علاء إلى العلا
سوسن البرغوتي - محررة وناشرة موقع (مبدعون عرب)
بغض النظر عن الجهة أو الفصيل الذي تبنى أو سيتبنى التنفيذ والتخطيط لعملية القدس الاستشهادية يوم الخميس الفائت، تبقى المدلولات والمؤشرات التالية هي الأهم:
أولاً - التأكيد على أن التحام الشعب الفلسطيني والتفافه حول خيار المقاومة أمر مبدئي ولا بديل عنه، أما مواصلة المفاوضات والشراكة مع العدو ومسيرة السلام الكاذبة فلن تثني عزيمة الشعب الفلسطيني بالإصرار على المطالبة بحقوقه الشرعية حتى تحقيق التحرير.
ثانياً - إن معاناة وأحزان وآلام الشعب الفلسطيني في غزة، وصلت إلى درجة لا تحتمل، صرخات وجع وألم لامست أسماع علاء الشاب الفلسطيني الحر الشريف، القابض على ثوابته الدينية والوطنية، أعلن بدمائه أن أهله في القطاع ليسوا وحدهم. فشراكة الدم تفرض على كل من يتشدق بانقسام الشعب الفلسطيني أن يعيد النظر وأن يسكت.
من القدس كبّر على جبل المكبر، لملم جراحه، وعزم على إعلان رسالته وصوته وقراره ليصل، وتقدم ليثبت للعالم وحدة الدم بين أفراد شعب فلسطين، وليدخل في موسوعة شهداء النضال الفلسطيني.
كان علاء يتألم بصمت لحصار قذر فرض الجوع على أهلنا في غزة، وكان يتألم على أطفال يوأدون ويدفنون وهم في أسرّتهم، وعذابات ثكالى وأرامل تستنجد بالعالم المنحاز لمنطق الغاب ولا من مجيب ولا من ناصر.
ثالثاً - إن هذه العملية البطولية تثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني سيخرج لمغتصبي أرضه وحقه من تحت الأرض غير آبه لا بالحواجز ولا بالجدار، وسيخترق الأماكن الأكثر تحصينا أمنياً. وهذا ما أثبتته العمليتان الأخيرتان، فعملية ديمونة نفذها شابان من الخليل، وعملية مدرسة تخريج قتلة ممنهجين ضد الشعب الفلسطيني في القدس نفذها شاب من القدس، والشهداء ليسوا من قطاع غزة.
أما النقلة النوعية في تنفيذ العمليتين، فهي دلالة واضحة على تطور قدرات المقاومة الفلسطينية، والاستفادة من التخطيط العسكري المنظم، لتحقيق القدرة على ضرب العمق "الإسرائيلي"، فديمونة في قلب المغتصبات "الإسرائيلية" الأكثر حراسة، والقدس - حسب إدعاءاتهم- عاصمتهم الأبدية وما يفرض ذلك من احتياطات أمنية.
رابعاً - مما لاشك فيه، أن العمليتين الاستشهاديتين وقصف المستوطنات الصهيونية، بصواريخ المقاومة، معتمدين على الله وطاقاتهم المحدودة في تصنيعها، لم تتوقف رغم الحصار الاقتصادي والسياسي، والتجويع المقصود لكسر إرادة النضال الفلسطيني، مما يعني إنهاء الهدنة، وأن أي هدنة مستقبلية، ستنظر "إسرائيل" إليها بعين الاعتبار من حيث التجاهل أو التغاضي أو الاستعلاء على وجود شعب بأكمله وحقه بالحياة، سيعيد الكرة مرات ومرات، وسيتلقى الضربات المقاومة مرات ومرات، وسيدرك أن المفاوضات إن لم تكن بفرض قوة المقاومة، فإنها ستؤدي إلى مآل مفاوضين أوسلو.
خامساً - عملية القدس، انتشلت العرب والمسلمين من أحزانهم وشعورهم باليأس والإحباط من أثر المجازر الهمجية اليومية، وأن شعباً قدم تضحيات عظيمة طيلة عقود، لا يمكنه الاستكانة أو القبول بحل دولتين أو مقايضة أرض فلسطينية بأخرى فلسطينية، رغم أنوفهم جميعاً.
ليس من المستبعد أن يكون للعملية أبعادها، بإجبار أنظمة "الاعتدال" العربي على سحب "المبايعة" العربية والتطبيع الشامل مع "إسرائيل" من أجل السلام!، الذي لم يكن يوماً مطلباً "إسرائيليا"، وإلا لما نشأ هذا السرطان في قلب الأمة العربية.
سادساً - "خربطة" كل طريق على ذكر "خارطة الطريق" تراهن على انهزام واستسلام الشعوب، وقد جاءهم بالأمس الرد واضحاً لا لبس فيه من ديمونة إلى القدس مروراً بجباليا وكافة مدن القطاع، وليس ببعيد أن يرفض شعبنا الأصيل في الداخل استلاب هويته العربية والإسلامية، وأن يوجه لهم صفعة أخرى، بعد تلك المدوية من الجنوب اللبناني، وضربات متتالية على رأس الاحتلال الأمريكي في العراق.
سابعاً - حق العودة والثوابت الفلسطينية، ليست حقيبة للمقايضات ولا ورقة مضاربات ومزاودات تضليلية، من أجل تخدير الشعب الفلسطيني بانتظار ولادة مسخ على حدود الـ67.
ثامناً - إن المد الجماهيري العربي، بمظاهراته ومساندته معنوياً ومادياً لصمود الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة، أتت أؤكلها. فالبيانات والمقالات والاحتجاجات والوقفات الرافضة لحصار غزة، إنما هي تعبئة جماهيرية، وعلينا أن لا ننسى أن في البدء كانت الكلمة، وأي ثورة في العالم، لا تخرج للنور إن لم يكن لها مفكريها وجنودها الإعلاميين من شعراء وأدباء ومحللين سياسيين وكتاب وأطفال يحملون الشموع، يضيئون العقول التي غابت عنها حقيقة أن سلطة عباس ـ فياض ليست وطنية ولا تخدم مصلحة الشعب والقضية الفلسطينية، ولا تختلف أبداً في المهام الموكلة لها عن حكومة المالكي المتربع على عرش مهلهل في بغداد، أو حكومة البكّاء والوارث في لبنان، وكلها بالمطلق لا تمثل ولا تعبر عن طموحات الشعوب ونضالاتهم.
بطبيعة الحال قوة التحرك الشعبي الأسرع نحو الأمام، ما تقرره وتنفذه المقاومة المسلحة على أرض الواقع، وهذا بحد ذاته إقفال أفواه وكسر أقلام المنددين بصواريخ (الألعاب النارية). ولا مجال للاختيار، فإما المقاومة بكل وسائلها وأسلحتها من القلم إلى الصاروخ، والتنظيم لتشكيل جبهة عربية سياسية تحمي المقاومة، ومشروع وطني متكامل يعمل على إيجاد قواسم مشتركة للجبهات العربية الأكثر احتداماً ومواجهة لعدو الإنسانية الساعي لتدميرنا وتشريدنا وقتلنا، وإما الخنوع وهو مرفوض بالمطلق.
من رحم المعاناة والشعور بالظلم والانتصار لأهله، وُلد علاء بطلاً سيخلده التاريخ في قائمة الشعوب المكافحة، وقد خرجت في لحظة استشهاده صرخة الحياة النابضة بالتضحية والوفاء.
يا ابن فلسطين الحرّة، أيها الشاب الأصيل، نم قرير العين، وستجد الآلاف إن لم يكن ملايين العرب والمسلمين، يحملون على كاهلهم مسؤولية إحياء القضية المقدسة التي آمنت بها، وستعود دورة الحياة وتتبوأ قضيتنا العادلة صدارة القضايا التحررية في العالم كله، ليس على الصعيد العربي وحسب.
وهنا يستحيل إغفال قدرة وصمود المقاومين العراقيين في تهشيم رأس الأفعى الاستعمارية، وسحق خارطة "الشرق الأوسط الجديد" تحت أقدامهم، ولا يمكن أن نوّلي وجوهنا عن انتصار المقاومة اللبنانية الإسلامية بسواعد عربية أصيلة في الجنوب اللبناني، وليكن هدفنا دحر المحتل وقهره، وطرد صناع برتوكولات آل صهيون من أرضنا ليعودوا من حيث أتوا، والقضاء نهائياً على كل أشكال الاستعمار المتخفي تحت أي قناع أو أي ذريعة أو شعار زائف، ومنع أي جهة خارجية دخيلة وطامعة وغاصبة من التدخل في شؤون بلادنا، إلى الأبد.
8/3/2008