يحاكمون محمد بكري وفيلمه جنين جنين
نضال حمد - كاتب وصحافي من فلسطين المحتلة يقيم في أوسلو *
بعد مرور أكثر من ست سنوات على مجزرة السور الواقي في مخيم جنين حيث قامت وحدات جيش الاحتلال الصهيوني بتدمير إحياء كاملة من المخيم، وقتل كل كائن حي فيها. لا تزال قضية جنين حية ومتفاعلة ولكن من خلال الحملة العنصرية، الانتقامية على المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري، ابن البعنة والجليل، إذ بدلاً من محاسبة الاحتلال وقياداته العسكرية والسياسية وجنوده وضباطه الذين ارتكبوا الجرائم ضد الإنسانية في جنين وبقية مدن وقرى ومخيمات وبلدات الضفة الغربية، يحاكم صاحب فيلم (جنين جنين)، لتتضح العقلية العنصرية التي تقف لنا بالمرصاد حتى في السينما والمسرح والتلفزيون.
إن القاتل الذي لبس لباس الضحية يريد الانتقام من الضحية التي حاولت بإمكانات متواضعة الدفاع عن نفسها وفضح تلك الجرائم، فيلم (جنين جنين) لمحمد بكري تمكن من نقل صورة حقيقة وحية عما دار في المخيم الأسطورة، وكان الفيلم الوثائقي تعرض لحملة مسعورة من قبل الرقابة الصهيونية التي رفضت السماح بعرضه لأنه يمثل تعرية فاضحة وواضحة لإرهاب الاحتلال، لم تقف الأمور عند الرقابة بل رافقها وتبعها تحريض سياسي وإعلامي ضد محمد بكري وفيلمه الجريء، بعد ذلك تقدم خمسة من الجنود الصهاينة بدعوى مدنية ضد محمد بكري وسينماتك تل أبيب وسينماتك القدس، طالبوا بدعوتهم الحصول على تعويضات تقدر 2,5 مليون "شيكل" بسبب ما سموه ضرر لحق بهم من خلال تشويه سمعتهم وسمعة جنود جيشهم بشكل عام، (جيش مذابح دير ياسين، بحر البقر، صبرا وشاتيلا، كفر قاسم، الطنطورة، الصفصاف، قانا، مروحين، الغازية، رفح، خان يونس، جباليا القرارة.. الخ
هنا تبرز القضية الأهم وهي تبديل دور الجلاد والمجرم ليصبح ضحية، وبدلاً من محاسبة هؤلاء في محاكم مجرمي الحرب الدوليين، يقف هؤلاء ويقدمون دعوى ضد الضحية. ضد الفن والحريات والتعبير والسينما، ويقف العالم العربي كما الغربي متفرجاً على الذبح الجديد، ذبح حرية التعبير، فالحديث عن جرائم الصهيونية ممنوع والحديث عن حرية التعبير التي أهانت مئات ملايين المسلمين في العالم ايضاً ممنوع، أما محاكمة محمد بكري على فيلمه الذي يأتي ضمن تلك الحريات مسموحة وحتى يمكن مرحب بها.
محمد بكري الذي ترك وحيداً في المعركة القانونية، يواجه وحش العنصرية والعداء الصهيوني، إذ أن جماعة "سينمتاك" تل أبيب والقدس توصلوا لاتفاقية مع الجنود ودفعوا لهم تعويضاً قدر بأربعين ألف "شيكل" مقابل أن تسقط الدعوى المرفوعة ضدهم، ليصبح محمد بكري وحيداً في المعركة إلا من رصيده الشعبي والوطني، لكن الحملة ليست فقط ضد محمد بكري بل هي ضد كل من يرفع رأسه ويقول لا للجرائم والمذابح والمجازر التي ترتكبها الصهيونية في فلسطين وجوارها، إن المستهدف ليس فقط محمد بكري بل كل إنسان سوي وعاقل مازال ضميره حيّ، وقلبه خافق، ومشاعره إنسانية.
إنها الحرب على فلسطينيي فلسطين الذين لازالوا صابرين صامدين على أرضهم وفي حقولهم ومزارعهم وبياراتهم في الجليل والمثلث والنقب، في كروم زيتونهم التي قام مؤخراً واحداً من سارقيها وسالبيها بتقديم واحداً منها هدية لرئيس دولة فرنسا الحرّة، لص يقدم مسروقاته، ممتلكات الضحايا هدية لشخص آخر يقبل الهدية المسروقة، التي تعود ملكيتها لشعب (جنين جنين)، لآباء وأجداد محمد بكري وعزمي بشارة وجورج حبش وملايين الفلسطينيين اللاجئين في مخيمات الضفة والقطاع والخارج وفي قرى وبلدات وتجمعات الفلسطينيين في أراضي فلسطين ال48.
في الختام أقول لأخي وصديقي محمد بكري أن سبب خراب بيوتنا وعدم حل قضيتنا لغاية اليوم وبعد نحو ستين سنة من النكبة هو الاحتلال فقط لا غير، السبب في خراب بيوتنا هو بالمقاوم الأول قيام مجموعة من اللصوص بسرقة ونهب وسلب وطننا بما فيه بيوتنا وبساتيننا التي يقدمونها هذه الأيام هدايا لأمثالهم، ومنعنا من العودة لديارنا وتعويضنا ودفن أمواتنا في مقابرنا ولا حتى الاعتذار عن الجريمة الكبرى التي ارتكبوها بحقنا، السبب أيضاً هم الذين يرفعون الدعوى ضده وضد شعبه المظلوم الموضوع على مذبح العنصرية والهمجية الصهيونية.
يا صاحبي إن كل ما سرق وسلب بالإرهاب لا يسترد بالقبل والكلام العسل، بل بالنضال الوطني السليم وبالكفاح المشروع، وكفاح الانتفاضة مشروع وسليم، مثل كفاحك لأجل فيلمك (جنين جنين).
* رئيس تحرير موقع (الصفصاف)
13/3/2008