الجيش الصهيوني يتكتم على خسائره في العراق

عمر نجيب / كاتب وصحافي مصري *

ذكرت صحيفة "معاريف" "الإسرائيلية" يوم الاثنين 25 فبراير- شباط الماضي، أن جنديا "إسرائيليا" قتل بانفجار لغم في بغداد خلال الأسبوع السابق، وأوضحت أن الجندي "عامي حاي بيتون" قتل على الفور في انفجار اللغم، مشيرة إلى أنه تطوع للخدمة فئ صفوف قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.

الخبر المقتضب هو ذرة من قمة جبل الجليد العائم والمثقل بالأحجار لإخفاء وطمس حقيقة تورط "إسرائيل" بكل أجهزتها العسكرية والاستخباراتية والصناعية في الحرب الأمريكية ضد العراق، تلك الحرب التي من بين أهدافها رسم خريطة جديدة لما يسميه "المحافظون الجدد"، "الشرق الأوسط الكبير" والذي يريدون أن يضم مستقبلا بدل 22 قطرا عربيا 56 دويلة مما سيشكل ضمانة لاستمرار "إسرائيل" ولفرض سيطرة وهيمنة القوى الاستعمارية على مقدرات وثروات المنطقة.

نشر خبر مقتل جندي "إسرائيلي" واحد قد يكون خطأ وهفوة ارتكبتها "معاريف" أو ربما هناك سبب آخر ستكشف عنه الأيام، فالمعروف أن "إسرائيل" تتكتم بصورة مطلقة على كل نشاطاتها الناتجة عن تدخلها في العراق خاصة منذ "حرب 1991" التي أسفرت عن نجاح الولايات المتحدة في جعل أجزاء من شمال العراق خارج سيطرة الحكومة المركزية وتحت سيطرة عملائها الانفصاليين برئاسة الطالباني والبرزاني، وبالتالي أصبحت تلك المنطقة موضع قدم لكل أجهزة الأمن والمخابرات والجيش "الإسرائيليين" تعمل أساسا ضد العراق.

من سنة 1991 وحتى الغزو الأمريكي في مارس – آذار 2003 خاضت الأجهزة العراقية وخاصة القوات الخاصة التابعة لرئاسة الجمهورية أو وحدات المخابرات العسكرية مواجهات عديدة ضد الوحدات "الإسرائيلية" والبشمركة المأجورة لها، بعض هذه الأحداث نشرت في الصحف العراقية وبعضها ظل في الملفات السرية العراقية التي نجي بعضها قبل دخول الاحتلال إلى عاصمة الرشيد.

"إسرائيل" تتمسك بالكتمان حول كل تحركاتها في العراق وخاصة الخسائر شأنها شأن شركات الأمن الخاصة أو بالأحرى المرتزقة التي تملك ما بين 120 و140 ألف جندي في العراق ولا يتحدث احد عن خسائرها.

 

الحرب الشاملة

"إسرائيل" دخلت الحرب الشاملة بالفعل أسابيع قبل انطلاقتها الرسمية في مارس-آذار 2003، حيث نشرت في الصحف "الإسرائيلية" ابتداء من ديسمبر-كانون الأول 2002 أخبارا عن قيام وحدات "إسرائيلية" خاصة بالنزول في غرب العراق، حيث المكان المفترض لإطلاق أي صواريخ "سكود" منه على "إسرائيل" بهدف دراسة المنطقة جغرافيا وعسكريا قبل توجيه ضربات "إسرائيلية" فيها ساعة انطلاق الحرب.

في حين ذكر وزير الدفاع "الإسرئيلي" "شاؤول موفاز" في ختام زيارته في ذلك التاريخ للولايات المتحدة "إن "إسرائيل" ستساهم في تخطيط الحملة العسكرية لتدمير قاذفات الصواريخ في غرب العراق"، ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة في 18 ديسمبر-كانون الأول 2002 عن مصدر في حاشية "موفاز": "أن الهجوم على العراق قد يبدأ في غضون أسابيع معدودة"، وهو ما حدث بالفعل، وخلصت اللقاءات إلى اتفاق تعاون مشترك بين الطرفين، "الإسرائيلي" والأمريكي، بخصوص التخطيط لشن هجوم على أهداف في غرب العراق من طرف "إسرائيل" دون الإعلان عن ذلك وبموافقة ضمنية من سلطات عمان.

حجم وطبيعة المساهمة "الإسرائيلية" في حرب العراق التي انطلقت بالغارات الجوية الأمريكية الكثيفة يوم الخميس 19 مارس-آذار 2003 محاط بسرية مطلقة حتى الآن ولكن مصادر إعلامية عديدة تحدثت في تلك الفترة عن سماع أو مشاهدة حركة طيران غير عادية في سماء الأردن ذهابا وإيابا حتى خلال ساعات النهار، وفي وقت لاحق ذكر بدو من القبائل التي تسكن المثلث الصحراوي الذي يشمل غرب العراق وشرق الأردن وسوريا عن تحطم طائرات عمودية عسكرية ومقتل الكثير من الجنود الذين لم تعلن عنهم واشنطن شيئا وأنه في كل مرة كانت تسقط فيها طائرة تأتى أخرى لإجلاء الجثث وقد توجه غالبها غربا نحو الأردن أو فلسطين المحتلة، بعد الاحتلال وتنصيب "بول بريمر" حاكما أمريكيا للعراق دخل الكيان الصهيوني في جهاز التحكم في العراق عبر ما سمى بالمستشارين.

أغلب هؤلاء الوزراء المستشارين كانوا من اليهود أو الأقرب إلى الصهيونية عموما، فوزارة الشباب والرياضة حكمها لفترة "دون إيبرلي" وهو رجل دين مسيحي أصولي وأمريكي طبعا، وفى وزارة التعليم والبحث العلمي برز دور "اليهودي دور أيردمان" المتخصص في "مكافحة الإرهاب"، وكان مستشار وزارة المالية هو "اليهودي ديفيد نومي" وفى وزارة الزراعة نصب عدد من المستشارين أبرزهم "اليهوديان هولي شاتز" و"دون أمستونز" وفي بقية الوزارات وضع مستشارون أمريكيون على ذات الشاكلة، ففي النقل والاتصالات "ديفيد لينش"، وفي وزارة العدل "كلينت وليامسون"، وفى وزارة النفط "فيليب كارول".

 

"إسرائيل" وراء الحرب

تل أبيب كانت أكبر المحرضين على الحرب ضد العراق وأكبر المستفيدين منها.

في الثلث الأول من شهر نوفمبر-تشرين الثاني 2006 كشف الكاتب الأمريكي "ستيفن سينغوسكي" في وثيقة تحليلية استند فيها إلى مواقف وأفكار دبلوماسيين ومحللين سياسيين أمريكيين و"إسرائيليين" أن "أحد الأهداف الرئيسية للحرب الأمريكية على العراق هو حماية إسرائيل".

وتحدث "سنيغوسكي" عن الدوافع التي تجعل دولة عظمى تخوض حربا من أجل حماية "دولة" لا يكاد يكون لها وزن على الخارطة، وتحدث أيضا عن "المحافظين الجدد" داخل الإدارة الأمريكية وكيف انشقوا عن الديمقراطيين في ستينات وسبعينات القرن الماضي وجعلوا من الدفاع عن "إسرائيل" مبدأ أساسياً وهدفاً محوريا في سياستهم، وتحدث الكاتب الأمريكي في هذه الوثيقة عن أهم ما جاء فيها على حلقات عن علاقة أحداث 11 سبتمبر-أيلول 2001 بغزو العراق، وينقل "سنيغوسكي" عن المؤرخ والدبلوماسي الأمريكي "بول شرودر" قوله إن الدافع الخفي للسياسة الأمريكية التي قادت إلى غزو العراق هو أمن "إسرائيل".

ويضيف "شرودر": "إذا كان أمن إسرائيل هو الهدف الحقيقي لهذه الحرب فإن ذلك يمثل أمرا فريدا في التاريخ، فالمعروف أن القوى الكبرى تعمل على تحريض القوى الصغرى وإثارة الخلافات بينها حتى تتأجج نار الحرب بشكل يحقق المصالح العليا لتلك القوى، ولكن يبدو أن هذا هو المثال الأول في التاريخ حيث تخوض قوة عظمى حربا بالوكالة عن دولة صغيرة".

وحسب "سينغوسكي" فإنه لاكتشاف دوافع الحرب الأمريكية على العراق لا بد من السؤال التالي: كيف قادت هجمات 11 سبتمبر – أيلول 2001 إلى التخطيط لهذه الحرب على العراق رغم انعدام أي دليل على تورط العراق فيها؟

ويمضى الكاتب الأمريكي قائلاً" إنه منذ اليوم الأول لتلك الهجمات سعى المحافظون الجدد وخاصة أولئك الذين ينحدرون من أصل يهودي أو المحسوبين على الفكر الصهيوني اليميني إلى الركوب على الأحداث واتخاذ الهجمات ذريعة لإعلان حرب واسعة النطاق على ما أسماه "الإرهاب الإسلامي" حيث تمثل الدول المستهدفة في هذه الحرب أعداء "إسرائيل"، وأشار الكاتب إلى أنه حتى قبل أحداث 11 سبتمبر-أيلول 2001 دافع "المحافظون الجدد" علنا عن فكرة شن حرب على العراق، وإنما كانوا ينتظرون ذريعة لإعلانها.

وأشار "كريستيان" إلى أن عددا كبيرا من المحللين "الإسرائيليين" باتوا على قناعة بهذه الفرضية حيث كتب المعلق "الإسرائيلي" "آكيفا إيلدر" في صحيفة "هآرتس" (أن ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وأصدقاءهم الإستراتيجيين خلقوا توازنا في أدائهم بين التزاماتهم تجاه الحكومات الأمريكية والمصالح "الإسرائيلية").

وتحدث الكاتب عن "حرب الخليج عام 1991" مشيرا إلى أن الصقور المؤيدين للحرب من "المحافظين الجدد" مثل "بيرلو فرنك غافنى" و"ويليام سافير" و"روزنتال" كانوا يؤيدون الفكرة التي تقول أن الهدف من الحملة العسكرية آنذاك ليس إجبار العراق على الخروج من الكويت فحسب، وإنما أيضا تدمير القدرة العسكرية العراقية وتحديدا قدرته على تطوير الأسلحة النووية والصاروخية، وهو ما أيدته إدارة بوش الأب.

 

3000 جندي "إسرائيلي"

في نهاية شهر مايو-أيار 2006 كشفت صحيفة "النيويوركر" الأمريكية عن وجود 3000 عميل وجندي من القوات الخاصة الصهيونية في العراق، وأضافت أن هناك مخططا "إسرائيليا" لتفتيت العراق وإقامة دولة كردية في الشمال، وذكرت الصحيفة أن الخطة (ب) التي اعتمدتها المخابرات "الإسرائيلية" للتعاون مع الأكراد في إقامة دولتهم تقوم على تدريب وحدات من "الكوماندوز" الكردي للقيام بعمليات خاصة داخل الأراضي السورية والإيرانية والتركية لصالح "إسرائيل" تشمل التجسس والتخريب وغيرها.

مصادر "إسرائيلية" أشارت إليها صحف "معاريف" و"هآرتس" في نهاية سنة 2003 وبداية 2004 تحدثت عن دور رجال "الموساد" في تصفية عشرات العلماء والضباط والطيارين العراقيين وأعضاء حزب البعث بالتعاون مع الوحدات الخاصة للجيش الأمريكي، وفيما بعد مع شركات المرتزقة وفى مقدمتها شركة "بلاك ووترز"، وذكرت صحيفة "معاريف" في ديسمبر-كانون الأول 2003 أن "الموساد" زود "فيلق بدر" الذي دخل إلى العراق مع القوات الغازية بقوائم تضمنت تفاصيل عن مئات الشخصيات العراقية المستهدفة وأن هذه المعلومات نقلت إلى "الحرس الثوري الإيراني" الذي شارك منذ البداية في عمليات التصفيات الدموية في العراق.

والواضح أن "إسرائيل" التقت في مخطط إفراغ العراق من كفاءاته وشخصياته وعلمائه مع العديد من الدول التي تريد أن يبقى العراق ضعيفا وممزقا.

 

تشجيع الانفصال

والحقيقة أن وجود دور "للموساد" "الإسرائيلي" في الموضوع الكردي العراقي، وربما الكردي التركي والإيراني ليس أمرا جديدا، بل هو قديم ومعروف، ولكن الجديد هو أن الاحتلال الأمريكي للعراق والذي تم بناء على تحريض "إسرائيلي" ودور كبير للوبي اليهودي في أمريكا أعطى الفرصة الكاملة لتحقيق هدف "إسرائيل" القديم الهادف إلى إنشاء كيان تصور أنه سيكون داعما لـ"إسرائيل" على أطراف الأمة العربية.

وقد كشف الكاتب الأمريكي (سيمور هيرش) بعد الغزو النقاب عن خطة "إسرائيلية" لتدريب 75 ألف كردي على غرار القوات الخاصة "الإسرائيلية" لتكون سندا للمخططات "الإسرائيلية"-الأمريكية في العراق ولمساندة قوات الاحتلال ضد المقاومة العراقية.

 

تحالف كامل ضد المقاومة

المشاركة "الإسرائيلية" في الحرب ضد المقاومة العراقية زادت اتساعا مع تصاعد نكسات الاحتلال وحلفائه في العراق، فيوم الثلاثاء 13 يونيو-حزيران 2006 كشف صحيفة "معاريف" "الإسرائيلية" النقاب عن أن وحدات "كوماندوز اسرائيلية" تقوم بتدريب القوات الأمريكية في قاعدة (فورت) العسكرية على أساليب تصفية نشطاء المقاومة في العراق المحتل، كما يفعل الاحتلال "الاسرائيلي" في الضفة الغربية وقطاع غزة عندما يقوم باغتيال النشطاء الفلسطينيين، وأشارت "معاريف" إلى أن قوات "الكوماندوز الاسرائيلية" تقوم بتدريب الأمريكيين على القتال في أماكن مأهولة بالسكان وذلك في القاعدة العسكرية (بورت براغ) في شمال كارولاينا.

ويوم الاثنين 4 ديسمبر-كانون الأول 2006 ذكر مصدر عسكري "اسرائيلي" رفيع أن نظاما مصنوعا في "اسرائيل" مصمم لحماية الدبابات ووسائل نقل القوات من القذائف الصاروخية ستجربه وزارة الدفاع الأمريكية تمهيدا لاستخدامه من جانب القوات الأمريكية في العراق والتي سقط معظم قتلاها حسب الروايات الرسمية بسبب القنابل المزروعة على جانب الطريق، وقد وصفت "مؤسسة رافائيل" التي صنعت النظام ويطلق عليه اسم "تروفي" هذا السلاح بأنه فريد لأنه يستخدم مجسا يرصد الصاروخ القادم ويطلق قذيفة تدمر رأسه الحربية وهو في الهواء، وحينها ذكرت "رافائيل" أن نسبة دقة النظام تصل إلى 95 في المائة.

وقال المصدر الدفاعي "الاسرائيلي" أن "البنتاغون" طلب الحصول على أحد الأنظمة لإجراء اختبارات في الولايات المتحدة.

وأضاف المصدر بعدما طلب من "رويترز" عدم الإفصاح عن اسمه "تعتزم وزارة الدفاع اختبار "تروفي" وربما يكون على المدرعة الأمريكية "سترايكر" أو غيرها من المركبات اعتبارا من ابريل-نيسان 2007 وفيما بعد سيجرى استخدامه ميدانيا في العراق.

وتكهن مصدر دفاعي "اسرائيلي" مطلع على الخطط الخاصة بـ"رافائيل" أن يصل سعر وحدة النظام الواحدة بما بين 250 ألفا و350 ألف دولار وأن يصل وزن وحدة من النظام إلى نحو 700 كيلوغراما، وذكر المصدر إن الكلفة العالية للنظام يمكن تقليلها من خلال جعل المركبات تسير في مجموعات قريبة بحيث يمكن أن يوفر نظام مثبت على واحدة من المركبات الحماية لبقيتها.

 

مدرعات وأسلحة "إسرائيلية"

بعد ذلك وبفاصل أربعة أشهر تقريبا ويوم الثلاثاء 24 أبريل-نيسان 2007 ذكرت إذاعة "الجيش الاسرائيلي" أن شركة أسلحة "اسرائيلية" ستزود وحدات مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" المنتشرة في العراق بحوالي ستين آلية مصفحة من نوع "جولان"، ضمن عقد أول بقيمة 37 مليون دولار، وأضافت الإذاعة إن تسليم الآليات إلى وحدات "المارينز" سيحصل في الأشهر الثلاثة التالية.

وذكرت شركة "رافايل" أن "جولان" آلية جديدة زنتها 15 طنا عرضت في سبتمبر-أيلول 2006 وتسمح بنقل عشرة جنود وعتادهم.

وفي يناير-كانون الثاني 2007 اختيرت هذه الآلية التي تسير على أربع عجلات من قبل الجيش الأمريكي في إطار استدراج عروض، وهذا العقد هو الأول لشراء آلية "جولان" التي لم يستخدمها الجيش "الاسرائيلي" بعد. وتقول الشركة المصنعة أن هذه الآلية "مصممة خصوصا لتتكيف مع العمليات في المدن".

وأوضح "لوفا دروريس" مدير قسم التسويق في شركة "رافايل" العامة التي فازت بالعقد "خبراؤنا في مجال الحماية طوروا "جولان" لمقاومة قذائف مضادة للدروع من نوع (آر بي جي) خصوصا أو ألغام، وذكرت الإذاعة أن شركات الأسلحة "الاسرائيلية" تزود وحدات الجيش الأمريكي المنتشرة في العراق بطائرات استطلاع من دون طيار وصواريخ وأنظمة حماية للدبابات والآليات المصفحة فضلا عن أنظمة تسيير متطورة.

وفي مارس-آذار 2005 فازت شركة "بالسن ساسا" "الاسرائيلية" بعقد قيمته 200 مليون دولار لتصفيح آليات عسكرية أمريكية مستخدمة في العراق.

 

حصة من غنيمة النفط

في 18 يونيو-حزيران 2006 ذكرت صحيفة "البينة الجديدة" التي تصدر في بغداد أن "اسرائيل" توسع تغلغلها في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي وتبحث عن حصة في غنيمة النفط العراقي، وكشفت أن شركة "إسرائيلية" فازت بعقدين للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط الخام في العراق. وأضافت أن شركة "سرسل" "الاسرائيلية" حصلت من خلال شركة عراقية على عقدين للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط الخام.

وأوضحت الصحيفة أن الشركة ومقرها تل أبيب ولديها فرع ثان في فرنسا حصلت على العقدين تحت عباءة شركة عراقية تدعى "أميرة بكس" يقودها ويشرف عليها مسؤولون في شركة الاستكشافات النفطية التابعة لوزارة النفط وهى تنتظر الفوز بعقد ثالث.

محرر "الشؤون الاقتصادية" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" "الإسرائيلية" قال بعد أشهر من غزو العراق إن العراقيين أنفسهم "ويعني بذلك من أتوا على ظهر دبابات الغزو" معنيون بمشاركة "الإسرائيليين" في "الكعكة العراقية"، وصرح "يشار بن مردخاي" مدير عام شركة "بزان" التي تعمل في مجال تشغيل مصافي تكرير النفط، قوله: "إن الشركة تستعد لشراء نفط خام من العراق سيصل عن طريق تركيا..."، ودار الحديث في المرحلة الأولية عن 10 في المائة من إجمالي واردات "إسرائيل" من النفط، لكنه ذكر أن الكمية ستزداد بعد ذلك، وبتاريخ 20 أكتوبر-تشرين الأول 2003 رددت صحيفة "يديعوت" على موقعها على الأنترنت نية "إسرائيل" إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك حيفا مع وزارة الدفاع الأمريكية.‏

وقال وزير البنى التحتية "الإسرائيلي" "يوسف بارتيسكي" بأنه طلب إجراء دراسة مفصلة حول إعادة الروح لأنبوب النفط بين الموصل وحيفا والذي أسِسَ منذ عهد الانتداب البريطاني وأوقف العمل به بعد ثورة العراق سنة 1958.

 

صحافة ومكاتب استخبارات

التغلغل والتدخل "الإسرائيلي" في العراق شمل حتى مجال الصحافة ففي 27 مارس-آذار 2007 كشفت مصادر بنقابة الصحافيين العراقيين أن صحيفة "هآرتس" "الاسرائيلية" افتتحت مكتبا لها قبل أسبوع من ذلك التاريخ في العاصمة بغداد، هو الثاني في العراق بعد مكتبها القائم في أربيل.

وأضاف مصدر في نقابة الصحافيين، طلب عدم الكشف عن اسمه لمصادر إعلامية إن الصحيفة اتخذت من فندق "الحمراء" في الجادرية مقرا ثابتا لها وأن فريقها مكون من ستة صحافيين وفتاة واحدة بالإضافة إلى مدير المكتب الذي يدعى "ديفيد حامون"، وأكد المصدر أن مقر الصحيفة يخضع لحراسة من أفراد الحراسات المخصصة للصحافيين الأجانب، مرجحا أنهم يحملون الجنسية "الإسرائيلية".

وأشار المصدر إلى أن طاقم الصحيفة يحاول استقطاب صحافيين عراقيين من المحافظات التي تنشط فيها المقاومة أكثر من غيرها للعمل معهم، لكنهم يواجهون صعوبة في ذلك حيث يرفض غالبية الصحفيين، رغم الرواتب الكبيرة والمغرية التي تعرض عليهم.

وأكد المصدر أن هذا المقر، هو في الحقيقة "مكتب استخباري أكثر من أن يكون صحافيا".

 

الشركات "الإسرائيلية"

في شهر يونيو-حزيران 2003 بدأت واشنطن التلويح بجزرة مشاركة "إسرائيل" في نهب ثروات العراق تحت غطاء "إعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية، وتحسين الإنتاج الفلاحي والصناعي" إلى غير ذلك من الشعارات البراقة، وهكذا قال مساعد وزير المالية الأمريكي، "البروفيسور جون تايلور" في مقابلة خاصة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" "الإسرائيلية" أن "العراق مفتوح أمام الشركات "الإسرائيلية"، وأنا أدعوها للمشاركة في إعادة إعماره".‏

على إثر ذلك، وقع وزير المالية "الإسرائيلية" "نتنياهو" على ترخيص يسمح بإقامة علاقات تجارية مع العراق، الذي كان مدرجاً ضمن لائحة الدول المعادية لـ"إسرائيل" حتى ذلك الحين، ومنذ ذلك الحين أصبح بمقدور "الإسرائيليين" إقامة علاقات تجارية مع العراق بصورة رسمية، وسمح هذا الأمر بالمتاجرة مع العراق، حيث أتاح إقامة أنواع العلاقات التجارية معه سواء المالية منها أو أية علاقات أخرى، بما في ذلك تزويده بالبضائع "الإسرائيلية"، ونقل البضائع، ودفع أموال ونقلها أي تحويلها.‏

وفورا بدأ الصهاينة في جني الأموال من بلاد الرافدين وبتاريخ 24 أغسطس-آب 2003 ذكرت صحيفة "الرياض" السعودية، نقلا عن مصدر موثوق في وزارة التجارة العراقية قوله: "إن إسرائيل صدرت في يوليو-تموز للعراق بضائع بقيمة 50 مليون دولار أمريكي، وكانت الصادرات "الإسرائيلية" منتجات زراعية وأغذية معلبة ومشروبات غازية ومشروبات كحولية، وذكر المصدر نفسه أنه تم تصدير هذه البضائع عبر الأردن، وقام بتصديرها تجار أردنيون يعملون كوكلاء لدى الشركات "الإسرائيلية".

في الثاني من سبتمبر-أيلول 2007 ذكرت صحيفة "هآرتس" أن نحو 250 "اسرائيليا" يقومون كل سنة بزيارة العراق غالبيتهم رجال أعمال يعملون خصوصا لحساب شركات أسلحة. وأضافت الصحيفة استنادا إلى أرقام "سرية" حصلت عليها الصحيفة من الخطوط الملكية الأردنية، أن معظم هؤلاء يمرون عبر عمان ويستخدمون الخطوط الأردنية.

ويحمل بعضهم جنسيتين ويدخلون العراق بجوازات غير "اسرائيلية"، وهؤلاء الزوار ليسوا سياحا كما لا توجد أي رحلة منظمة لمجموعات من "الاسرائيليين" من أصل عراقي ممن يرغبون في زيارة بلدهم الأصلي، حسب الصحيفة.

وفي عداد "الاسرائيليين" الآخرين الذين يتوجهون إلى العراق صحافيون وموظفون في وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.

ومن المفارقات الدالة على تكريس نهب العراق من طرف المحتلين منذ سنة 2003 تعاون وزارة الزراعة "الإسرائيلية" مع الإدارة الأمريكية لتصدير الفواكه والخضراوات لأسواق العراق البلد الزراعي الذي يمكن أن يطعم بأرضه الخصبة نصف الأمة العربية، ومن المعروف أن أمريكا تقوم بشراء أطعمة مختلفة لجنودها في العراق من الكيان الصهيوني بقيمة تتراوح بين 50 و 60 مليون دولار شهريا.‏

 

مشاركة في النهب

في نهاية سنة 2007 اضطرت الإدارة الأمريكية إلى أن تعترف أن أكثر من 46 مليار دولار نهبت من أموال العراق التي كان الاحتلال يقول أنها ستخصص لـ"إعادة الإعمار"، والجزء الأكبر من هذه الأموال ذهب إلى جيوب الشركات الكبرى التي دخلت العراق من أمريكا و"إسرائيل" وغيرهما، أو إلى جيوب المرتزقة الذين جلبهم الاحتلال ليضعهم على كراسي الحكم الوهمية في "المنطقة الخضراء" ببغداد.

في الخامس من أغسطس-آب 2003 نشر في موقع "يديعوت أنترنت"، مقال لـ"عوفر باترسبورغ" قال فيه: توجه العشرات من المقاولين "الإسرائيليين"، خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو-تموز، إلى اتحاد المقاولين من أجل التعرف على السبل المناسبة التي تتيح لهم المشاركة في مشاريع "إعادة إعمار العراق"، والتي يقدر حجمها بمليارات الدولارات، وقال مدير عام الاتحاد "يودكا سيفيف" أن عددا من الشركات المعروفة "انقضت" على اتحاد المقاولين، حيث ترغب هذه الشركات "الإسرائيلية" بتوسيع نشاطاتها ومشاريعها التنفيذية.‏

وبين الشركات التي تهتم بما يجري على أرض العراق، نجد عددا من الشركات الرائدة في مجالها في "إسرائيل"، مثل شركة "سوليل بونيه" وشركة "دانيا سيبوس" التابعة لمجموعة "إفريقيا-إسرائيل" وشركة "تيهيل واردان" وشركة "أشتروم" وشركة "شبير" وشركة "عيتس كرميئيل" وغيرها، وبالفعل عملت هذه الشركات مباشرة أو عن طريق طرف ثالث، على وجه الخصوص عن طريق الأردن، أو بواسطة شركات أمريكية وأوروبية وهو ما سهل حصولها على أرباح ضخمة.‏

 

مطمر للنفايات

"إسرائيل" حولت العراق كذلك إلى ساحة للتخلص من نفاياتها حيث يتم طمر النفايات النووية والمشعة والكيمياوية "الإسرائيلية" في الصحراء العراقية الغربية، وقد أكد عدد من بدو الصحراء غرب بغداد لقناة فضائية عربية في نهاية سنة 2005 أن شاحنات كبيرة محملة بصناديق مقفلة وتحت حماية أمريكية قامت بدفن حمولتها تحت الرمال، وأن الكثير من الأعشاب التي تنبت في المنطقة خاصة بعد الأمطار يبست أو اسودت أغصانها وأوراقها وكأنها تعرضت لحريق كما أن الإبل أو المواشي التي كانت ترعى في المنطقة بعد ذلك أصيبت بأمراض وهزلت أجسامها أو ماتت دون سبب واضح.

وهناك كذلك عمليات بيع وشراء للعقارات العراقية المهمة وفى أماكن محاذية لنهر دجلة يقوم بها وكلاء لشركات أو أشخاص في "إسرائيل"، كما أن "الإسرائيليين" قاموا بتكوين وتأطير أو تأجير عصابات للنهب مهمتها جلب كل ما هو ثمين من التراث والآثار العراقية وتسليمها "للإسرائيليين" مقابل ثمن معين.

عملية النهب هذه تدخل في إطار الخرافات الدينية التي يتمسك ويِمن بها "المحافظون الجدد" للانتقام من العراق وبابل على الأخص، فالعداوة متأصلة بين اليهود والملك البابلي نبوخذ نصر الذي ذهب إلى فلسطين ليجلب اليهود أسرى بعد أن هزمهم عسكريا والذي حكم بلاد ما بين النهرين في الفترة الواقعة بين سنة 630 و 562 قبل الميلاد.

ولكن العراق سينهض، في آخر المطاف، وستنتصر المقاومة، هكذا كان دائما تاريخ هذا البلد، وعلى أعدائه أن يحسبوا من الآن كم سيدفعون ثمناً لما ألحقوه به من عذابات ودمار.

* عن (العرب) التي تصدر في لندن (4/3/2009)