حماس صبيحة ذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين

نضال حمد - كاتب وصحافي من فلسطين المحتلة يقيم في أوسلو *

فجر مثل هذا اليوم 22 مارس 2004 وعند خروجه بعد أداء صلاة الفجر في مسجد المجمع الإسلامي في حي الصبرة بقطاع غزة، قامت المروحيات الصهيونية باغتياله، لم يكن الشيخ أحمد ياسين المقعد، الذي يتجول على عربة متحركة يخفي وجوده أو يحتمي بشيء سوى رحمة الله، خرج من منزله مرفوع الرأس كعادته، من حوله تجمع عددا من أبنائه وأحفاده ومرافقيه، كان الشيخ يومها يعاني من نوبة رئوية وضيق تنفس، لذا قرر وبالرغم من رفض مرافقيه قضاء الليل في المسجد معتكفاً هناك، بعد أن صلى الفجر هو ومن كان معه وخرجوا من المسجد انهمرت عليهم صواريخ المجرمين الصهاينة، حيث أصاب أحدها الشيخ في بطنه، فمزقه وحطم عربته مما أدى إلى استشهاده على الفور.

باستهداف الشيخ احمد ياسين اهتزت فلسطين كلها، بالرغم من عدم اكتراث الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بالجريمة النكراء، مع العلم أن للمقعدين في تلك البلاد حماية وحصانة ومعاملة خاصة، لكنهم لم يلتفتوا لذلك واعتبروا عربة الشيخ ياسين بمثابة دبابة تضاهي "الميركافاه" الصهيونية، فيما اعتبروه زعيماً لـ"تنظيم إرهابي" مما جعلهم يتنصلون من إدانة عملية اغتياله، لكن فلسطين وشعبها اهتزوا لمصرع قائد كبير من قادة القضية والوطن.

شعب فلسطين عرف المجرمين الصهاينة منذ أكثر من ستين عاماً، حيث ارتكب هؤلاء الجرائم والاغتيالات في أسواق وفنادق وموانئ المدن الفلسطينية، ثم في البلدات والقرى الفلسطينية حيث تمت عمليات التطهير العرقي والإبادة، في محرقة النكبة، التي على إثرها قام كيان الصهاينة فوق عظام وجماجم أهلنا، وتوجوا جرائمهم السياسية وأعمالهم الإرهابية باغتيال المبعوث الدولي (الكونت برنادونت)، و هو من الأسرة السويدية الحاكمة، اغتالوه حيث كان له الدور الكبير في استصدار القرار الدولي الشهير رقم (194) حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

والجدير بالذكر أن الذي نفذ العملية تلك هو "اسحق شامير" رئيس وزراء "اسرائيل" السابق وكان شريكه في الجريمة والد "ليفني" وزيرة الخارجية الصهيونية الحالية. 

الإرث الصهيوني في الجرائم والمجازر والمذابح كبير وله تسلسل طويل، حيث بدأ بالتفجيرات ضد اليهود الذين رفضوا الهجرة من أوطانهم الأصلية في أوروبا والبلاد العربية إلى فلسطين الانتدابية، وفيما بعد انتقل ضد الفلسطينيين في وطنهم، وضد الشرطة والجيش الانتدابيين في فلسطين التي كانت تحت سلطة الانتداب البريطاني، والذي بدوره سهل للصهاينة الهجرة ومن ثم احتلال واغتصاب فلسطين.

هؤلاء الذين شردوا الشيخ ياسين من بلدته في فلسطين إلى قطاع غزة حين كان طفلاً هم أنفسهم الذين لاحقوه واغتالوه كهلاً، لكنهم لم يجنوا ثمار جريمتهم إذ أن حركة (حماس) التي أسسها الشيخ أحمد ياسين ودخل السجن بعد ذلك حيث اعتقل وحكم لدى الاحتلال، هذه الحركة استطاعت نتيجة مقاومتها الصلبة ونظافة كف قادتها وحسن سيرتهم وسجلهم النظيف، بالإضافة لتراجع شعبية قادة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها نتيجة "اتفاقية أوسلو" وما نتج عنها من فساد في المؤسسات. ثم بعد اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات استطاعت حركة (حماس) وبدون وجود شيخها ومؤسسها أحمد ياسين، وكذلك دكتورها الشجاع الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وقادتها الأوائل الشهداء صلاح شحادة والمقادمة وأبو شنب، استطاعت (حماس) بدون تلك الأعمدة الأساسية الفوز الساحق بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. ثم شكلت أول وزارة فلسطينية من غير فتح وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كانت وزارة حمساوية بامتياز، حاصرها العالم اجمع لكنها استمرت وصمدت وصبرت إلى أن تم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية بين (فتح) و(حماس)، سرعان أن انتهت بشكل مأساوي بعد أحداث غزة المؤسفة والتي أعقبتها بسيطرة حركة (حماس) عسكرياً على القطاع، و(فتح) عملياً على الضفة الغربية.

ترى لو أن الشيخ ياسين ظل حياً وشهد انتصارات (حماس) السياسية وقدرتها على حسم الأمور أيضا عسكرياً وإنهاءها حالة دحلان والأجهزة الأمنية بشكل خاطف وملفت للنظر وسريع جداً، هل كانت الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه؟

سؤال من الصعب الإجابة عليه خاصة أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومعه بعض معاونيه ومساعديه من فتح و فصائل أخرى يرفضون الحوار مع (حماس)، ويعتبرونها عقبة بوجه الحوار والوحدة، ويطالبون بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري، ترى هل يشمل هذا عودة حكومة هنية وحل حكومة فياض؟؟.

كلام عزام الأحمد بعد زيارة اليمن وإعلانه فشل الحوار دون أن يجري أي حوار بينه وبين وفد (حماس)، ومسارعة الرئيس عباس لتأكيد كلام الأحمد في بيان رسمي. يؤكد فعلاً حقيقة النقاش الذي تسرب من محضر اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني ونشره الزميل شاكر الجوهري في صحيفة الوطن الأردنية مؤخراً، حيث قال عباس في الاجتماع "ربما يكون الحديث عن الوحدة الوطنية خطأ"، وأضاف أيضاً "المبادرة اليمنية حماس رفضتها، رغم أنها هي التي أوعزت لليمن، وكتبت نصها، فلماذا ترفضها..؟ لأننا وافقنا عليها..!".

أخيراً نقول أن حركة (حماس) مع وجود الشيخ احمد ياسين كانت قوية جداً، وأثبتت أنها بعد رحيل الشيخ وأهم قادتها في الداخل مازالت قوية بما فيه الكفاية وأنه من الصعب القفز فوقها أو تجاهلها، لذا من الأفضل لكل حريص على الوحدة الوطنية أن يتجاهل عبارة "ربما يكون الحديث عن الوحدة الوطنية خطأ"، وأن يدعو للوحدة والحوار ورص الصفوف والتمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

22/03/2008

* رئيس تحرير موقع (الصفصاف)