هل نحن مضطرون لإقناع الغرب أم لإحياء مشروعنا الحضاري؟

سعاد خبية - سوريا

تكاثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث عن الأسلوب المناسب الواجب إتباعه لإقناع الغرب بعدم الإساءة إلى مقدساتنا وإلى رموزنا الدينية والتي من أهمها الرسول محمد (ص) وقد تداعت بعض الوسائل الإعلامية وبعض الشخصيات والمنظمات الإسلامية وبعض الأصوات المتأثرة والغاضبة من هنا وهناك للاحتجاج على هذه الإساءات بالوسائل المتاحة أمامها من دعاوى للمقاطعة الاقتصادية ومظاهرات ومقالات توضح مآثر الرسول الكريم ومزاياه وأخرى تدلل على إنسانية قيم ديننا الحنيف وو......

فهل كل هذا سيغير شيئا من نظرة الآخر لرسولنا ولقيمنا ولديننا ولإنساننا المسلم أو العربي؟

والسؤال هنا لماذا نريدهم أن يقتنعوا وبماذا؟ وماذا سيقدم لنا أو سيؤخر عنا رأيهم بنا أو شهاداتهم بحسن سلوكنا؟ وهل إقناع الآخر يكون بسلوك وأفعال أم بثرثرات وخطب؟.

ما أريد قوله إن كل هذه الأفعال اللا أخلاقية التي تقوم بها الآلة الإعلامية الغربية ومن ورائها اللوبي الصهيوني في العالم ليست سوى نتيجة يسبقها الكثير الكثير من الأسباب التي ليس أقلها غياب المشروع العربي الحقيقي على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي.

فإن كان جوهر الأديان جميعها هو الإنسان فأين الإنسان في مشروعنا وأين هومشروعنا بالأصل؟!.

هل إن دين الله بمستوى من الضعف يحتاج إلى بشر مثلنا لا يعرفوا كيف يدافعوا عن أنفسهم حتى الآن ليدافعوا عنه وهو دين فوق مستو البشر؟! وقد رسخ قيمه ومثله عبر مئات السنين ولن يقضي عليه تفاهة هنا أو ثرثرة هناك، فللدين بالطبع رب يحميه.

وإذا كنا نريد أن ندافع عن الدين أمام هذه الهجمة (السياسية) الشرسة فأننا نتجاهل في الوقت نفسه أو نتناسى أن جوهر هذا الدين كما كل الأديان هو الإنسان وهو من يجب علينا كبشر أن ندافع عنه وبذا ندافع عن جوهر ديننا، وليس بالخطب ولا بالكلمات مهما كانت فصاحتها، فالإنسان الذي كرمه الله وجعله خليفته على الأرض هو غاية كل هذه الحياة ومن أجله نزلت كل الأديان فكيف ندعي الدفاع عن الدين ونتجاهل عذابات الإنسان في أوطاننا وقد صمت آذاننا عن صراخ ثكالى العراق وأطفاله ورجاله وعميت عيوننا عن ضحايا المحارق في فلسطين و.. و.. و.

والحقيقة لست أفهم كيف أضحينا كأفراد ودول نرى كل هذا الهوان وكل هذا التهاون بإنسانيتنا ووجودنا وهويتنا ودمنا ونسكت وندعي في المقابل بأننا نريد أن ندافع عن دين هو أكبر بكثير من كل هذه الترهات.

لقد فقدنا بغض النظر عن ماهية قوميتنا أو ديننا احترام العالم عندما فقدنا احترامنا لأنفسنا عندما أصبحت لحومنا من غير ثمن، وقيمنا من غير ثمن، وأوطاننا من غير ثمن، ودمائنا من غير ثمن، وتضحياتنا الكثيرة من غير ثمن، عندما أصبح إنساننا كائنا من كان من غير ثمن، عندما لم يعد يحركنا أي انتهاك لحقوقنا أو لإنسانيتنا ولهذا تحول العرب إلى ملطشة لشعوب الأرض قاطبة بفعل أيديهم.

نعم لقد اعتدنا أن نحمّل وزر كل ما آلت إليه أحوالنا التعسة إلى أعدائنا كحكام أو محكومين لا فرق وقد صارت تلك أسهل وسائل الهروب لدينا وقد نأينا بأنفسنا عن تحمل واجب التغيير حتى أننا نسينا أنفسنا في زاوية عتمة كمن لا يملك أهلية أن يكون له من أمره شيء وهو في موضع الضحية العاجزة المستسلمة وقد ألفنا مع الزمن لعب هذا الدور وبكل جدارة حتى أضحى سمة من سماتنا الأساسية.

إن هذا الكلام ليس من قبيل جلد الذات كما يمكن للبعض أن يقول ولكنه من قبيل رؤية الأمور على حقيقتها فهل نطلب من أعدائنا أن يرأفوا بحالنا ويتخلوا عن مشروعهم القاضي بإلغائنا وإلغاء هويتنا ووجودنا كونهما يتنافيان ومشروعهم أم ندفع هذه الأمة إلى إعادة النظر في مسيرتها ومبرراتها الجاهزة ومشروعها الحضاري المنسي ونحدد المسؤوليات برؤية أكثر عقلانية وأكثر موضوعية.

لم يعد لدينا من الوقت الكثير فالطرف الآخر يسير قدما في مشروعه ويخترع كل يوم وسيلة جديدة لإرباكنا وتشتيتنا وشرذمتنا ونحن له طائعون؟؟!!

من المسؤول؟. وأين يكمن الخلل؟.

بالطبع الكل مسؤول الحاكم والمحكوم بغض النظر عن وسائل الهروب التي يتبعها كلم نهما. ويكمن الخلل الأساسي في أن أحدا لا يقوم بالواجب المترتب عليه وتضيع الجهود والتضحيات دون تحقيق أي حلم لأن من يقدم على تقديم هذه التضحية لا بد أن له حلم وهو تماما بيت القصيد فنحن لنا أحلام مشروعة وإنسانية ولكنها لا ترتقي لمستوى أن تكون أهدافا موضوعية ومحددة لخدمة مشروع متكامل توضع لها استراتيجيات وآليات عمل.

نعم لم يضحي شعب في العالم كما ضحى ويضحي أبناء العرب والمسلمين بصدق وإيمان ولكن السؤال لأي شيء كانت كل هذه التضحيات وما هو الهدف الأسمى الذي بذلت لأجله هذه الدماء وأعطيت هذه العطايا هل كان هدف واضح.

هل كان هدف ضمن مشروع متكامل للوصول بإنساننا إلى المستوى اللائق الذي نستحق بين الشعوب؟.

وللأسف نقول لا فكل يغني على ليلاه وكلما ازدادت التضحيات النفيسة ازداد الوضع سوء على الأرض، ولهذا أعود مرة أخرى لأقول لكل الذين يتعبون أنفسهم لرغبة في إقناع من لن يقتنع بأي مما نعتقد أو نقول لا تضيعوا جهودكم سدى فيما يراد لنا أن نضيع جهودنا فيه فيوم علينا أن نحلف بأننا لسنا إرهابيين! ويوم علينا أن نحلف بأن رسولنا ليس إرهابي! ويوم علينا أن نحلف بأننا ضد الإرهاب (الدفاع عن النفس)! ويوم علينا أن نتقاتل مع ذاتنا تحت دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان! ويوم علينا أن نذبح بعضنا بعضا بسكين ليس لنا، ويوم كذا ويوم كذا، وكل ذلك ليس إلا استنزافا لقدرتنا وجهودنا ووقتنا في الوقت الذي تقطع أجسادنا وبلادنا ولا تجد من يعترض.