كبرنا ألف عام..

مريم الراوي

رأيت أحلامي تقف تباعاً عند حافة المقصلة..

"إنهم يحاولون قتلي لأني أحلم بسماء أشد زرقة وزهور أجمل"

هكذا صرخت روحي هناك بين الآلاف الجموع..

فتلقفت صرختها روح أخرى وقالت:

"إنهم لا يرغبون بقتلي فقط , بل ويريدون حرق بيارات أفكاري،

ويفكرون كثيراً بتمزيق أوراقي ودفاتري السرية"..

ألم يفهموا بعد؟ إني كبرت ألف عام

ألف عام.. "تمتم قديس الجرح بحزن"

وألف زورق يموج في خاطري

وغربة الروح، منها يا ويلتي

تنتزع بريق الحلم وتذبحني

فقد.. كبرت ألف عام

هاهي باقات يقيني،

تدوسها المسافات الطويلة

تقتلعها الكائنات الكسيحة

تعلقها المشانق في قسوة غريبة

فما عاد كل شيء كما ألفته..

فقد.. كبرت ألف عام

لوح الختيار الأعمى بعصاه الخشبية بوجه الريح قائلاً:

رؤياي الآن أشد خطورة عليهم من قطار هائج،

بسرعة حمقاء وسائق مخمور..

فبصيرة العقل لا تخطئ أبداً..

أيخطئ نور الله دربه، المدفون فينا؟!

نعم.. يقيني الآن أشرس من أن يروض،

ويربت على أفكاره، بجمل مزركشة،

ليهدأ الوجدان الثائر وجعا..

فقد.. كبرت ألف عام

تنحت الصبية عن ظلها المرسوم،

على حافة الجدار الحجري وصاحت بألم:

الشباك الحزين يلتقط دموعي ويهديها للطيور

وما أن تنام حتى يغافلها ويرميها للمطر

وأنا لا أزال أنتظر

أن تعود لي دموعي ويتركني المطر

لا الدموع عادت ولا توقف المطر!

فقد.. كبرت ألف عام

ذاكرتي تتشظى أمام أبواب المحطات

"جاء صوتها من بين النخيل الراقد على جدائل الشمس":

وما أن أرى باباً حتى تستصرخ الروح العيون أن تغلق نوافذ البصر

لكن لا جدوى، فالجراح عيون، والألم درب لا يغلق ولا يختصر..

إذاً، لا فرار أيتها الأحزان..

فقد.. كبرت ألف عام..

جميعنا كبرنا ألف عام..

جميع من فكر بالغد،

طريقاً للياسمين المعلق على أبواب النجوم..

كبر ألف عام..

جميع من غدا صرخة في فم الموانئ،

وهي تنتظر البحر أن يلقي بين أذرعها خبر العودة..

كبر ألف عام...

جميعنا حزانى، أيها الليل..

والألف عام غداً عند بواكير الذكريات ستلد ألف عام أُخر..

لنكبر ونكبر ونكبر ونضحي تواريخ مصلوبة برسم الاحتضار..

وكأننا لا نفارق أجسادنا إلا حين نموت،

وكأننا أحياء مادمنا نسعى وقوفاً في ميادين الانتظار..

22/2/2008