تعليق المفاوضات لا يكفي
بقلم: م. سميح خلف
الشعب الفلسطيني بحاجة اليوم إلى مراجعة كل الأجندات السياسية التي أقرتها منظمة التحرير الفلسطينية والتي أثبت فشلها في معاجلة الصراع، وإذا كان العدوان الصهيوني على قطاع غزة قد فتح مجالا واسعا لإعادة التفكير في البرنامج السياسي الفلسطيني وأعاد الاعتبار لقواعد الوحدة الوطنية التي لابد منها، فإن عملية تعليق المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والجانب الصهيوني لا تكفي لوضع مقدمات لحوار وطني شامل يتمخض عنه ورقة سياسية تعبر عن الموقف الفلسطيني بكامله من قوى وطنية وإسلامية.
إن أجندة العدو الصهيوني المليئة بالأطماع في الأرض الفلسطينية لن يكون رادعا لها تعليق المفاوضات، وربما في حد ذاته التعليق هو علاج وحالة استيعاب حالة وطنية شعبية تعم كل الشعب الفلسطيني، ولذلك أيضا إن كلمة تعليق المفاوضات يعني ذلك العودة إليها عندما يهدأ الحدث وتهدأ النفوس، ونعتبر أن تعليق المفاوضات هو وسيلة من وسائل امتصاص الغضبة والنقمة لدى الشعب الفلسطيني والعربي، في حين أن الأصوات كثيرا ما نادت بوقف المفاوضات وليس تعليقها، وعندما يتخذ قرار وقف المفاوضات يعني ذلك أيضا أن الشعب الفلسطيني وقيادته وصلت إلى حالة من النضوج يتبعها برنامج وبدائل سياسية أخرى غير البرامج المطروحة منذ 1989 على الأقل وما تبع ذلك في عام 1994 إلى الدخول في "خارطة الطريق" و"آنابوليس" و"باريس"، كل ذلك وبمقدار التنازل الذي قدمته القيادة الفلسطينية في الوصول إلى حل مجحف في حق الفلسطينيين، إلا أن تلك الحلول لم تلاقي نجاحا أمام البرنامج الصهيوني الذي يسعى في ظل دعوات التشكيك في المقاومة وأداءها وفي ظل أوسلو إلى مضاعفة الاستيطان وتقسيم القدس، وإنهاء كل القرارات الدولية الخاصة بالصراع والاعتراف بيهودية الدولة على الأرض الفلسطينية وأمام تعقيدات المشكلة وتداخلاتها وبلغة يفهمها العالم يجب أن تركز السياسة الفلسطينية على نجاعة الحل الديمقراطي على الأرض الفلسطينية وفي مقدمة هدا الطرح عودة اللاجئين.
وربما برنامج منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مرتبط ارتباطا وثيقا بالبرنامج العربي السياسي الذي عبرت عنه المبادرة العربية التي تنص على أسلوب المقايضة، "الأرض مقابل السلام والتطبيع"، وأي أرض، إنها تمثل فقط 18% على أكثر تعديل من أراضي فلسطين التاريخية، وفي البرنامج الصهيوني الـ 18% تحكمها 650 حاجز ويعزل قراها "الجدار الفاصل" والمستوطنات ولذلك لن يتغير الموقف الفلسطيني ما لم يتغير البرنامج السياسي العربي، ولكي يكون الموقف الفلسطيني في رام الله له أساسيات من بوادر الأمل في تغيير أوراق اللعبة والصراع، يجب على النظام العربي سحب "المبادرة العربية" التي لن يستجاب لها وسحب اعترافها بـ"خارطة الطريق".
لقد ثبت أن المقاومة هي التي تضعضع كيان هذا العدو المغتصب للأرض الفلسطينية ولذلك يجب على العرب العمل على كافة الأصعدة المادية والمعنوية والإعلامية في دعم المقاومة الفلسطينية من أجل الوصول إلى انتفاضة ثالثة يستخدم فيها الشعب الفلسطيني كل وسائل المقاومة ضد الاحتلال، هذا الاحتلال المهتزة أركانه، المذعور والذي يستخدم هو وأميركا كل الأساليب من أجل احتواء الموقف العربي والموقف الفلسطيني من خلال السلطة في الضفة الغربية.
تعليق المفاوضات ليس هو المطلوب للشعب الفلسطيني الآن بقدر ما هو مطلوب تجميد كل البرامج التي تحاصر المقاومة والتحرك الشعبي في الضفة الغربية، المطلوب تجميد بل إنهاء التعامل بتطبيق البنود الأمنية في خارطة الطريق التي لم تكن إلا وسيلة لإجهاض مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وإضعاف عام للمقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية.
نحن بحاجة اليوم أمام القتل والدمار الذي تلحقه آلة العدو الصهيوني في قطاع غزة إلى مواقف متقدمة نحو وحدة وطنية حقيقية ووقف جميع الحملات التي تدعو إلى الشرذمة والعصبوية التنظيمية وإيقاف أعمال اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني التي بنيت على أساس الإنفراد في التمثيل لحساب تيار واحد يحمل أجندة دولية ويعتني بالأوراق الخارجية متخطيا الحسابات الداخلية.
إن "إسرائيل" تسعى اليوم من هجومها على قطاع غزة لتصنع تبويب لمرحلة جديدة تطمح من خلالها للقضاء على المقاومة الفلسطينية والحقوق الفلسطينية كمقدمة لبرنامج طويل وعريض يتوجه نحو لبنان وسوريا، وبمقدار صلابة المقاومة الفلسطينية والموقف الفلسطيني سيتوقف نجاح أو فشل الحملة الصهيونية التي تحمل عناوين جديدة ودلائل جديدة للصراع.
إنني أشك بأن القيادة الفلسطينية قادرة على أخذ خطوات حاسمة أو قادرة على أن تقطع مشوار في حسم الموقف لبرنامجها التفاوضي الذي بنيت أركانه على تأسيس مؤسسات تابعة للتمويل الغربي ومن لا يملك قوته لا يملك قراره إلا في حالة واحدة إلا إذا كان هذا القرار متمردا على الواقع وأداته حمل البندقية لإنهاء هذا الواقع التعسفي الاحتلالي للعدو الصهيوني.
مطلوب مراجعة لكافة الأوراق الفلسطينية التنظيمية والأمنية والعسكرية والإعلامية.
لا نريد قرارات ليس لها معنى وقرارات جوفاء لا ينجم عنها أي برامج لتعديل المسار النضالي والسياسي للشعب الفلسطيني، وكفى تلاعب بعواطف الشعب الفلسطيني، وكفى ابتزاز لما يلحق به من أضرار وجرائم في نابلس وفي غزة.
وعلى القيادة الفلسطينية إذا كانت صادقة في توجهاتها وشعورها نحو ما يلاقيه الشعب الفلسطيني من عمليات هيلكوستية صهيونية عليها وبشكل عاجل الإعلان عن سحب اعترافها بـ"خارطة الطريق" و"المبادرة العربية" وسحب اعترافها بأوسلو و"اتفاقية المعابر"، وعليها أن تعلن صراحة عن حل مؤسسات سلطة أوسلو التي لم يجني الشعب الفلسطيني من ورائها إلا الوبال والقتل وأسر للقرار السياسي والنضالي الفلسطيني.