وثيقة الشرف الإعلامي!!!

محمد علي الحلبي - كاتب وباحث من سوريا

في قراءة هادئة لوثيقة الشرف الإعلامي التي أقرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم في القاهرة بتاريخ 12/2/2008 بما يشبه الإجماع، واعترض عليها مندوبا قطر ولبنان، توقفت كثيراً عندها، وعدت بذاكرتي إلى مؤسسات الجامعة العربية فوجدت أن بعضاً منها زالت من الوجود والبقية تجمدت عن العطاء ودخلت في ثلاجات الزمن.

لقد دفنت "اتفاقية كامب ديفيد" الموقعة بين مصر و"إسرائيل"، (اتفاقية الدفاع العربي المشترك) لأنها أعطت الأفضلية لبنودها على سابقاتها من الاتفاقيات والمعاهدات فلم يعد يتاح لمصر المشاركة في عمليات الدفاع عن أي قطر عربيي يتعرض للعدوان، كما حرمت مصر من المشاركة العربية في الدفاع عنها في حال الاعتداء عليها وبعد إبرام اتفاقية الشؤم تلك لم يعد من وجود لـ(مجلس الدفاع المشترك)، و(مجلس الوحدة الاقتصادية) في طريقه للحاق بمجلس الدفاع فاجتماعاته تبعد المسافات الزمنية بينها وتسجل على قراراته الجدية "إن وجدت" وعلى ندرتها العديد من التحفظات، وآماد تحقيقها طويلة، بعيدة كحلم بعيد المنال في ليلة صيف مقمرة.

كلنا نعرف أن عمر الحديث عن (التكامل الاقتصادي العربي والوحدة الاقتصادية والسوق الحرة والسوق العربية المشتركة) سبق عمر الاتحاد الأوروبي بعقود، إلا أن الأخير وصل إلى إقرار عملة موحدة وأنجز مراحل متقدمة من العمل التكاملي بينما الأول ما زال يعاني من شلل شبه دائم وشبهه "مجلس التعاون الخليجي" مازال يضع ويرسم الأطر للعملة الواحدة لبلدانه، والأوضاع تسير من سيء إلى أسوأ على مستوى دخول الأفراد بشكل عام في كل الوطن العربي رغم الارتفاع الكبير لأسعار النفط، الغلاء يزداد والمواطن يئن، وهات يا زمن، وحتى وزراء الثقافة والمشهود لهم إفرادياً بحسن الرؤية والفكرة والتعبير عنها بأفضل التعابير وأجمل الكلمات، هؤلاء كمّت أفواههم ولم تعد تنطق بحرف ضد الغزو الثقافي الإمبريالي للأمة العربية وللعالم الإسلامي، فلقد حذفت نصوص قرآنية من برامج التعليم، وألغيت أحاديث نبويّة عن الجهاد، بل وأكثر فبرامج الأزهر الشريف تعرضت للتغيير في غير ما خُطط ورُسم لها، والقصة والقصيدة والأغنية التي تمجد جميعها الوطن والكرامة والحرية والمقاومة حُرمنا منها في جميع منابت الثقافة والإعلام.

كل هذه الصور المأساوية تعيش منذ زمن في أذهاننا، أضيفت لها مؤخراً اجتماعات وزراء الداخلية والإعلام العرب لتزداد متاحف ومعارض الصور العربية البائسة، فاجتماعات الفريقين من أنجح الاجتماعات العربية فهي متواصلة ودورية، بل وحتى استثنائية أحياناً، قراراتها تؤخذ غالباً بالإجماع وتطبيقها أيضاً سريع حتى أنها تطبق قبل إقرارها، فوزراء الداخلية انصبّ اهتمامهم على قمع الفكر والاعتداء على حرية الرأي وأصحابها، وتجريب كل صنوف القهر والترهيب لهم حتى يمتنع الواحد منهم عن قول كلمة حق في زمن جائر.

هم مع زملائهم وزراء الإعلام في تحالف دائم وحرب شاملة ودائمة لكمّ الأفواه وكسر الأقلام مع اختلاف بسيط في الأسلوب فميدان عملهم الأرض العربية على سعتها فلا تخلو بقعة مهما صغرت من محاسيب لهم، لكن في هذه الأيام تفوّق الإعلاميون ولم تعد أجهزة الإعلام الأرضية ساحات نشاطاتهم في إغلاق الأبواب أمام الرأي الحرّ وقد نجحوا أيما نجاح في مهمتهم، بل تجاوزوا ذلك إلى الفضاء وتعرضوا للفضائيات العربية في ميثاق الشرف الإعلامي الأخير وكان هدفهم نقل تجاربهم الأرضية بصواريخ فضائية تدمر وتدفن حتى الإشعاعات التي راحت تتبدى أمام الإنسان العربي تخفف من آلامه وتتحدث كثيراً عن آماله وطموحاته، ففي الأرض تدفن الأماني لكن الفضاء رحب واسع.

إنه الواقع العربي بآلامه التي راحت تتعدد يوماً بعد يوم، فلا العراق بمهجريه، وشهدائه وجوع أبنائه، وتدمير بنيانه الاقتصادي وحتى الثقافي عاد ليحتل ولو مركزاً ضعيفاً من اهتمام "صنّاع القرار"، ولا الصومال واحتلاله أيضاً يطلب من قيادته الحالية وأوجاع وضياع شعبه جميعها صنّفها أرباب القرارات في زوايا النسيان، وخطورة الوضع اللبناني على لبنان والأمة العربية، ورحلات أمينها العام ووعوده العائمة الغائمة أيضاً يكاد أن تطويها الذاكرة في غياهب منسياتها وقد نعى مبادرتهم العربية مسؤول أمريكي، والحديث يطول عن السودان، وعن الصراع المغربي حول الصحراء وقد مضى عليه أكثر من ثلاثة عقود، والعرب وجامعتهم العتيدة لا تبحث في مصير هذا النزاع، بل إنها تلهث وراء زيادة عدد الأقطار العربية وخلق الجديد منها، وهنا وأمام هذا الضياع الكبير تخطر خواطر في مستوى هذا الضياع، فقد يقترح البعض ضمّ الصحراء إلى الأردن أو اليمن وإنهاء المشكلة، والشعب العربي الفلسطيني وتمزق سلطته والمفاوضات العبثية، وإرجاء الأزمنة المحددة للوصول إلى الحلول التي تُسمى بالعادلة وليس فيها من العدل شيء، وأبناء غزة وحصارهم، والمعبر العربي الوحيد المغلق في وجوه مرضاهم وحتى لقمة عيشهم جميعها تصمت عنها "الجامعة المانعة" تباعاً وتتركها لتحتل ذهن الإنسان العربي على مراحل ليعتاد عليها ويتعايش معها.

كثيرة هي الآلام حتى بات العربي يسير على دربها، درب الآلام يومياً تتوسع جنباتها وتطول مسافاتها وباتت النهايات غير محددة ومعروفة، فما سمي بـ"ميثاق الشرف الإعلامي" المُقرّ حوى العديد من البنود التي تتعلق بالقنوات الفضائية، ومعروف أن الفضائيات الرسمية خاضعة الخضوع كله لإملاءات وزارات الإعلام، لكن المقصود هنا تلك الأقنية الحديثة التي خرجت عن الطوق وأفسحت المجال لحريات الرأي وسماع للرأي الآخر، وتكاد تنحصر جميعها في أقنية "الجزيرة" - "المنار" - "القدس" - "الحوار" - "الرافدين العراقية"، لذلك تضمنت بنود الميثاق في بعض منها:

1 - تدعو الوثيقة إلى حرية التعبير الواجب ممارستها وفق الوعي والمسؤولية بما من شأنه حماية المصالح العليا للدول العربية.

2 - تطالب الوثيقة بضرورة احترام خصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة من الصور، والامتناع عن التحريض على الكراهية، أو التمييز القائم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين، والامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف أو الإرهاب والتفريق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال.

3 - تدعو الوثيقة إلى ضرورة الالتزام بالقيم الدينية الأخلاقية للمجتمع العربي، والامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية، والامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوي على مشاهد أو حوارات إباحية أو جنسية صريحة.

4 - تدعو الوثيقة الى احترام الدول وقادتها وذلك بالابتعاد عن تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح.

وفي مناقشة موضوعية لهذه البنود فلقد عودتنا الاجتماعات العربية في قراراتها أن تكون مقدماتها مليئة بالتعابير القيمية تتخللها تعابير عائمة وغير محددة أحياناً، ويتبادر إلى الذهن سؤال ما هي حدود الوعي والمسؤولية المتوجبة والملزمة للأفراد حين يعبّرون عن آرائهم؟!، وإن كانت هناك من حدود فمن يرسمها؟!. هل الأنظمة العربية المعروف عنها أنها أصبحت الحرية فيها ظلال وخيالات هناك إجماع لدى كل المفكرين في العالم قاطبة، على أن الوعي في حالة نماء دائم يستمد نسغ وجوده وحياته من نسائم الحرية وينمو معها وبها، بل ويزيدها إشراقات، ويوم تُحدّ الحريات يدخل الوعي في حالات ارتباك وخلل، بل ويوضع في أقسام العناية الفائقة، والوعي والمسؤولية مترافقان دوماً فكلما ازداد الوعي عظمت المسؤولية وتخلقت بضوابط أخلاقية تكسبها المعنى الوطني المقصود الذي يريده الجميع.

إن معايشة الحرية وممارستها في إطار الحوارات الفكرية والتجارب العملية هي الطريق الحتمية لمستقبل الشعوب قاطبة، وهذه الثوابت تقودنا إلى هالة القدسية التي أحيط بها القادة وعدم التعرض لهم،وهالات القدسية لا تصنعها القرارات لأنها ضياء وألق، بل هي صانعة نفسها بنفسها فعبر التاريخ وتنوعات أحداثه قدمت وتقدم الدروس للمتطلعين لها، كان وما يزال الطهر والعفة نقطة ارتكاز أولي لها تتممها آراء صائبة وأعمال صالحة، هذه القدسية لا يمكن لأحد انتزاعها فهي أقوى وفوق غوائل الزمن، إنها كلمات حق تقال بحق أصحابها حتى ولو رحلوا من الدنيا، والحق سرمدي أبدي.

إن خللاً بيّناً وواضحاً حين تترك حتمية القرار لفرد بذاته وعصر الأفراد العباقرة في كل شيء انتهى، ولنناقش بموضوعية نوعيات الرأي التي يعبر عنها، فالغالبية منها بنّاءة بنسب متفاوتة، وأخذ المسؤولين بها يكمل مسيرة أعمالهم لأنها بنّاءة، والأخذ بالأفكار الصائبة يزيد الوطن ثراء وغنى في كل المجالات ويربط بين الشعب وقادته برباط ودّ ومحبة ليصبح عصيّاً على من أراد النيل منهم، والآراء الخاطئة سهل الرد عليها وكشفها، وفي ذلك ردع للذين تبنوها وتبيان لأخطائهم.

أما الآراء التي تتجاوز الأخلاق والقيم والتي تنال من الكرامات فيجب تعزيز دور القضاء للحكم على أصحابها بما يليق، وخروجهم على الآداب العامة، وفي ذات المستوى - مستوى التعميم لا التحديد - يندرج تعبير المصالح العليا للوطن والحفاظ عليها، وهذه المصالح شمولية متدرجة تبدأ قي مستوياتها الدنيا بالحفاظ على أموال الشعب والحفاظ هنا معنيّ به الجميع ممارسة ونقداً، فالعيوب لا تستر ولا تخفى، والواجب فضحها، وتتصاعد علواً لتشمل كل المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية.

قد يُسرع البعض ويُسبغ صفة البحث النظري على هذه الكلمات، وفي جانب كبير ذلك حق، لكن العودة إلى شواهد الحياة في الماضي والحاضر تثبت هذه الرؤى على أرض الواقع سيما إن كانت مستمدة من الثقافة والإرث الثقافي للأمة رمز عزّتها ومنارتها المرشدة في خضم عصف الرياح وتلاطم الأمواج، والإرث العربي أروع من الرائع، وأجمل من كل الجمالات فالله جلت قدرته وفي قرآنه الكريم يحكي حكاية بدء الخلق فيقول جل جلاله في القرآن الكريم لملائكته: "إني جاعل في الأرض خليفة" والمستخلف لا بد وأن يحمل قدراً جيداً من عطاء الله مطلق الحق والخير يؤهله لنيل هذا الاسم، واستكمالاً لحكاية الخلق يقول تعالى: ((إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)) والحكمة الإلهية تتبدى بجلاء في حرية الاختيار التي تركها الله لعبده آدم عند خلقه، وفي تفسير القرطبي يروي رواية العرض فيقول: "لما عرضت على آدم قال: أي رب وما الأمانة؟! قال: إن أديتها جزيت وإن ضيعتها عوقبت، قال: أي ربي حملتها بما فيها، فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية فأخرج منها".

ويشرح الرسول صلى الله عليه وسلم المعنى بدقة أوضح: "إن الأمانة والوفاء نزلا على آدم مع الأنبياء فأرسلوا به، منهم رسول الله ومنهم نبي رسول".

إذاً حُمّل الإنسان وباختياره الحر منذ بدء الخلق الأمانة وضرورة الوفاء بها، والأمانة كبيرة كبر الكون فهي تحوي في جوانبها كل القيم، وعدم الوفاء يعرض مرتكبه للعقوبة.

والشاعر العربي الفند الزماّني ومنذ أكثر من ألفي عام، فقد توفي عام 95 قبل الهجرة يقول حكمة أبدية تلازم الحرية:

وفي الطاعة للجا هل عند الحرّ عصيان

وقدماء العرب قالوا في ما أثر عنهم:

جواهر الأحرار، لا جواهر الأحجار

والرسول العربي يرشدنا بتعاليمه في قوله عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه إنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته فيكم محرماً فلا تظالموا يا عبادي) وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (الظلم ظلمات يوم القيامة) وأتباع الرسول يجسدون تعاليم دينهم في سلوكهم فالخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمعروف عنه شدته في إحقاق الحق ومحاسبة المسيئين وفي خطاب له يقول: "من رأى منكم فيّ اعوجاجاً يعني عن الحق فليذكرني، فقام إليه بلال فقال له: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بالسيف، فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا رأى فيّ اعوجاجاً قومّني بسيفه".

إنها ذروة الجدلية الإنسانية بين الحاكم ورعيته، ويتابع مسيرة الصحابة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جهاده وطهارته، وابن عبد ربه الأندلسي وفي كتابه (العقد الفريد) كتب فيه:

قال الحسن بن علي صبيحة الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب: حدثني أبي البارحة في هذا المسجد فقال: أي بنيّ إني صليت البارحة ما رزق الله ثم نمت نومة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت له ما أنا فيه من مخالفة أصحابي وقلة رغبتهم في الجهاد، فقال: ادع ربك أن يريحك منهم، فدعوت الله، قال الحسن صبيحة تلك الليلة: أيها الناس إنه قتل فيكم الليلة رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيكم فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره حتى يفتح الله له، ما ترك إلا ثلاثمائة درهم".

ويتواصل مشوار الأصول والقيم تنبجس فيه ينابيع الخير والعطاء، ففي كتاب التذكرة الحمدونية لابن حمدون ذكر "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم" وعبادة الأحرار لربهم فيها من السمو الكثير لأنها حباً بذاته "إن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار، لا رغبة في الجنة ولا رهبة من النار لأنهم ذوو الهمم".

ويستمر التواصل العقائدي التحرري، ففي العصر الحديث يكمل مشوار العمر مفكرون قدسوا الحرية ووصموا نقيضها بأقذع الكلمات، ففي عام 1910 ألف عبد الرحمن الكواكبي كتاباً سماه (طلائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) والكتاب غني بالشواهد المؤيدة لنصرة الحرية، وإيضاح رواسب الاستبداد وقمع الحريات فيقول: "الاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان كل ساعة في شأن وهو مفسد للدين في أهم قسميه أي الأخلاق، أما القسم الآخر فهو العبادات" وفي وصف له وُفق فيه كل التوفيق يقول: "لو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن يحتسب وينسب لقال أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب".

هذه الأبديات تزيد قناعاتنا بالحرية، وأنها الأصل والجذر والركن في بناء الأوطان، ووطن أفراده يمتلكون حرياتهم المسؤولة غني بهاماتهم المنتصبة ورؤوسهم الشامخة، وهو عصيّ على الأعداء فالسمة المميزة للأحرار التضحية بكل شيء وحتى بأرواحهم من أجل حرياتهم.

وعودة إلى الهالات المعصومة عن النقد والقدسيات المفروضة، لقد بينّا أن قوامها عفة وطهارة تكملها آراء صائبة وأعمال صالحة، ولمزيد من إقرار لواقع وحفز للهمم، ففي التاريخ المعاصر أيضاً ورغم كل الظروف القاسية كان الرواد عشاق الحرية قدم بعضهم حياته فداء لها، كان الشهيد عمر المختار، والشهيد عزّ الدين القسّام العراقي الأصل السوري المنبت المجاهد ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا، وهو من باع بيته فيها ليحمل ثمنه معه إلى فلسطين لدعم المقاومين ضد الإنكليز والصهيونيين، ولينضم إلى قوافل الشهداء وقوافل المناضلين والشهداء غنية بأعدادها وثرية بحكاياتها المجيدة وبالهالات القدسية الدائمة التي تخيم عليها.

في خضم هذه الأيام يصاب الواحد بالحيرة عندما يرى ضياع الأصول وتيه الكلمات وتناقض التعابير، وحدود الممنوع والمسموح به، هل مسموح أم ممنوع؟!.

- نقد الغلاء وتدني مستويات المعيشة، وزيادة أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

- نقد الفساد الذي بات ينتشر كالوباء في أجهزة الدولة والحكومات.

- نقد الاعتقالات لأصحاب الرأي، وإغلاق الطرق المؤدية إلى مراكز الانتخابات حتى لايصل إليها بعض غير المرغوب بهم، وبالتالي اضطرتهم الظروف للقفز فوق البيوت والجدران للتعبير عن آرائهم - ذلك جرى في قطر عربي مؤخراً -.

- نقد الصمت العربي عن مآسي العراق وبقية الأقطار العربية التي تعاني من التآمر عليها.

- نقد الرموز "الوطنية" التي ملأت جيوباً لها من صفقات الأسلحة.

- نقد من زايدوا وزادوا آلام الشعب العربي الفلسطيني في حصارهم لهم، وقد وعدوا سكان غزة برفع الضيم والجوع والمرض عنهم لكن الوعد كان قصير العمر فلم يدم أكثر من أسبوع.

- نقد الموافقة والسماح بإقامة قواعد عسكرية لدول استعمارية باتت تنتشر كالجدري على الأرض العربية، وقد تربينا على الحفاظ على التراب الوطني من أن تطأه وتدنسه أرجل غريبة.

- نقد نزع أسلحة المقاومة والاستمرار في المفاوضات العبثية.

- نقد المؤتمرات التي تعقد للدول المانحة لتقدم الفئات المشروطة لأقطار عربية يتزايد عددها، والأمة العربية تُعد من أغنى الأمم بثرواتها لو أحسن استغلالها.

- نقد عرض الصور للأطفال المرضى الذين يموتون نتيجة عوامل الحرب والحصار والجوع والأمراض، وأمهاتهم يبكينهم ودموعهن تكاد تنفر من شاشات التلفاز.

- نقد منع بث أغنية الحلم العربي في بعض أجهزة الإعلام والإسراع في دفنها لأنها خطرة على أمن الدولة وهيبتها ومصالحها العليا.

- نقد إعلام عربي أوغل قياديوه في التطبيع والتكويز – نسبة لاتفاقية الكويز مع العدو الصهيوني - عن قطع أغنية لفيروز، وهي تغني للقدس مدينة السلام وتوقف الأغنية عندما تصل إلى مقطع "الغضب الساطع آتٍ".

- هل سيسمح لأجهزة الإعلام ولو مستقبلا بنقل استفتاءات الرأي العام ان أجريت حول شعبية المسؤولين القياديين لتقديم الدعم لتوجهاتهم وقراراتهم الصائبة أو تنبيههم لتلافي أخطاء جعلت نسبة التأييد لهم متدنية، كما يجري حاليا في دول العالم "الديموقراطية" وبعض إعلامنا العربي ينقل لنا ذلك شامتاً بمن يعادون هذه الأمة وتطلعاتها؟.

وأخيراً فكل عربي يعتز بعروبته وبأمته وتاريخها وحضارتها يأمل أن يعيد الوزراء العرب النظر في ميثاقهم، ويوجهوا اهتمامهم لإحياء الحريات ومنع الفضائيات التي تعهدت العهر والضعة من خلال برامجها، وهو مؤمن بربه ورسوله الذي صنف وجعل الجهاد الأسمى بقول كلمة حق عند سلطان جائر.