صبحي عمر.. وادي الزعتر

بقلم: سليمان عوض إبراهيم

أعترف أنني قد أكون أقل أصدقائه معرفة به، فلستُ رفيق صِباً كذاك الأسمر الظريف المبتسم دائماً، ولم أرافقه في نزهاته إلى وادي الزعتر والقندول والشرب من النبع المعطر بعبق السريس.

أطول مسافة مشيناها معاً كانت من باب مكتبي إلى باب المصعد، لا أذكر حتى أنني ركبتُ معه في نفس السيارة، كنا نتحدث على الهاتف، ولكن ليس بالقدر الذي أتمناه الآن، ونتبادل يومياً العديد من الرسائل الإلكترونية، وفي نفس اليوم الذي تسلمت فيه رسالة الأخ حاتم في العاشر من مارس 2008، كنت قد أرسلت له ثلاث رسائل.

لا أدري حتى الآن كم يوماً مرَّ على وفاتك وأنا لا أزال أرسل لك كعادتي تغطية لأخبار الصحف الأمريكية والأوضاع الاقتصادية والمقالات التحليلية ورسائل شخصية، في ذلك اليوم كنت أُحدِّث نفسي قائلاً: بعد أن أنتهي من تصنيف ملفاتي سأتصل بك لأقول لك أني منذ فترة لم أستلم رسائلك التي تدعو للوقوف بباب الله أو التعرف على إعجاز القرآن الكريم أو تأخذني في جولة في شوارع وحارات وأسواق القدس القديمة، نعم، أنا لم أعرف صبحي كما عرفتموه، إلا أنني أحببته لأنني أحببته مذْ عرفتُه.

حاولتُ جاهداً أن أعيش حياتي صادقاً وصدوقاً، ولكنني كنتُ أجد نفسي دائماً أفتقر إلى البراءة التي تشع من مُحيَّاك والعفوية الصادقة التي تتحكم في كلامك وتصرفاتك مما دفعني إلى احترامك وتقديرك ومحبتك لأنك إنسان وأي إنسان، ولكنني لم أشعر يوما، حتى ولو للحظة واحدة، أنني أستحق كل هذا الهدوء والسكينة والطمأنينة والبهجة والمرح الذي أضفت إلى حياتي، وباستثناء أمي، لم أعرف أحداً غيرك يجعلني دون مقاومة أن أتخلى في حضرتك عن ذاك الشعور التقليدي الذي يلازمنا نحن اللاجئين بالحذر واليقظة عَلِّي أنهل قدر ما أستطيع من معين إنسانيتك وصداقتك ومحبتك وعفويتك.

يا أخي يا صبحي.. يضيق بي هذا الفراغ الذي تركتَ، يكبت أنفاسي ويكاد يغتال ذاكرتي التي عبثاً تحاول استعادة معالم وجهك أو ملامح ابتسامتك، كيف لهذا الصمت أن يصادر الكلمات قدرتها على التعبير لتقف اللغة عاجزة مستسلمة أمام نبل شخصيتك وعظمة بساطتك وشموخ تواضعك وبهاء وصدق عفويتك.

تغمدكَ الله بواسع رحمته وأسكنكَ فسيح جناته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.