مؤتمر القمة القادم نحو الوحدة أم الانقسام في البرنامج العربي؟؟!!

بقلم: م. سميح خلف

هل من بقايا لدول الصمود والتصدي؟، وهل هناك لها أنفاس قائمة بعد أن عصفت بالمنطقة عدة متغيرات سياسية وعسكرية وأمنية؟.. دول الصمود والتصدي التي أتى تجمعها بعد "كامب ديفيد" والتي كان من أهم ما فعلته نقل الجامعة العربية إلى تونس.

ولكن هل نجحت دول الصمود والتصدي من تنفيذ برنامجها أمام البرنامج الأمريكي الذي يجتاح المنطقة؟.. للإجابة على هذا السؤال، نضع له الإجابة في مقدمة، أن منظمة التحرير الفلسطينية التي هي عضوا في دول الصمود والتصدي وبسياسة اللعب على الحبال حددت خياراتها من أوائل الثمانينات وبعد الخروج من بيروت بالتحديد إلى خيار البرنامج الأمريكي في المنطقة، ولو كان لهذا السلوك مقدمات ما قبل ذلك.

دول الصمود والتصدي التي خسرت عنصرا أساسيا وقويا ويحسب حسابه وهي خسارتها لصدام حسين ونظام صدام حسين وطموحاته تجاه بناء كينونة عربية تكنولوجية علمية حضارية تقف أمام التحديات التي يفرضها البرنامج الصهيوني والبرنامج الأميركي على المنطقة.

الجزائر عضوا في مجموعة الصمود والتصدي العربي التي أنهكتها ما يشبه الحرب الأهلية، وعدم الاستقرار والتي أصبحت فيه الجزائر ساحة للعبث لعدة جهات ومآرب ومشارب فكرية بالإضافة إلى العبث الأوروبي، والبرنامج الأميركي والصهيوني.

دول الصمود والتصدي التي بقيت فيه سوريا صامدة أمام التمدد في البرنامج الأميركي في المنطقة، والذي كان من آثاره أن خضعت سوريا في علاقتها مع المجموعة العربية إلى المد والجزر وخاصة دول الخليج.

وخسرت سوريا لبنان كواقع إستراتيجي يحدد كثير من البصمات على الخريطة الإستراتيجية السورية في مواجهتها "لإسرائيل" وللمشروع الأمريكي، رغم أن المعادلة في الساحة اللبنانية، وخاصة بالمنظور الإستراتيجي لم تحدد عناصرها ومكان النصر والهزيمة فيه إلى يومنا هذا، حيث فشلت الجامعة العربية في إنجاح مبادرتها التي تميل إلى فئة التيار الأمريكي والبرنامج الأمريكي في الساحة اللبنانية، وكما هو الحال لمنظمة التحرير التي دخلت في جرف قوي يسمى أوسلو، وفيما بعد خارطة الطريق، حيث أصبحت متورطة ولا تستطيع إجراء أي مناورة أو تعديل في برنامجها المحدد الملامح والتوجه.

دول دخلت في مجموعة الصمود والتصدي من الخجل التاريخي والورطة الموضوعة فيها أمام شعوبها، ولذلك عند أول محطة خرجت من هذا التجمع لتنحاز للبرنامج الأمريكي وليسجل التاريخ نكسة أخرى للعرب غير نكسة 67 وهي نكسة تجمع الصمود والتصدي في مواجهته للبرنامج الأمريكي، وهنا لا نريد أن نجحف في حق سوريا، بل للإنصاف أن سوريا ناورت وتجاوبت مع جميع الأطروحات التي يسوقها البرنامج الأمريكي ويريد أن يسوقها، ولكن ثوابت سوريا عودة الجولان، والحل الشامل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وبعد التصور التاريخي لشكل الدولة الفلسطينية القادمة التي تمثل أيضا بعدا استراتيجيا لسوريا كما تمثله لبنان.

المقاومة الفلسطينية التي أصبحت تقاتل على أكثر من جبهة، جبهة الأعداء والاحتلال، وجبهة البعد الإقليمي للمشكلة وللصراع وهو الواقع العربي، وانتقلت المقاومة الفلسطينية لتدافع عن نفسها من مصطلح الإرهاب كما تم تعريفه أمريكيا، وأصبح هذا واضحا في السلوك والسياسة للنظام الرسمي العربي.

إذا على بقايا ما تبقى من دول الصمود والتصدي وائتلاف المنظومة الدولية بقيادة أميركا ومشاركة فعلية لأكثر من 34 دولة في اجتياح العراق والقضاء على زعامتها القومية، كان لابد للمنطقة من أن ترتب أوراقها وإعادة ملء الفراغ الحادث فيها، ولقد عجزت القوات الأمريكية أمام المقاومة العراقية الباسلة من أن تجعل لنفسها حيزا ماديا لملء الفراغ، من هنا نريد أن نقول ونعبر عن ذلك بما صرحت به هيلاري كلينتون " أنها تندم على اليوم الذي صوتت فيه لصالح غزو العراق.."

العراق الذي حفظ وعمل بقوة على حفظ التوازن الإستراتيجي الإقليمي في المنطقة، قامت أميركا بتدميره وقتل أكثر من مليون ونصف عراقي، وتدمير البنية التحتية والعلمية والتكنولوجية، مما ساعد على ظهور قوة إقليمية أخرى في المنطقة وهي إيران، ولم يكن هناك خيار أمام سوريا باعتبارها هي ركيزة دول الصمود والتصدي، إلا خيار دعم المقاومة ومشروع المقاومة والتحالف مع القوى الإقليمية النامية، حيث لا مفر، والخيارات محدودة، أمام البرنامج الأمريكي المجحف في حق القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وأما الخيار بالتحالف مع إيران، رغم أن إيران لها مصالح في المنطقة وتنظر بعين الجدية إلى معاهدات لتقسيم النفوذ في المنطقة محاولة إلغاء "سايكس بيكو" وما أتى بعدها، وربما الحملة الشرهة من الغرب على المشروع الإيراني، الذي أخذ غطاء العمل النووي والفعل النووي، الغرب الذي هرول سريعا بالإضافة للضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على إيران هرول عن طريق رئيس فرنسا ساركوزي إلى طرح آفاق سياسية جديدة لدول البحر المتوسط، وخاصة دول شمال أفريقيا، ولم ينسى المشرق العربي، بل ذهب إلى السعودية والقطرية طارحا مشاريع استراتيجية مقابل إيران، وبموازاة التحرك الفرنسي تحرك وزير الدفاع الأمريكي والرئيس الأمريكي أيضا إلى دول الخليج طارحا منظومة الصواريخ والغطاء الجوي، ومن هنا نجد أن دول الخليج في موقف لا تحسد عليه وإن كان هذا الموقف، فكان ناتج عن سوء تقدير لمواقفها تجاه صدام حسين ونظام صدام حسين.

وقد ذكرت وكالات الأنباء أن كوندوليزا رايس ستأتي إلى المنطقة في الأسبوع القادم قبل عقد مؤتمر القمة العربي المقرر عقده في أواخر مارس، أي قبل انعقاد المؤتمر بأسبوعين، وليس من الصعب تحديد أجندة كوندوليزا رايس.

في مؤتمر القمة السابق وضع العرب كل ما لديهم من بيض في سلة أميركا ووضعوا الحقوق الفلسطينية أيضا من خلال ما يسمى بالمبادرة العربية في سلة أميركا أيضا و"إسرائيل"، وكان من أهم هذا البيض هو تنازل العرب عن القرارات الدولية الخاصة بعودة اللاجئين، لقد نصت المبادرة العربية إيجاد حل "عادل ومتفق عليه" لقضية اللاجئين، وهذا ما أكده ممارسة الرئيس الفلسطيني حتى آخر مقابلة له في القاهرة مع الصحافة عندما قال : " بخصوص قضية اللاجئين فنحن ملزمين بما نصت عليه المبادرة العربية".

كوندوليزا رايس تأتي لتضع الخطوط العريضة للبيان الختامي لمؤتمر القمة القادم بخصوص القضية اللبنانية والفلسطينية وربما أيضا قضية دارفور والقضية العراقية وقضية الفراغ الذي يتحدث عنه البيت الأبيض حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق ومستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة بعد الانتخابات الأمريكية التي يرشح فيها فوز الديمقراطيين، ولذلك تريد أميركا خلق منظومة أمنية عربية بديلة في العراق.

أما فلسطين وبرغم أن 62% من "الشعب الإسرائيلي" يطالب بالتفاوض مع حماس، ولكن ليس كل ما يتمناه "الإسرائيليون" يمكن أن ينفذه السياسيون "الإسرائيليون"، فهؤلاء السياسيون أيضا مرتبطين بالمشروع الأمريكي والرؤية الأمريكية، ونذكر عندما عقد مؤتمر القمة في بيروت كانت هناك متغيرات على الوضع الفلسطيني، واقتحمت القوات "الإسرائيلية" الضفة الغربية، وحاصرت الرئيس الفلسطيني مما جعل عرفات يوجه كلمة إلى القمة وهو محاصر، ولذلك فرضت "إسرائيل" أجندتها على مؤتمر القمة العربي في بيروت.

والآن "إسرائيل" توسع هجماتها على غزة في حرب استنزاف وحصار، وربما يطور ذلك من تصعيد لاحتلال مؤقت أو لأجزاء من قطاع غزة يتم الترتيب فيها لاستدعاء قوات فلسطينية من الضفة الغربية التي تم استقدامها من عمان مؤخرا أيضا لفرض أجندة سياسية على مؤتمر القمة، والمؤتمرين.

ولكن ما هو أهم مطلب لكوندوليزا رايس الآن، أعتقد بعد أن فشلت المنظومة العربية في ترويج مشروعها الخاص بالساحة اللبنانية وإنجاح هذا المشروع الذي لم يتناول بدقة وضع لبنان وعلاقته الاستراتيجية مع سوريا، ووضع لبنان العربي المقاوم بل يرى لبنان منفذ للبرنامج الأمريكي من خلال حكومة السنيورة والأغلبية، أي المنظومة العربية تدافع عن ذاتيتها في لبنان وعن نظامها الرسمي وعن برنامجها المرتبط بالبرنامج الأمريكي، ولذلك أخفقت الجامعة العربية في إنجاح برنامجها في الساحة اللبنانية.

إذا ماذا ستطلب أميركا من العرب وخاصة أن مؤتمر القمة سينعقد في دمشق أقل تعديل يمكن أن تطالب كوندوليزا رايس حلف أميركا بأن يقاطع المؤتمر، أي إضعاف المؤتمر وتوجهاته، وخاصة دول كبرى عربية لن تشارك فيه إلا بشرطية إنجاح المبادرة العربية الخاصة في لبنان، ولكن هناك ما هو أبعد من ذلك، فسوريا ودول الممانعة في "منطقة الشرق الأوسط" والمقاومة الفلسطينية، تسعى إلى تعديل المعادلة وصياغتها من جديد وإسرائيل وأميركا وبعد أن ألحقت بها هزيمة ساحقة في جنوب لبنان تريد أن تدافع عن برنامجها في المنطقة وأن تكرس المفهوم القائل: ""إسرائيل" التي لا تهزم والجيش الذي لا يهزم"، وإذا أقرت "إسرائيل" بهزيمتها يعني ذلك كما قال سماحة الشيخ حسن نصر الله، أن إسرائيل في العد التنازلي لطبيعة وجودها على الأرض الفلسطينية، ولكن هل كلا الطرفين سيبدآن في تصحيح المعادلة ما قبل مؤتمر القمة وفرض أجندة التصحيح باستباقية قبل انعقاد المؤتمر أم بعده.

الواضح أن "إسرائيل" بداية ستهرب للأمام من هزيمتها في جنوب لبنان متجهة نحو الجنوب إلى غزة، وحصار غزة واحتلال أجزاء من قطاع غزة تحت ذريعة توفير المساحة الأمنية ضد الصواريخ، ولكن هل ستقف الأمور عند هذا الحد أم ستحدث مستجدات في الشمال والشرق؟

إذاً مؤتمر القمة القادم في دمشق سيذكرنا بما آلت عليه الأمور للمجموعة العربية ما بعد "كامب ديفيد"، فهل سيخلق من جديد دول للصمود والتصدي، وهل ستستطيع تلك الدول تغيير المعادلة في "الشرق الأوسط"؟.. ولصالح من سيحدث التغيير.