احتلال العراق.. ذكرى أكبر جريمة في القرن الحالي
لم يكن غريباً على أحد أن يصف عضو البرلمان البريطاني عن "حزب العمال" جيرمي كوربين قرار غزو العراق بأنه جريمة ارتكبها رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، أو حتى كلام الكاتب البريطاني جيرمي صامويل الذي أكد "أن قرار بريطانيا المشاركة في الغزو أسوأ قرار في تاريخ السياسة الخارجية لهذا البلد منذ العام 1945".
الذكرى الخامسة لاحتلال العراق، تحل بعد أيام، والحصيلة مئات الآلاف من الضحايا العراقيين الأبرياء، ومثلهم من الجرحى، وملايين المشردين، والمعتقلين، والمهجرين داخل العراق وخارجه.
وبعد احتلال العراق ثبت بالأدلة الدامغة كذب الادعاءات الأميركية وزيفها، وثبت تضليلها وخداعها من خلال هزيمة سياسية قاسية لأصحاب المشروع العدواني تجلت حتى الآن في سقوط الكثير منهم وخسارة مناصبهم على نحو مهين كتوني بليرفي بريطانيا ودونالد رامسفيلد في الولايات المتحدة، وفي وقت تهيمن فيه التوقعات المتجهمة عن حالة الاقتصاد في الولايات المتحدة وبريطانيا الدولتين اللتين تتحملان العبء الأكبر من المسؤولية عن ذلك القرار الكارثي وغير المشروع، إضافة إلى تردي سمعتهما الأخلاقية وانهيار صورتهما وانتشار الكره لهما حول العالم.
ولكن ومع كل ما كشفت عنه السنوات الخمس الماضية من فضح الأكاذيب المتعمدة، والتضليل واسع النطاق، فإن القوى التي كانت خلف ذلك القرار الكارثي ما تزال تتمسك بادعاءاتها وتدافع عن مشروعها الفاشل، وما يزال الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك تشيني وهما الرمزان الأساسيان لهذه الحرب العدوانية في منصبيهما، وما يزالان مصرين على تبرير ذلك القرار ومواصلة انتهاج سياسة مشابهة في عدوانيتها حيال المنطقة تهدد بإيقاع المزيد من الكوارث، دون أن تقوى الديمقراطية العريقة في بلدهما على ممارسة أهم واجباتها، وهي المحاسبة، وما يزال العديد ممن دعموا ذلك القرار في حينه يسعون دون كلل إلى استنباط أساليب خداع جديدة في محاولة بائسة لحجب الحقائق الساطعة، وتجميل البشاعة المطلقة التي تمثلت في انتهاك القانون الدولي واجتياح دولة ذات سيادة دون مبرر، وتدمير بلد وتمزيق شعبه ورهن مستقبله لمصير غامض وتهديد استقرار المنطقة من حوله.
صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية قالت في افتتاحيتها إن الحرب جسدت انحرافا أخلاقيا منذ البداية في الوقت الذي سجل فيه مناهضو اجتياح العراق في ذكراه الخامسة ثبات موقفهم من خلال حضورهم الاحتجاجي في شوارع العديد من العواصم والمدن الكبرى عبر العالم للتنديد بالسياسة الأمريكية ومؤيديها، والتأكيد على مواصلة تحديهم لتوجهها العدواني والمطالبة بسحب فوري للقوات المحتلة من العراق وأفغانستان، ومعارضتهم القوية لشن أي حرب عدوانية جديدة على دول وشعوب المنطقة، واحتضنت عواصم أوروبية عدة وحتى مدن أميركية مشاركات شعبية واحتجاجات جماهيرية واسعة شارك فيها مئات الآلاف استنكار لاستمرار الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق.
وبينما كان عشرات الآلاف من البريطانيين يجوبون شوارع لندن وغلاسكو مؤكدين حكمهم الواضح على هذا الاجتياح بإدانته ومطالبين بملاحقة المسؤولين عنه ومن بينهم رئيسا الوزراء السابق والحالي بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كانت بعض وسائل الإعلام البريطانية ساحة نقاش مفتوح كصحيفة "التايمز" التي دعت لمناقشة إرث الاجتياح وما إذا كان يستحق التضحيات وكيف يجب تصنيفه فشلا أم نجاحا.
وكأن الحقائق الصارخة سواء في حجم الدمار الهائل الذي ألحقه بالعراق أو العدد المفجع للضحايا بين المدنيين أو خلق المناخ الملائم لتمزيق النسيج الاجتماعي لبلد آمن وإثارة النعرات الطائفية والإثنية بكل ما تحمله من تهديد خطير لاستقرار المنطقة والأمن العالمي والتكلفة الباهظة التي تكبدتها "قوات التحالف" سواء في تردي سمعتها الأخلاقية أو الخسائر البشرية والمادية التي تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، وتهدد حاليا الاقتصاد الأمريكي والبريطاني المرتبط به لا تكفي للحكم على طبيعة هذا الإرث.
وأثارت الدعوة لمناقشة نتائج غزو العراق وما إذا كانت نجاحاً أو فشلاً استنكار مارتين صمويل أحد كتاب صحيفة "الأوبزرفر" الذي وصفها بأنها "أمر لا يصدق بعد أن اتضح بما لا يقبل الجدل أن نتائج الغزو كانت سلبية بالمطلق وهو ما يوجب إغلاق النقاش لا فتحه".
وبعد أن أكد صمويل أن احتلال العراق كان كارثياً على المنطقة والعالم، ووصفه بأسوأ قرار في السياسة الخارجية اتخذ منذ الحرب العالمية الثانية، فقد لخص أسباب استنتاجه هذا من خلال سلسلة من الأسئلة وأجوبتها، أوضح من خلالها كيف فشل غزو العراق في كل أهدافه المعلنة، وقال، "الاحتلال لم يجعل المنطقة ولا العالم أكثر أماناً، ولم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق". أما الكاتب سايمون جنكنيز فلم يكتف بالتأكيد على فشل غزو العراق في تحقيق أي من أهدافه فحسب، وإنما كشف في مقال نشرته "الصنداي تايمز" "أن الاحتلال تحول إلى فخ سقطت فيه الدول المحتلة، وهي تبحث الآن عن مخرج يحفظ ماء وجهها، ولكن دون جدوى". وقال جنكينز" "إن هناك دلالتين بارزتين، تكشفان حقيقة وضع الاحتلال، الأولى هي تردي الخدمات العامة وعدم القدرة على تأمين التيار الكهربائي لبلد ثري بالنفط، والثانية هي عدم تجرؤ أي من قادة البلدين المحتلين الولايات المتحدة وبريطانيا على الظهور في شوارع البلد الذي يدعيان تحريره"، وأضاف "أن الوضع في أفضل حالاته قد يتلخص فيما قاله جندي أمريكي قبل فترة: "لقد حطمنا هذا البلد وعنفنا ولد العنف ولكننا لا نستطيع المغادرة إلا بعد أن نعيد تجميعه مرة آخر".
ويرى جنكنيز "أن إعادة تجميع العراق هو المعضلة التي تواجهها قوات الاحتلال، إذ لا أحد يعرف ما هي متطلبات القيام بذلك"، المعلق السياسي وعضو البرلمان البريطاني السابق ماثيو باريس أكد "أن المحافظين الجدد ومؤيديهم خسروا النقاش"، رافضاً بشدة دعوة بعض الكتاب من زملائه إلى "تجاوز الماضي وعدم إثارة النقاش الذي يتناول أسباب الاجتياح وأهدافه والاقتصار على مناقشة مستقبل العراق".
وقال "إن الحديث عن مستقبل العراق لا معنى له في ظل وجود قوات الاحتلال فيه"، مؤكدا "أن الغزو كان فكرة سيئة وأن مؤيديه مخطئون"، وأضاف، "إذا اتفقنا على ذلك فسيكون بوسعنا أن ندق المسامير في نعش الإمبريالية الأمريكية ونفصل سمعة بريطانيا وسياستها عن إدارة الرئيس بوش وأفكاره".
المصدر: "سورية الغد" – "سانا"
http://souriaalghad.net/index.php?inc=show_menu&id=2642&dir_id=39
تاريخ: 17/3/2008 تحليلات دولية