مصير المبادرة اليمنية كسابقاتها

بقلم نقولا ناصر - كاتب عربي من فلسطين المحتلة

ما زالت العوامل التي أجهضت كل المبادرات الفلسطينية وغير الفلسطينية لحل الأزمة الوطنية المستحكمة على حالها دون أي تغيير يمنح تفاؤلا بنجاح المبادرة اليمنية حيث فشلت سابقاتها ، وسواء وقع أم لم يوقع ضيوف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الفلسطينيون على أي اتفاق بعد كتابة هذا المقال فإن مصير الاتفاق أو عدمه لن يكون على الأرجح أفضل من مصير "اتفاق مكة" لأن العوامل نفسها لم يطرأ عليها أي جديد لكي تمنح للمسعى اليمني فرصة للنجاح أنكرتها على المساعي القطرية والسعودية والإماراتية والسورية والمصرية وغيرها من الجهود العربية الحثيثة لراب الصدع الأميركي – "الاسرائيلي" في الصف الوطني الفلسطيني قبل أن تتجمع هذه الجهود في موقف موحد لجامعة الدول العربية عجز الأمين العام عمرو موسى حتى الآن عن الوصول به إلى أية نتائج تحدث ولو "حلحلة" يمكنها أن تسوغ أي تفاؤل.

وفي مقدمة هذه العوامل "قرار" يبدو واضحا أن الرئاسة الفلسطينية قد اتخذته ولم يصدر عنها حتى الآن ما يشير حتى إلى أنها تفكر بالتراجع عنه بعدم الحوار مع (حماس) قبل أن تذعن الحركة للاملاءات التي تمنحها الرئاسة عنوانا "فلسطينيا" بينما يدرك أي مراقب محايد أنها شروط أميركية – "اسرائيلية" مسبقة معلنة وليست سرية.

وملخص تعامل الرئاسة مع المبادرة اليمنية يؤكد استمرار تمسكها بقرارها ولا يشير إلى أي تغيير فيه، أما إعلانها القبول بهذه المبادرة دون شروط  فأنه لا يزيد على كونه تساوقا مع ضغوط وطنية وعربية وإسلامية ودولية لإنهاء الانقسام الفلسطيني لكنه لم يعكس أي نية صادقة في الحوار والمصالحة على أساس الشراكة التي بنت عليها كل المبادرات السابقة وقد اتضح ذلك في صنعاء.

فالمبادرة اليمنية المعنونة "تصور" للاتفاق بين حركتي (حماس) و(فتح) كانت مدخلا للحوار على تفاصيل بنودها السبعة التي وافق الطرفان عليها، لكن الرئاسة أصرت على التعامل معها باعتبارها نص اتفاق مطلوب توقيعه فورا، وهو أمر لم يقله أصحاب المبادرة أنفسهم ، ثم حمله بعد توقيعه إلى قمة دمشق العربية أواخر الشهر الجاري لمنحه "شرعية" عربية تسعى الرئاسة الفلسطينية بكل الوسائل إلى منحها لنهجها التفاوضي مع دولة الاحتلال "الاسرائيلي" وهو النهج الذي يوجد شبه إجماع فلسطيني على رفضه ، وفي السياق ذاته يندرج ما نسب إلى عزام الأحمد بأن الرئاسة سوف تطلب من القمة العربية إعادة تأكيدها على كون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

ومما كشف هذا التوجه للرئاسة إرسالها وفدا إلى صنعاء يمثل منظمة تحرير كان وضعها هو أحد البنود السبعة للمبادرة اليمنية وما زال الجدل الوطني على أشده حول وضعها الراهن وإعادة تفعيلها وبينما لم تكن المنظمة بالفصائل المنضوية في إطارها في أي وقت طرفا في الصراع مع (حماس) ولم تكن طرفا في الحسم العسكري معها في حزيران / يونيو الماضي وقبله وبعده (كما لاحظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان لها الأسبوع الماضي) كان واضحا منذ بداية الانقسام الوطني أن الرئاسة سعت جاهدة لزجها كطرف في الاصطراع الذي لا يمكن أيضا لأي مراقب مدقق أن يستنتج بأنه بين (حماس) وبين "كل" (فتح) في ضوء وجود تيار قوي معلن معارض لنهج الرئاسة التفاوضي في صفوف الحركة التي قادت النضال الوطني طيلة أربعة عقود على أساس التمسك الصارم بالوحدة الوطنية لكل الأطياف السياسية.

أما مسارعة الرئاسة بدءا من الرئيس محمود عباس نفسه وانتهاء بمعظم أركان فريقه القيادي تقريبا إلى الإعلان ، من رام الله ومن صنعاء معا ، عن "فشل" الاتفاق على المبادرة اليمنية وعن "عودة" وفدها من العاصمة اليمنية ، بينما تصريحات حماس والمضيف اليمني كانت تخلق أجواء ايجابية تدعو للتفاؤل بإمكانية التوصل لاتفاق ، فإنها كانت مسارعة مريبة أثارت أسئلة حول غياب مثل هذا "الحزم" التفاوضي في مواجهة المفاوض "الاسرائيلي" وحول صدق النية في الحوار وفي التوصل حقا إلى اتفاق.

وهنا يأتي دور العامل الثاني الأهم في توقع إلحاق المبادرة اليمنية بسابقاتها سواء وقعت أم لم توقع ، فقد كان "صمت" دولة الاحتلال عن أي تعليق على محادثات صنعاء أعلى صوتا من أصوات المشاركين في المحادثات وكان هذا الصمت مريبا بدوره ولا يمكن تفسيره إلا بأن قادة الاحتلال لديهم من الأسباب ما يجعلهم واثقين من فشل المبادرة وبالتالي اختاروا عدم الزج بأنفسهم في جدل حول أمر طالما حذروا الرئاسة الفلسطينية منه بل هددوها علنا وصراحة بإعادة فرض الحصار المالي والاقتصادي والدبلوماسي عليها أن هي حاورت أو صالحت أو توصلت إلى أي اتفاق مع ما تسميه "الإرهاب" الفلسطيني.

فعلى سبيل المثال عندما طالب تقرير للجنة برلمانية بريطانية مشتركة بين كل الأحزاب في آب / أغسطس الماضي بإنهاء مقاطعة (حماس) لأنها سياسة أثبتت فشلها لم "يصمت" قادة الاحتلال بل سارعت وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" إلى التهديد بان "أي تسوية" مع (حماس) يمكنها أن تسقط "حكومة الطوارئ الجديدة التي أقامها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية" وهذا التهديد الذي سبق أن قرنته دولة الاحتلال بالفعل عندما أجهضت "اتفاق مكة" بتصعيد عدوانها وحصارها على الشعب الفلسطيني برئاسته و(فتحه) و(حماسه) وكانت هذه هي سياسة الاحتلال للإيقاع بين القوى الوطنية الفلسطينية منذ اغتالت الشهيد صلاح شحادة ليلة 22 تموز/يوليو 2002 لإجهاض اتفاق بين (حماس) و(فتح) كاد أن يبرمه الأسير مروان البرغوثي آنذاك، ولو أدرك الاحتلال حاليا أن هناك بصيص أمل في نجاح المبادرة اليمنية فأنه لن يتردد في ارتكاب جريمة مماثلة لإجهاضها.

وما زال هذا السيف المسلط للاحتلال يكبح الرئاسة الفلسطينية عن أي توجه جاد وصادق للحوار الوطني لأن أي اتفاق يمكن أن يتمخض عنه سوف يقود بالتأكيد إلى مراجعة شاملة لمسيرة النضال الوطني ستكون ضحيتها الأولى النهج التفاوضي الراهن القائم على أساس التقاطع مع املاءات الاحتلال لا على أساس الشراكة الوطنية ، مما يقود إلى العامل الثالث الذي أجهض وسوف يجهض كل المبادرات للمصالحة الوطنية وهو الأساس السياسي للحوار وللمصالحة.

إن محادثات صنعاء التي ركزت على "آليات التنفيذ" لم توفر أي أساس سياسي للاتفاق سوى المبادرة العربية للسلام التي أوصلها الرفض ثم الشروط المسبقة لقبول دولة الاحتلال بها الى الطريق المسدود الذي وصلت إليه أيضا "عملية أنابوليس" الفلسطينية – "الاسرائيلية"، لذلك فأن توقع أن تقود أي مبادرة إلى الاتفاق بمعزل عن الاتفاق على برنامج سياسي وطني ينهي التناقض بين برنامجي (حماس) و(فتح) هو توقع يتجاهل العقدة الأساس في الانقسام الفلسطيني ويحكم بالفشل على أي مبادرة لا تعالج هذه العقدة.

وفي وقت توالت تصريحات الفريق التفاوضي للرئاسة الفلسطينية عن وصول "عملية أنابوليس" إلى طريق مسدود ولهذا السبب بدا أيضا "آباء مبادرة السلام العربية" يتحدثون عن احتمالات سحبها أو تعليقها فأن توقع أن تتمخض قمة دمشق العربية ، التي تضع هذه المبادرة في رأس جدول أعمالها ، عن أي انفراج على المسارين يسوغ للرئاسة الفلسطينية نهجها العقيم في تناول المصالحة الوطنية هو توقع في غير محله ويتعارض مع المعطيات الأميركية و"الاسرائيلية" التي بنوا نهجهم على أساسها ، تعارضا بدا يسمى بـ"اللاواقعية" رئاسة طالما دافعت عن نهجها باسم "الواقعية" وطالما انتقدت معارضيها باسم "اللاواقعية".

فالحد الأدنى لإثبات واقعية الرئاسة يقتضي تقديمها ضمانتين لإنجاح المبادرة اليمنية الاولى ضمانة عجزت الرئاسة عن تقديمها حتى الآن بصدق نية الإدارة الأميركية في الوفاء بوعودها للرئيس عباس والثانية ضمانة يستحيل على الرئاسة تقديمها بأن "دولة" الاحتلال "الاسرائيلي" سوف تحترم أي اتفاق يتمخض عن المبادرة اليمنية ، إذ لا يوجد حتى الآن ما يثبت أن الاحتلال وراعيه الأميركي قد وجدا في صنعاء أمرا لم يجداه في مكة المكرمة يمكن ان  يلزمهما باحترام الإرادة الفلسطينية والعربية.

ومثل هذه الضمانات لها علاقة وثيقة بالبند الخاص باتفاق على اجراء انتخابات مبكرة في المبادرة اليمنية ، ويكفي هنا الاقتباس من "جيروم م. سيغال"، مدير "برنامج القدس في مركز الدراسات الدولية والأمنية" بجامعة مريلاند الأميركية في مقال له في 17 الجاري قال فيه إن: "المفتاح لذلك، على كل حال، يكمن في حصول (حماس) على فرصة صادقة للتنافس على السلطة ضمن دولة فلسطينية ديمقراطية، لكن هنا تكمن مشكلة، إذ أن جهود الولايات المتحدة و"اسرائيل" و(فتح) لحرمان (حماس) من ثمار انتصارها" عام 2006 "قد خلق مشكلة مصداقية، فلماذا ينبغي على (حماس) أن تصدق بأنه سوف يسمح لها بأن تحكم إذا فازت في أي انتخابات في المستقبل؟.. بإيجاز (حماس) بحاجة للاقتناع بأن المرة المقبلة سوف تكون مختلفة عن المرة السابقة".

وللأسف أن كل الدلائل والقرائن تثبت أن الرئاسة الفلسطينية تبدو حريصة على إقناع (حماس) بعكس ذلك أكثر من حرصها على الشراكة معها في صنع القرار الوطني سواء في إطار المنظمة أو السلطة بينما يبدو شركاؤها في "عملية أنابوليس" أكثر حرصا أيضا على لفظها خارج أي ترتيبات لمستقبل الوطن الفلسطيني باستثناء حرصهم جميعا على انتزاع موافقتها على تعليق المقاومة للحصول على "تهدئة" تتيح لهم الهدوء الذي يحتاجونه لتقرير مصير الشعب الفلسطيني في معزل عن قوى حية فاعلة فيه يعدونها بـ"استفتائها" لاحقا على ترتيبات حالوا بينها وبين أن يكون لها رأي فيها.

[email protected]