خمس سنوات على الاحتلال والمقاومة في العراق
نضال حمد *
في خطاب له يوم الأربعاء وبمناسبة الذكرى الخامسة لاحتلال العراق قال الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه لا يشعر بأي ندم بشأن الحرب في العراق، شخص مثل بوش من الطبيعي أن لا يشعر بالندم لأنه في المقام الأول عديم المشاعر والأحاسيس، وفي الثاني رئيس "حربجي" من الطراز الجاهل والغبي والمتزمت، وقد استغل الشعبية الكبيرة التي تمتع بها بعد هجمات 11 أيلول ليقوم بترجمة معتقداته المستمدة من أفكار المنظرين اليمينيين العنصريين الدينيين المتزمتين في الولايات المتحدة الأمريكية.
في مرحلة بداية ما بعد هجمات نيويورك وواشنطن لـ"تنظيم القاعدة" -كما يقال- اعتبر بوش نفسه يداً إلهية على الأرض مهمتها الاقتصاص ممن سماهم أعداء الله والبشرية المتحضرة (أي أوروبا، أمريكا و"إسرائيل")، وقد اختزل بوش قائمة الأعداء في الإسلام والمسلمين، وبدأ حربه الكونية بالذات ضد العراق وشخص الرئيس الراحل صدام حسين وكذلك في أفغانستان و"تنظيم القاعدة" وزعيمه أسامة بن لادن، ثم تطور الأمر عنده ليشمل فصائل المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية بقيادة "حزب الله" في لبنان، وكذلك وضع سوريا وإيران في نفس القائمة، لكنه تعامل مع الملف الإيراني بحذر أكبر في حين تشدد في لهجته اتجاه سوريا.
رغم وعود بوش بإقامة المجتمع الديمقراطي المثالي في العراق على أنقاض حزب البعث وحكم الرئيس الراحل صدام حسين، وبالرغم أيضاً من التكلفة المالية الضخمة التي دفعتها الولايات المتحدة وحلفائها وجيران العراق من العرب وكذلك الشعب العراقي، الذي نهبت ثرواته وسرق نفطه لحساب الاحتلال والزمرة الحاكمة، وعصابات الطوائف الموالية للاحتلال سواء كانت شيعية أم سنية، بالرغم من التكلفة المرتفعة في المال والأرواح إلا أن بوش الذي خسر الحرب منذ بدايتها يصر على أن بلاده على طريق تحقيق النصر.
وفي خطابه مؤخراً تحدث وكأنه من عالم آخر، حين قال في كلمة له في البنتاغون "النجاحات التي نراها في العراق لا يمكن إنكارها"!! والغريب أن أحداً لم يسأل بوش عن ماهية تلك النجاحات وشكلها وأماكن وأزمنة حدوثها، ويبدو أنه لم يلتفت فعلاً لشعبيته في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أنها وصلت إلى الحضيض، وحطمت أرقاما قياسية في نسبة تراجعها، وذلك بسبب العراق والخسائر الفادحة التي تلحق بالأمريكيين في المال والأرواح والسمعة.
أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية أن ثلثي الأمريكيين تقريباً يعتقدون أن الحرب لم تكن تستحق شنها، هذا المزاج الشعبي الأمريكي يبدو أنه لن يتمكن قريباً من أجبار بوش وإدارته على سحب القوات من العراق، لكن لا بد أن يظهر تأثيره القوي في نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولا بد لتكلفة الحرب على العراق التي فاقت ال(500) مليار دولار، والتي كلفت حياة (4) آلاف جندي أمريكي و33 ألفاً من الجنود الجرحى – حسب إحصاءاتهم-، وتسببت في قتل وتشريد وجرح وتهجير ملايين العراقيين وتدمير العراق وإعدام رئيسه ونهب ثرواته وسرقة نفطه وتدمير اقتصاده وبنيته التحتية، وقتل واغتيال خيرة علماءه ومثقفيه، ووضعه على شفير الحرب الأهلية والطائفية ومحاولة تقسيمه بين العرب الأكراد وبين السنة والشيعة، لا بد لهذه العوامل أن تلحق هزيمة مرة وكبيرة بالجمهوريين أي حزب حرب بوش.
بعد خمس سنوات على احتلال العراق وتدميره ونهبه وتقسيمه وقتل خيرة أبناءه وإشعال فتيل الحرب الطائفية، وبعد فشل واضح للغزاة في تثبيت أنفسهم وعملاءهم في العراق، لا بد أن نستحضر التاريخ العربي والإسلامي ونؤسس عليه، فاحتلال العراق جاء بحملة استعمارية استعلائية، صليبية -بمعناها الاستعماري السياسي-، وجاء خدمة وتكملة للمشروع الصهيوني الذي يهدف إلى السيطرة على الأمة العربية وإضعافها ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها، كما أنه يهدف للقضاء على الثقافة الإسلامية والتربية لدى المسلمين وخاصة ثقافة الجهاد و المقاومة، فأمثال بوش وأركان إدارته يفكرون بطريقة صهيونية أمريكو- صليبية، ويعتبرون أن حربهم على العرب والمسلمين "خدمة للرب"، من أجل هذا نجدهم مع الكيان الصهيوني ظالماً أو مظلوما، ويقفون حجر عثرة في طريق حل القضية الفلسطينية وتحقيق الحقوق الوطنية المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني.
بعد خمس سنوات من احتلال العراق أثبتت المقاومة العراقية أنها الأقوى وأنها تسير بثبات نحو دحر الاحتلال واستعادة أمجاد العراق وحريته واستقلاله، ولم يعد هناك أمام الأمريكان سوى الاندحار وجر أثقال الهزيمة ليس على غرار ما حدث في سايغون بفيتنام بل بمشهد أبشع من ذلك، وهذا المشهد أصبح قريباً ولا بد لنا إن عشنا أن نراه.
21/3/2008
* كاتب وصحفي من فلسطين المحتلة يقيم في أوسلو