المقاومة طريق الوحدة
موفق محادين
يدخل العراق عامه الخامس تحت الاحتلال النازي الأمريكي، وشعبه ومقاومته أكثر إصرارا وأمضى عزيمة وأكثر تجربة في مواجهة هذا الاحتلال الذي خسر في سنوات قليلة أضعاف أضعاف ما خسره في حملاته العدوانية على الهند الصينية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وليس صحيحاً ولا دقيقاً أن انحسار عمليات القتل الجماعية القائمة على التكفير والتكفير المضاد التي جرت بتمويل ودعم عصابات (البلاك ووتر) والاحتلال وشبكاته العميلة، مؤشر على تراجع المقاومة العراقية، فالأدق أن يقال أن هذه المقاومة كانت بريئة منها، ناهيك عن الخلط المبرمج بين المقاومة والعمليات الإجرامية، وتسليط الضوء عليها من قبل الإعلام المشبوه، وبالمثل أيضاً فأن "مجالس الصحوة" العميلة ليست أكثر من عملية فرز واسعة تأخرت قليلاً.
فالذين يتذكرون مناخات المواجهة بين مقاتلي حركة التحرير الفيتنامية وبين قوات الاحتلال الأمريكية هناك، يتذكرون عمليات القتل الجماعية التي كانت تديرها المخابرات الأمريكية للإساءة إلى المقاومة، كما يتذكرون ما هو أخطر من "مجالس الصحوة" ودورها في خدمة الاحتلال، بل أن الرئيسين جونسون ثم نيكسون أعلنا أكثر من مرة أنهما في طريق الانتصار النهائي على "الشيوعيين الإرهابيين" وما على العالم سوى أن يدعمهما في ربع الساعة الأخير من تثبيت استقرار الحكم العميل في سايغون، تماما كما نسمع اليوم من بوش ومجرمي الحرب في البنتاغون.
هذا هو الدرس الأول الذي يمكن قراءته في العراق من الكتاب الفيتنامي، درس عدم الانزلاق إلى الأكاذيب الإعلامية حول تراجع المقاومة واقتراب الاستقرار على حراب الاحتلال، فالمقاومة العراقية، كما تذهب المؤشرات أمام موجة جديدة من التصعيد غير المسبوق، ناهيك عما تطلقه آفاق التوتر الإقليمي وتحويل عشرات الآلاف من قوات الاحتلال إلى أسرى تحت الطلب في أي صدام إقليمي تنخرط فيه القوى الدولية، الإقليمية المتطاحنة في العراق، مما يفسر اتساع الأصوات داخل الجيش والإدارة الأمريكية للتفاهم مع إيران وسورية.
أما الدرس الثاني، فنتذكره في معالجة المفكر القومي ياسين الحافظ للتجربة الفيتنامية من زاوية عربية وكأنه يعيش اليوم في مناخات المقاومة العربية في العراق ولبنان وفلسطين.
فأهم ما في درس هذه المقاومة، هو أنها أطلقت كرة الثلج التاريخية لاستنهاض الأمة كلها عبر خيار جديد لا يرهن نفسه ومصيره بانتظار انقلاب عسكري هنا أو هناك ولا بانتظار تجربة ليبرالية مشوهة ولا بانتظار بسمارك صغير أو كبير ولا بانتظار معجزة ما تسقط من السماء التي لا تمطر ذهبا ولا فضة، أو تأتي من خلف البحار.
وإذا كانت المقاومة اللبنانية والفلسطينية قد برهنت على قدرة البلدان الصغيرة العربية على إعاقة العدو بل ودحره حيث أخفقت الترسانات العسكرية الرسمية، فقد برهنت المقاومة العراقية أنها الرافعة التاريخية للنهوض القومي ناهيك عن استعادة الدور الإقليمي للعراق وعن مساهمتها في خلط الأوراق على المستوى العالمي.
فإذا نجح الأمريكيون في إسقاط الدولة العراقية ونهب ثرواتها فأن العراق اليوم يرد الصاع صاعين للأمريكيين الذين قد يخرجون من التاريخ الإمبراطوري من البوابة التي اعتقدوا أنها ستؤبد سطوتهم على العالم.
* عن العرب اليوم) الأردنية 20/3/2008