فزورة لا خفية ولا مستورة

مريم الراوي

أنا وجلجامش رفاق

فنحن الاثنان حزانى، يأكلنا الوجع اليومي،

على مأدبة الصمت القاتل..

أنا وجلجامش خطفنا الليل يوماً/

ولم يعيد لنا أنفسنا،

فتنحى النهار بعيداً عنا وظل الألم يدركنا..

أنا وجلجامش أضعنا بوصلة الروح،

بل هي تركتنا وأشارت للأرض، وغابت..

أنا وجلجامش واحد،

فكلانا فقد ظله ساعة المغيب..

لكنه أكثر حظاً مني،،

فأنا تركت ظلي..

ولنكن صريحين أكثر،

أنا خنت ظلي،

أنا وعدته أن أعود له يوماً،

لكني ما رجعت..

أخبرته أني سأحارب لأجله،

لكني كذبت..

جعلته ينتظرني في نيسان، وفي تموز، حتى أيلول،

لكني كنت قد نسيت..

أنا وجلجامش بؤساء

لكني أشد بؤس،

فأنا أمتلك زهرة الخلود،

لكني مقيدة الأفكار..

وجلجامش حر طليق،

نعم، هو حزين، لكنه طليق..

أنا وجلجامش رأينا كل شيء،

لكني فقأت عيني عمداً،

لأنكر أني شاهدة وهناك كنت..

لأني لست بجلجامش القوي..

فيا جلجامش يا رفيقي وصاحبي،

تعال خذ، زهرتي،

والقني بين النار والثعبان غريبة..

تعال خذ ذكرياتي وأمنيتي

فلا حاجة لي بها،

فحتى هي ضجرت صحبتي..

جلجامش يا صديقي

لا تفكر،

أودعتك عيوني وحزني،

وهمومي سأعطيها لأوتنابشتم

فهو يعلم كيف يفسرها، ولن يتلعثم

سيلقيها من على منصة الغرباء،

ولن يكذب..

وسترون يا جلجامش أي ظلم ظلمت ولم أتكلم..

ستعلم يا جلجامش أني مثلك،

لم أخن يوماً أنكيدو، ولم أقتل

سيحدثك حزني يوماً، كيف أنهم باعوني

وأخبروني بأني قاتلة ومجرمة وخائنة

لكني لم أخن..

يا جلجامش، إنهم يحاكموني على غبائهم،

يا جلجامش، إنهم يطاردوني بزيف كلامهم،

يا جلجامش ما ذنبي إن لم أكن أنت؟!

يا رفيقي..

هذا آخر الكلام، وآخر اللقاءات بيننا..

أنا آمنت بالأرض والإنسان، فهبوا لقتلي،

وجميع اعترافاتي السابقة ليست لي،

بل من دفاترهم المكتوبة مسبقاً بحبر أجنبي!!

وجل مأساتهم أن زهرة الخلود لدّي..

يا جلجامش،

ألم ترني أزور المقابر ليلاً وأنا أتعثر بشواهدي؟؟

لا تستغرب، كل الشواهد تشير إليّ،

حتى أن اسمي منقوش عليها..

لكني حية يا جلجامش لم أمت..

لا زلت أواجه سجانيهم بابتسامة النصر،

وأتلقى الضربات تباعاً،

وأقف وحيدة إلا من يقيني بالغد..

يا جلجامش،

والغصة تبتلعني حين أشاهد بصمات دمي ترقد على أكتاف المساند،

هل يمكن للسجان أن يدخل بيتي؟؟ هل يعقل أن البيت يحتله الأجانب؟!

هي صرخة واحدة يا جلجامش، أطلقها كل يوم وكل لحظة، منذ أن اقتيد من السجن حتى المنزل فجميع الملامح واحدة يا صاحبي، وما كان سجني سوى بيتي،وما سجانيّ سوى إخواني.!!

اضحك يا عزيزي فالبيت واحد، والسجن واحد والسجان واحد، لكن ربهم لم يكن واحد، فمرة سمعتهم يتكلمون وهو يدورون حول الموائد، إن ربهم أبلغهم أن عليهم أن يقتلوا كل مارق، وأنه سوف يقوم باختيار البيادق، ليحموا بيت جارنا من انتشار البنادق..

فيا رفيقي الباسل، هل تراك تفهمت من الرب من هو المقاتل؟؟