيد التفاصيل، فقد أنتجت حرب بوش النبيلة آلاف العوائل الثكلى بأبنائها، ومثلهم من الأرامل، وضعف ذلك من الأيتام الذين يتساءلون عن مغزى موت آبائهم بعيداً عن أرض الوطن، في حرب لا تمت إلى الدفاع عنه بأي شكل، في العصر الحاضر ومع انفلاش الأسرار، يعلم الجميع أنها حرب الأطماع والهيمنة، والنهب، والإخضاع، العناوين المرفوضة على كل الأصعدة، أخلاقياً وإنسانياً، وتنحصر"عدالة" الحرب في عائداتها على الشركات الأمريكية، الصانعة للأسلحة، المتاجرة بها، وشركات النفط التي تقود السياسة العامة لإدارة النبي الكذاب ورسله من الصهاينة "التلموديين"، وأما الشعب الأمريكي فقد أورثته الحرب البوشية "النبيلة" كماً هائلاً من عشرات التريليونات، ومديونية، تكاد تعادل مديونية دول العالم مجتمعة، بهذا المعنى يمكن التأكيد أن بوش لم يجانب الصواب بقوله أنه لا يمكن إنكار ما حققته حربه "النبيلة"، بل، من يجرؤ على الإنكار، أو حتى نسيان كارثة بهذا الحجم يصفها خبير أمريكي بأنها، واحدة من أكبر خمس إحباطات في حياة أمريكا.!.

من يعتقد أن تركيزي على الرئيس بوش هو أمر شخصي، يخطئ تماماً، فهذا الرجل صاحب الهلوسة، مجرد أداة في يد نظام سري متشعب، وسيكون المرشح "الجمهوري السناتور ماكين" نسخة طبق الأصل عنه، ولن يتغير في سياسة أمريكا الخارجية - إن نجح - أي شيء، وفي حال نجاح مرشح "ديمقراطي" فإنه سيكون تحت تأثير ضغوط هائلة تمارسها حكومة الظل "الماسونية – التلمودية"، وإذا نجح في تغيير ما فإنه سيكون شكلاً لا يمس الجوهر الموضوع – المفروض على الولايات المتحدة وتوجهاتها العالمية، ويبقى أن الفعل الذي سيفرض التغيير على ساحة المنطقة، وكما قلت في مقال سابق، ويقول غيري الرأي نفسه - يرتكز تخطيطاً وإيماناً وفعلاً، وينبع من المنطقة، منطقتنا المشرقية، وليس غيرها، فقط على بعض القيادات، ربما أكثرها في المشرق، أن تؤمن أن بوش وأمثاله من قادة أمريكا في العصر الراهن هم مجرد أنبياء "تلموديون" كذبة، هل نؤمن بأنبياء من هذا الطراز..؟.