أوروبا تتعرى سياسياً وأخلاقياً

بقلم: نضال حمد *

تتوالى في القارة الأوروبية منذ فترة الأحداث التي تعني العرب والفلسطينيين بشكل خاص، إذ أقدمت فرنسا وايطاليا على دعوة الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويقمع ويقتل شعبها ليكون ضيف شرف معرض الكتاب هذا العام في كلا البلدين، تمت دعوة قادة الكيان الصهيوني كضيوف شرف بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس كيان الاحتلال، أي الذكرى الستين لتشريد واقتلاع وطرد الشعب الفلسطيني عن أرضه، وقتل وذبح وإرهاب مئات الآلاف من سكان فلسطين، يعني في ذكرى اغتصاب واحتلال وضياع فلسطين، ذكرى النكبة التي قضت على حياة آلاف من الأبرياء وشردت وضيعت وهجرت ملايين الفلسطينيين، حيث مازال أهل فلسطين سواء الذين صمدوا وظلوا على أرضهم يقاومون الإرهاب والعنصرية الهودية الصهيونية، أو الذين أصبحوا لاجئين ومهاجرين، مهجرين في كل بقاع الدنيا، يعانون من الظلم وغياب العدالة ووجود الاحتلال وعدوانية مستوطنيه وجنوده وقادته ومجتمعه الاستعلائي العنصري.

هذا الاحتلال الذي استولى على الأراضي الفلسطينية بالقوة وبالإرهاب والحديد والنار، قام ويقوم حتى يومنا هذا بتوزيع أراضي الشعب الفلسطيني على المستوطنين اليهود المجلوبين إلى فلسطين المحتلة من كل بقاع الدنيا، يفعل ذلك بعلم ومعرفة ومساعدات ودعم وإسناد بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا الاتحادية التي تريد التكفير عن ذنوبها اتجاه الهود الأوروبيين بتقوية وتعزيز قوة الصهاينة الذين يحتلون ويذبحون شعب فلسطين، فبدلاً من غسل العار الألماني بحق اليهود تلطخ ألمانيا يديها بعار محرقة الفلسطينيين على يد الصهاينة.!!

في كلمة ألقتها مؤخراً في "الكنيست" الصهيوني أكدت المستشارة الألمانية "ميركل" على أنها "تشعر بالعار لما قامت به بلادها اتجاه اليهود في الحرب العالمية الثانية"، لم تذكر ولم تشعر "ميركل" بالملايين الأخرى من البشر الذين نكلت بهم وعذبتهم وروعتهم وقتلتهم جيوش النازية في بلادها، كأن الحرب العالمية الثانية اختزلت في المحرقة واليهود الذين قتلوا.! أو كأنه يراد لها أن تختزل هكذا وإلى الأبد، وكأنه لم يكن هناك ملايين القتلى والضحايا من الاتحاد السوفيتي وبولندا ودول أوروبية أخرى، وكأن تاريخ الإرهاب الرسمي توقف عند بوابات "اوشفيتس" ومعسكرات الإبادة في بولندا.

لا يا "ميركل" إن الإرهاب مستمر ومتواصل وكان يحدث على مقربة منك وأنت تلقين خطابك الانحيازي مع الجلاد ضد الضحية، الجلاد الذي يستخدم أموال المساعدات الألمانية والتقنية والسلاح والإسناد الألماني السخي في ترويع وقتل واغتيال وافتعال المجازر ضد الفلسطينيين في أرضهم المحتلة.

الإرهاب الرسمي لجيش كيان الصهاينة الهود كان يحدث في غزة والضفة الغربية، فلو أنك تملكين الجرأة السياسية والأخرى الأخلاقية لكنت أقدمت على إرسال ولو إشارة في خطابك عما كان يدور في غزة على أيدي الجلادين  الصهاينة، لكنك كما غيرك من قادة أوروبا تفتقدين للجرأة السياسية والأخلاقية، ولست أفضل حالاً من "ساركوزي" فرنسا الذي لا يخفي عنصريته ضد المسلمين، وتعاطفه مع أجداده الذين احتلوا فلسطين.! حيث قبل هدية قدمها له الرئيس الصهيوني "شمعون بيريس" وهي عبارة عن كرم زيتون "فلسطيني" يوجد منذ بدء الخليقة على أرض فلسطين، كما تعود ملكيته لشعب فلسطين.

السارق يقدم الهدية والمنحاز يقبلها بابتسامة، كل هذا يجري في معرض الكتاب في فرنسا حيث دعي "بيريس" مهندس البرنامج النووي الصهيوني والقائم على مذبحة (قانا) في جنوب لبنان سنة 1996! يدعى "بيريس" كضيف شرف!! أين الشرف الفرنسي؟ وأين الأخلاق الفرنسية؟ وأين مبادئ العدالة والمساواة والخ.. نفس الشيء في ايطاليا إذ أن كيان الصهاينة هو ضيف شرف معرض الكتاب الطلياني وذلك بمناسبة مرور ستون عاماً على ما يسمونه استقلال "اسرائيل" أي نكبة وضياع شعب فلسطين، أي يوم احتلال وطن الفلسطينيين وتشريدهم وارتكاب المذابح والمجازر بحقهم.

كل يوم جديد في أوروبا يكشف عن مدى تغلغل اللوبي الصهيوني في هذه البلاد وعن مدى تأثيره وقوته خاصة على القوى التي يمكنها تغيير أو فعل أي شيء في المجتمعات الأوروبية، إنه سيف مرعب مسلط على رؤوس السياسيين والمثقفين والإعلاميين الأوروبيين، وهذا السيف البتار هو الذي يجعل معظم قادة الرأي وأصحاب القرار في أوروبا جبناء وبلا أخلاق فيما يخص القضية الفلسطينية.

وبالمناسبة يجب التذكير بأن الحراك الفلسطيني في أوروبا الذي تقوده الجاليات والفعاليات ولجان العودة الفلسطينية بالتنسيق مع لحان التضامن الأوروبية مع الشعب الفلسطيني لم يرقى لما هو مطلوب منه، لم يصل لموقع يستطيع معه التأثير على القرارات المصيرية والسياسية في أوروبا، إذ أن تأثيره مازال ضعيفاً، باعتقادي أن تأثير ودور الفعاليات الفلسطينية في أوروبا لن يتبدل كثيراً في السنوات القريبة، لأن الفعاليات تلك كانت ولازالت تتخبط في خلافاتها وهناك من يعزز انقسامها خدمة لأهدافه السياسية والتفاوضية أو الحزبية.

إن تلك المؤسسات تفتقر للاستراتيجية، ولازالت بدون هدف واضح، كمنا أنها تتعرض لمحاولات من البعض للسيطرة عليها أو وضعها على سكة الواقعية والعقلانية التي تعني التسليم بضياع الحقوق والموافقة على التخلي عنها، كما توجد مشكلة الفصائلية والمزاجية والفردية والغيرة والحسد والنزاعات الشخصية.

باختصار أن الفلسطينيين في "القارة العجوز" لم يرتقوا للهدف النبيل أما طرق تفكيرهم فلم ترقى لما هو مطلوب منهم ولما يقع على عاتقهم، لذا سوف لن تستطيع نخبتهم التي يحاول البعض من الداخل والخارج محاصرتها، مواجهة موجة العراء السياسي والأخلاقي التي تجتاح الحكومات والسياسيين في أوروبا، فالمستشارة "ميركل" والرئيس "ساركوزي" مجرد مثال حي على كل ما يحدث هنا، وبعض الناس هنا أمثلة حية على ما يحدث في غزة ورام الله.

* مدير موقع (الصفصاف)

2008/03/24