وقائع المهرجان التأبيني بمناسبة ذكرى الأربعين للرفيق المناضل راضي عدنان فرحات

بمناسبة الذكرى الأربعين لرحيل الرفيق المناضل راضي عدنان فرحات (أبو فادي)، دعا الدكتور عبد المجيد الرافعي، وحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي إلى احتفال تأبيني من أجل تكريم الراحل الكبير، في فندق الكومودور-بيروت، بتاريخ الأول من آذار 2008، حضره  ممثلون عن أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعدد من الشخصيات السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية، كما حضره الكادر المتقدم في الحزب.

افتتح عريف الحفل الرفيق حسين شعيب الاحتفال، وقدَّم الدكتور عبد المجيد الرافعي، الذي رحَّب بالحضور، ورثى رفيق دربه الطويل بكلمات مؤثرة، وتوالى على الكلام الرفيق سعد الله مزرعاني عن الحزب الشيوعي اللبناني، والرفيق توفيق مهنا عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكذلك الأخ خالد عارف عن منظمة التحرير الفلسطينية، وألقى الدكتور عصام نعمان، كلمة بالمناسبة، وتلا عريف الحفل برقية من الرفيق عزة ابراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، واختتم الحفل الدكتور فادي راضي فرحات مؤبناً والده الراحل شاكراً للحضور مشاركتهم بهذه المناسبة.

 

نص كلمة الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي

أيها الإخوة والأصدقاء والرفاق

غيّبت يد المنون، رفيقاً غالياَ، وصديقاً صافي القلب، رقيق المعشر، باراً بالوالدين راعياً حنوناً لعائلته، مناضلاً صلباً حتى آخر رمق من حياته، إنه الأخ العزيز راضي فرحات (أبو فادي) رفيق نضال تجاوز الخمسين عاماً، كان خلالها مثالاً للمكافح المؤمن بمبادئ البعث، بوجدانية ووعي، لم يفارقانه حتى في أشد الأوقات وأحلك الظروف.

يتملّك قلوبنا الأسى، وتملأ نفوسنا الحسرات، على غياب عزيز، عرفناه قوي البنية الجسدية، ولم نكن نقدِّر أن المرض سيفتك بهذا التكوين الشجاع، الذي ظل يجاهد دون أن يأبه بوطأة المرض، وواصل القيام بواجبه الحزبي كاملاً حتى الرمق الأخير، إنها إرادة الله، ولا رادَّ لمشيئته.

بغياب أبي فادي، إندكَّ ركنٌّ من أركان النضال، وهوَى طودٌّ شامخ، ظل منذ العام 1955 يكافح، غير هيّاب بالمصاعب، ولا تُقْعده العثرات، ولا تخطئ بوصلته عند النكسات والانقسامات، فبقي دائماً مع البعث الأصيل، مخلصاً للمبادئ، ولأنظمة الحزب الداخلية، ضارباً عرض الحائط كل محاولات الترغيب والترهيب.

لقد عاش أبو فادي، حياة الحزب بكل جوارحه، وجسّد قيمه الوطنية والقومية والاجتماعية، بسلوكه ونضاله، حريصاً على تنفيذ قرارات الحزب بعناية واندفاع وإخلاص وبأس شديد، دون أن تأخذه في الحق لومة لائم.

فإلى روح الرفيق الراحل، الذي ستبقى ذكراه حيّة في قلوبنا ووجداننا ويومياتنا أقول:

لقد فُجعنا بغيابك أيها الحبيب، ولفّنا الحزن من كل جانب، ولبس حزبك ثياب الحداد، لقد ارتحلت عنا في وقت نحن أحوج فيه إلى إيمانك ووعيك وحكمتك، في أيام نفتقد بها نضالك، وفي زمن تتكالب على أمتنا الأطماع وتنهش وطننا الأزمات.

ولكن، فليطمئن قلبك أيها الرفيق الكبير، فإن الرفاق يجددّون لك العهد، أنهم باقون أوفياء للقسم الذي أدّوه لحزبهم ولأمتهم، في سبيل تحقيق المجتمع العربي الديمقراطي الحر الموحّد، مؤكدين إصرارهم على تحرير كل شبر من تراب الوطن المغتصب، في لبنان والعراق وفلسطين، مصممين على العمل الوحدوي المشترك مع كل الطاقات الخيّرة في هذه الأمة، بعيداً عن كل تمحور أو اصطفاف يخدم أعداء الوطن ومشاريعهم ومخططاتهم.

نطمئنك أيها الرفيق العزيز، أن حزبك في لبنان سيبقى في طليعة المدافعين عن استقلال هذا البلد وحريته وعروبته وتقدمه، وحقوق مواطنيه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، دونما تمييز بين انتماء ديني أو مذهبي أو إيماني أو مناطقي، وسيبقى الرفاق، كما كنت أنت في طليعتهم، الدعاة الصادقون لوحدة الصف الوطني الواحد، والمتصدُّون الشرسون لكل ما يتعرض له الوطن من محاولات شرذمة وتمزيق وفتن، التي يعمل الأعداء على إغراقنا بها بهدف إنجاح مشاريعهم الاستعمارية الصهيونية، الرامية إلى فرض سيطرتهم على مقدراتنا وقراراتنا المستقلة، قومياً ووطنياً، من خلال "سايكس-بيكو" متجدد، يفتت الوطن الواحد إلى أوطان، والأمة إلى أمم.

وفي العراق، حيث كان هاجسك على الدوام، حرية هذا القطر ووحدته ورفعته وعزّته، والحفاظ على المكتسبات الثورية والقومية والوطنية التي حققها الرفاق البعثيون بكل جدارة واقتدار، فإن كل المعطيات الميدانية تقول جازمة: أن قضية تحرير العراق وإعادة توحيده هي اليوم هاجس رفاقك البعثيين، وكل أحرار العالم، في العراق وخارج العراق، وحيثما تعلو راية تحرر واستقلال ضد مغول العصر الجدد، الذين ينتحرون على أسوار بغداد، كما تنبأ لهم الرفيق الشهيد صدام حسين، وأن مقاومة الرفاق وسائر الأحرار في العراق للمحتلين الغزاة، تتعاظم وتقوى، بالرغم من كل محاولات الالتفاف عليها وإضعافها، من قبل العملاء والخونة والمرتبطين بمصالح أعداء الأمة.

أما فلسطين المُغتصبة التي أحببت قضيتها حتى العشق، أيها الرفيق المناضل، وبقي قلبك يخفق لها حتى الرمق الأخير، فإننا لواثقون أن الشعب المجاهد، الذي بقي مثالاً للعنفوان ومقاومة المحتل على مدى عقود طويلة من الزمن، لهو قادرٌ اليوم، على تجاوز ما يعترض مسيرته من محاولات أميركية-صهيونية لإلهائه بالصراعات الداخلية الثانوية، وإن كافة القوى الفلسطينية تدرك اليوم ما يجري، بهدف تصفية قضيتها، وهي بالتالي الأقدر على تجاوز خلافاتها وإعادة بناء جسور الثقة فيما بينها، وتغليب تناقضها الرئيسي مع العدو الصهيوني، على أي تناقضٍ آخر، وهذا ما نعوِّل عليه، ويعوِّل كل مخلص وغيور، على فلسطين وقضيتها وشعبها ومقاومتها.

وإن دماء أطفال غزة ورجالها ونسائها، التي تراق اليوم على أيدي الصهاينة، والإبادة الجماعية التي يتعرضون لها، كفيلة لوحدها بأن تستصرخ ضمائر الجميع في فلسطين وكل أبناء الأمة، لأن يتحدوا ويتناسوا خلافاتهم، ويتذكروا أن العدو الصهيوني ماضٍ في تنفيذ مخططاته بكل  الأساليب الوحشية والتي لا يمكن مواجهتها إلا بنضالنا الموحد في فلسطين وكل أرجاء الوطن العربي.

 

أيها الحفل الكريم

بالعودة إلى لبناننا الحبيب، وأمام ما تشهده البلاد من أوضاع مأزومة، فإننا في حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، ما زلنا ننظر بعين الحذر والقلق للتأجيل المتكرر لعملية الاستحقاق الرئاسي، لما لذلك من خطورة على الوضع الداخلي العام، وانعكاساتها على الوضع العربي برمته.

ويزيد من هذه الخطورة تتالي الضغوطات الخارجية التي بدأت تتوضح وتتكشف مخططاتها، وما التحرك المشبوه للمدمرة الأميركية "كول" باتجاه مياهنا الإقليمية، يتبعها سفن حربية أخرى، سوى عيّنة عن المدى الذي من الممكن أن تصله التدخلات والتهديدات، استكمالاً للمخطط الأميركي-الصهيوني لوضع اليد على الوطن العربي والمنطقة بكاملها.

ومن على هذا المنبر، ندعو كافة القوى السياسية اللبنانية إلى التعجيل في التوصل لإنجاز الاتفاق الوطني، بعيداً عن الارتهان للخارج، وإرساء هذا التوافق على قاعدة وحدة لبنان، ووحدة مؤسساته وفي طليعتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والانكباب على إيجاد الحلول الناجعة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أُغرق فيها اللبنانيون، ولاسيما الطبقات الفقيرة والمحتاجة، ولم تعد الأمور تحتمل التأجيل، وإن كل تدعيم لوحدة البلاد وشعبها وجيشها وقواها العسكرية والأمنية، يجب أن يتم تحصينه بالقرار السياسي اللبناني الجامع والشامل، شعبياً وسياسياً ودستورياً.

في الختام، إلى رفيقنا راضي فرحات (أبو فادي) أقول: رفيقنا وفقيد حزبنا ووطننا وأمتنا: لئن غاب عنا جسدك، فستبقى ذكراك محفورة في قلوب رفاقك ومحبِّيك وعارفيك، وسيظل صوتك الهادئ ينساب إلى مسامعنا، كأنه الآن، تارة صادحاً في جلسات الأنس، وطوراً نفَّاذاً حين يجد الجد.

وإلى عائلة الرفيق العزيز، إن خسارتكم كما خسارتنا بالفقيد الغالي لا تُعوَّض، مع تسليمنا بقضاء الله عز وجل، فإنني أكرر لكم أن الحزب الذي هو عائلة أبي فادي الكبرى، سيبقى عائلتكم وحضنكم الدافئ، تماماً كما كان أبو فا دي، الحضن الدافئ للرفاق، والحريص على الحزب حرصه على فلذات أكباده.

رفيقي الحبيب أبو فادي، أتمنى أن أكون قد أوفيتك بعض حقك في هذه العجالة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

كلمة منظمة التحرير الفلسطينية

وألقى الأخ خالد عارف كلمة منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا أهم ما جاء فيها:

الأخوة حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

أيتها الأخوات، أيها الأخوة

على درب النضال الطويل الذي اخترناه، نلتقي اليوم لتكريم مناضل فذ، عروبي، قومي، سار واختار الدرب الصعب، درب الأبطال والمناضلين، درب التحدي والعنفوان.

أبو فادي (راضي فرحات)، ابن الضاحية المجاهدة، ابن البرج الصامد، اختار طريق النضال منذ نعومة أظافره، التزم الفكر النضالي القومي في حزب البعث مؤمناً بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، واكب أبطال الثورة الفلسطينية، عايش الشهيد الرمز ياسر عرفات ومهندس الانتفاضة أمير الشهداء أبو جهاد الوزير، كان يرى في فلسطين القضية المركزية فعاشت في عقله وفكره ووجدانه.

مناضل كادح من الطبقة العاملة، ناضل معها ومن أجلها في كل الظروف والمحطات، لم يهن عزمه رغم كل الصعاب، عايش الثورة الفلسطينية وعاش معها، ومع مقاتليها قوات العاصفة والقوات المشتركة في الجنوب المقاوم.

كان عضواً مؤسساً في جبهة التحرير العربية إيماناً منه بأن القضية المركزية العربية هي فلسطين ومقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي الإمبريالي في المنطقة الذي يهدف إلى تحطيم الحلم القومي العربي، من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى كامل الوطن العربي،  والمعركة واحدة من غزة هاشم إلى نابلس جبل النار، إلى لبنان شبعا والهبارية وبنت جبيل، إلى العراق بغداد قلعة الأسود، نقاوم هذا المشروع بكل قوة وإرادة.

رغم المشهد المؤلم والحزين الذي نراه اليوم في غزة هاشم وهذا الحقد الصهيوني الذي يمارس وما زال يمارس القتل والدمار والمجازر لشعبنا الفلسطيني في غزة والضفة أمام أعين العالم العربي والإسلامي والدولي دون حراك وكأن الحمية قد ماتت والشعور لم يعد له وجود، نقول لهذه الأساطيل التي تقرقع أنها لن تخيفنا ومصيرها كمصير سابقاتها، فنحن في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة (فتح) طريقنا واضح وأهدافنا واضحة، حرصنا على المشروع الوطني الفلسطيني والحفاظ على ثوابته الوطنية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين، وعلى الذين خرجوا عن الإجماع الوطني الفلسطيني أن يعودوا عن "انقلابهم" وعليهم الالتحاق بالركب الوطني الفلسطيني وبالشرعية الفلسطينية، وعلى هذا الأساس نحن قبلنا ورحبنا بالمبادرة اليمنية وعلى (حماس) أخذ خيارها لمواجهة العدو الصهيوني الذي يقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا ويدمر مقومات الحياة لدينا، فقط بالوحدة الوطنية نقاوم كل المشاريع الصهيونية.

سنبقى في لبنان جسر محبة مع الجميع وحريصين على الاستقرار والسلم الأهلي وعلى أن يبقى لبنان موحداً ومنارة لهذه الأمة قومياً عروبياً قلعة صمود في وجه كل المشاريع المشبوهة.

عهداً لك أبا فادي أن نبقى على العهد الذي قطعناه مع الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه الرئيس أبو مازن... أن نستمر بالنضال والثورة حتى تحقيق أهدافنا الوطنية بالحرية والاستقلال والعودة، وأن نبقى بجانب الشرفاء والأحرار في العالم.

تحية إلى شعبنا الفلسطيني الصابر الصامد الذي يواجه المجازر والحصار..

تحية إلى لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته..

تحية إلى روح المناضل راضي فرحات (أبو فادي) والى كل شهداء الأمتين العربية والإسلامية..

وإنها لثورة حتى النصر

 

كلمة الحزب الشيوعي اللبناني

وألقى الرفيق سعد الله مزرعاني كلمة الحزب الشيوعي اللبناني:

المناضل الفقيد الكبير راضي فرحات

لقد شاءت ظروف متلاحقة أواسط الثمانينات، أن تنقطع صلتي المباشرة بالمرحوم أبو فادي، إلا أنني احتفظت له دائماً بأطيب ذكرى، هو واحد من الذين جعلوني، بشكل مباشر، أكسر أحياناً حلقة العصبية الحزبية، تلك التي كانت تحاول تكريس حواجز وحدود بين الأحزاب والجماعات، فتجد الخير كله في مكان والشر كله في المكان المنافس، إن احتمال وجود، بل واقع وجود مناضلين في حزب آخر، بات أمراً فعلياً، وطرح على أن أذهب أبعد في هذه المعادلة، إن احتمال وجود نسبة من الحقيقة، تكبر أو تصغر، في خيارات ومشاريع سياسية أخرى، بات أمراً ممكناً هو الآخر.

التعامل مع الآخر، المناضل، هو مسألة لم تحصل كما يجب أن تحصل، في سياق حقبة طويلة من التاريخ العربي، المعاصر، والخسائر لم تحصل فقط بسبب تفويت وخسارة عناصر قوة ممكنة وضرورية، بل أيضاً بسبب الطابع السلبي الذي ميز، بشكل عام العلاقات، وما رافق ذلك من صدامات مؤسفة بلغت أحياناً حد التصفية أو الرغبة في تحقيقها.

هل لنا في ذكرى هذا المناضل الذي كانت بوصلته تشير دائماً إلى ما هو مشترك في مواجهة الأعداء والمتربصين والطامعين والغاصبين، هل لنا أن نفتح سجل المراجعة وإعادة التقويم، لا أعني جهة دون سواها، وليس الأمر شيئاً من الماضي، حتى يحل عليه التسامح ويسقط بمرور الزمن، إن وحدة القوى المناهضة للمشاريع الأميركية والصهيونية والرجعية، هي مهمة راهنة في ظروف تجدد الهجمة، وبعد أن بات لنا أكثر من فلسطين في عالمنا العربي وبعد أن باتت ثرواتنا ومصالحنا ومصائرنا مهددة بأفدح الأخطار.

لا تستقيم وحدة للقوى بغير ثقافة الاعتراف بالآخر، أي بساطة، بغير ثقافة الديمقراطية، هذا الاستنتاج السمين يستدعي وقفة مع تجاربنا السابقة، وهذه الوقفة ينبغي أن تكون جريئة وصريحة وقاسية حتى أحياناً، فمن أجدر من المناضلين، وفي سبيل خدمة قضايا أمتهم وشعبهم ووطنهم، بتجاوز الثغرات والأخطاء والسلبيات. في ظروفنا الراهنة، بات هذا الأمر مقياساً لصحة المسيرة وللقدرة على القيام ببعض الواجب، إذا تعذر القيام بالواجب كله.

وعدونا لا يرحم، وهو رغم قوته وجبروته، يقيم الأحلاف والجبهات ويحشد القوى، يذلل العقبات، يلغي إذا استطاع التناقضات، كل ذلك من أجل أن يمتلك أسباب انتصاره التي هي أسباب هزيمتنا في الوقت عينه.

نشهد لفقيدنا الكبير أنه كان بسلوكه دائماً وحتى وبصمته أيضاً، يشير إلى صحة الطريق، أحببناه، شعرنا بالمناضل العام فيه الذيه هو أقوى من الفئويات والتنافس المريض. واليوم إذ نشعر بالغصة مع عائلته ورفاقه لغيابه، فعزاؤنا في استحضار أثمن ما فيه: نضاليته المجردة ودأبه وروح التعاون والعمل الجبهوي المخلص والصادق والضروري.

 

كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي

ألقى الرفيق توفيق مهنا كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي:

في زمن يتساقط فيه ضعفاء النفوس بين الإملاء والإغراء، في زمن يتكاثر أشباه الرجال ويملأون مسرح حياتنا العربية.

في زمن يسود فيه لصوص الهيكل ويتبحَّر فيه أنسال السفارات الأجنبية، وخريجو ثقافات الاستتباع  والهزيمة والتيئيس والتطبيع.

في زمن تختلط فيه القيم والمفاهيم والسلوك إلى حد تزوغ فيه الرؤيا، ويغشى البصر والبصيرة طبقات من الضباب، وتشهد فيه حالات التلوث والتشوه الفكري والنفسي والمناقبي فيصبح الخائن "بطلاً وطنياً"، وجوقة المأجورين "رموز حرية وديموقراطية"، وتجار الدم في الحروب الأهلية، "مرجعيات" لها قداسة، والجهلة من الحكام العرب المارقين من عروبتهم والمرتهنين لحراس ممالكهم وقصورهم وحصونهم، هم رواد هذا الزمن الرديء.

في مثل هذا الزمن، يطل عليك راضي فرحات، حياً، أو فقيداً، مثال رجل التزم نهجاً، واعتنق عقيدة، وارتضى حياة، وتكبد مشقات وعذابات، وآمن بحلم وطموحات ومضى، مشهراً إيمانه وأفكاره وكل نضالاته يشق طريقاً عربية، لا يسلكها إلا الأحرار، ولا يبقى صامداً ورابضاً في مندرجاتها، إلا كل عربي حر، وكل قومي صادق، وكل مقاوم عنيد.

عرفته، قيادياً في حزب عريق، وترك بصمات لا تنسى في مسيرة نضاله، داخل حزبه أو في التحالفات السياسية.

هكذا كان في بيروت، وهكذا كان في بغداد، راضياً بقناعاته، فرحاً بالتزامه صادقاً في الدفاع عن مبادئه، وفياً، سموحاً، هو مثال الحزبي الملتزم، ومثال الرجال الذين تفتخر بهم حركات التحرر.

أيها الأحبة

راضي فرحات القومي العروبي، مساحة نضاله لم تعرف كيانات "سايكس بيكو" ولعنتها القاتلة.

من لبنان إلى العراق، شده الحلم القومي، وكما دافع عن لبنان، في وحدته وعروبته ومقاومته، وقف حياته يدافع عن العراق الحبيب، عن بلاد الرافدين، في حضارتها وعنفوان شعبها وإباء قيادييها الذين يهزأون من جلاديهم، ويقهرون أعداء العراق، من ساحات المقاومة إلى حبال المشانق.. ولا يسألون عن جسد بال بل عن نفس عزيزة، وعراق حر، وعروبة متحررة، تحية إلى أرواحهم.

وتناول الوضع السياسي على الصعيد القومي، فاعتبر أن المعركة القومية هي واحدة من فلسطين إلى بغداد إلى بيروت، لأنها معركة في حرب مفتوحة ضد الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي، وان من يقف مع أميركا في لبنان هو عدو لبنان وعدو فلسطين وعدو العراق، ومن يقف مع أميركا في العراق هو عدو العراق وعدو لبنان وفلسطين.

وعن هوية المقاومة، قال، ان هويتها ليست طائفيتها ومهما كانت ولا مذهبية مهما كانت، بل هويتها مستمدة من الدم على مذبح الوطن، ومن الكرامة في مقاومة الأعداء.

واستطرد قائلاً: "إن معركتنا هي لصيانة الهوية العربية لهذا العالم العربي قبل ان يزول عنه وهي من أجل الديمقراطية النابعة من صلبنا، من ثوابتنا من ثقافتنا، من جوهرنا، لا المفروضة بالبوارج والأساطيل وقاذفات الموت، وشدد على أن المعركة هي من أجل فلسطين، كل فلسطين، أرضاً وشعباً وحضارة، تاريخاً وانتماء، وهي من أجل عراق جديد سيادته مصانة وثروته لأبنائه وأبناء أمته، وتساءل هل ما زالت فلسطين في ذاكرة الحكام العرب؟؟.

وتطرق إلى الوضع في العراق، فقال أن العراق سقط تحت الاحتلال بتواطؤ عربي مكشوف من بعض الأنظمة العربية، وقد ظن الأميركيون وعرب أميركا، أن تصفية النظام السياسي في العراق سيمكنهم من بناء "شرق أوسط" جديد على أنقاض العراق، وأن راية العروبة وهوية العراق القومية ستجتث مع "اجتثاث البعث" من النظام أو من الحياة السياسية والشعبية العربية، لكن بعد خمس سنوات، ها هي المقاومة العراقية ترسم معالم نظام عربي جديد وصورة "نظام شرق أوسطي جديد" وحتى صورة عالم كوني جديد.

واعتبر أن سقوط النظام في العراق لم يعن أبداً نهاية حرب بل بداية حرب ومقاومة.

وختم بتوجيه التحية إلى المقاومة العربية وصاحب الذكرى، داعياً إلى وحدة كل القوى ومقاومة شاملة بالسلاح وكل الأشكال، مقاومة تكون قادرة على اختراق بنى الاحتلال وأحزمة الأمن السياسية والعسكرية التي يحاول أن يختبئ خلفها، وأننا لسنا بحاجة إلى عودة المدمرات الأميركية لشواطئنا لندرك أن أميركا ليست عدواً لشعبنا في العراق وحسب بل هي قوة احتلال واستعمار أيضاً.

 

كلمة الدكتور عصام نعمان

ألقى الدكتور عصام نعمان كلمة أبَّن فيها الرفيق المناضل راضي عدنان فرحات.

وبعد أن استعرض جزءاً من نضالات الفقيد الكبير، وميزاته النضالية، أردف قائلاً:

إنه بوحي كل مناضل منكم نرى أن هناك بداية لكارثة تستهدف الأمة كلها، الأمر الذي يوجب دعوة القوى الحية، القوى الوطنية والقومية والإسلامية، إلى اجتماع للقوى اليسارية والوطنية، وإعلان ثلاثة أمور:

1 - دعوة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج إلى تحرك كبير، من أجل غزة وفلسطين والأمة، بمختلف الأشكال التي تراها ممكنة لإشعار العالم بأن غزة المستهدفة هي رمز للأمة كلها.

2 - دعوة قوى المقاومة المناضلة إلى اعتبار ما يجري في غزة موجز عن الحرب المفتوحة التي يخوضها الشعب العربي مع الكيان الصهيوني، ومع الإمبريالية الأميركية.

3 - اعتبار الحدود العربية حدوداً مفتوحة أمام المناضلين الذين امتلكوا إرادة المواجهة ضد التحالف الأميركي – الصهيوني.

4 - دعوة الفلسطينيين إلى إحياء الوحدة النضالية الفلسطينية، واعتبار العدوان على غزة حرباً أميركية، لا تمكن مواجهتها إلاَّ بالوحدة الوطنية والقومية.

 

كلمة الدكتور فادي راضي فرحات

وألقى الدكتور فادي فرحات كلمة العائلة التي جاء فيها:

الدكتور عبد المجيد الرافعي

رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي المحترم

السادة ممثلو الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية المحترمون

أخواتي وإخواني

أيها الحفل الكريم

- وأنا أسكب على وريقة كلماتي، سال دمعي، فوجئت أن جف دمع قلمي،

- ناديته ما الخبر؟ أن أبك يا قلم، على فراق حبيب وعزيز وصديق وخليل. أجاب متنهداً، ألا تدري أن المناضلين لا يبكى عليهم، لأنهم يبقون أحياء في وجدان أمتهم وفي ذاكرة أصدقائهم ومحبيهم ورفاقهم.

صدق قوله، لأن هذا ما لمسناه نحن العائلة، من والدتي الحبيبة، ورفيقة دربه الغالي إلى أخواتي وكل الأقارب والمقربين.

- إن الدفء الذي غمرنا به والعاطفة الجياشة التي أحاطنا بها، كانت خير مواساة لنا بفقدان الوالد العزيز الذي تربينا في كنفه على ثوابت ومنظومة قيم وطنية وإنسانية وأخلاقية، من حب الوطن واحترام الآخر، والتواضع في التعامل، والتعالي عن الصغائر، وعزة النفس في لحظات الحرج، والتمسك بالمبادئ في المواقف.

- يوم فارقنا الوالد الحبيب، عجل الرحيل في لحظة، لم نكن ننتظرها، فكانت لحظة صعبة، وما أصعبها لحظة ترقب وانتظار، يومها شعرنا بالحس الإنساني الذي يخالج نفس كل إنسان يفجع بغال وعزيز، وظننا أننا دخلنا مرحلة يتم أبوي،

هذا الشعور لم يخامرنا طويلاً، لأن الحضن الدافئ الذي اتكأنا عليه ضخ عاطفة ارتقت إلى مستوى حنو الأبوة.

هذا لمسناه بكل رفيق وكل صديق وكل محب لفقيدنا، الذي افتقدناه وإياكم، فكان أسى الفراق ومرارة الألم النفسي مشتركاً، وهذا ما جعلنا، نعي يقيناً أن أبا فادي الذي فارق جسداً، بقي وسيبقى حاضراً في كل تفاصيل حياتنا وحياة كل من عايشه عن قرب، إن في رحيله أو في ترحاله الذي أملته الظروف التي أحاطت بوضعه الخاص في شخص هو وضع العام في الحزب الذي عاش ردح حياته الأكبر يناضل في صفوفه، ومات وهو فخور بانتمائه لحزب كان رفاقه فيه مؤسس البعث الأستاذ ميشال عفلق، والقائد الشهيد صدام حسين، وكل رفاق الدرب الذين قضوا في مسيرة النضال التي ارتضاها لنفسه، وكل الذين يكملون المسيرة لتحقيق الأهداف التي آمن بها.

 

أيها الحفل الكريم،

لقد رحل والدي راضياً مرضياً، وفي هذه الإحاطة الكريمة من قبلكم ومن كل محبيه وكل من عرفه وتعرف عليه، تولد لدينا الإدراك العميق، بأن ما غرسه الوالد العزيز، نحصده اليوم، وهذا خير تركة أورثها لنا كي نبقى نعيش على رصيدها المعنوي لديمومة ذكراه كحالة رمزية وضميرية لنا.

فبهذه المناسبة التي لا شك أليمة كشعور إنساني يخامرنا، أتوجه إلى أمي الحبيبة، وإلى أخواتي، وكل الأقارب، لأقول لهم إننا وإن افتقدنا العزيز الغالي، إلاَّ أنه لنا، في كل رفيق للوالد العزيز أخاً أكبر، وأخص رفيق مسيرته الطويلة الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي، ومنذ اللحظة الأولى للحادث الجلل، غمرنا بعاطفة أبوية فكان مع سائر الرفاق والأصدقاء خير معين لنا في المصاب الأليم.

باسم أمي الحبيبة، وباسم أخواتي وكل أقاربي وباسمي، أتقدم بالشكر الجزيل منكم لتكريمكم الأب والأخ والصديق والرفيق ولمواساتكم لنا بفقيدنا العزيز، معاهدينكم أن نبقى أوفياء لسيرته الذاتية ومسيرته النضالية متمنين للجميع، لكل من شاركنا هذا الشعور العميق بالأسى دوام الصحة والعافية وطول الحياة والسلام عليكم.

 

شكر على تعزية بوفاة الرفيق المناضل

راضي عدنان فرحات

(أبو فادي)

لقد تلقت عائلة الفقيد الكبير، والدكتور عبد المجيد الرافعي، وقيادة حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، مئات البرقيات والاتصالات الهاتفية معزين بالفقيد الرفيق المناضل راضي عدنان فرحات، وفي المقدمة منهم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والرفيق عزة ابراهيم الأمين العام للحزب، وقيادات الحزب في معظم الأقطار العربية، وعدد كبير من الرفاق والأصدقاء، ولذا توجهوا إليهم جميعاً بالرسالة التالية:

الدكتور عبد المجيد الرافعي، رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

قيادة الحزب

عائلة الفقيد

يشكرون جميع الذين واسوهم بوفاة فقيدهم الكبير

نائب رئيس الحزب الرفيق المناضل

راضي عدنان فرحات (أبو فادي)

من رؤساء حكومات سابقين ووزراء ونواب حاليين وسابقين، وقضاة وهيئات حزبية ونقابية، وممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني من بلديات وهيئات اختيارية وأندية رياضية واجتماعية وثقافية، وشخصيات مهنية واجتماعية وأصدقاء الفقيد ومعارفه، إن بحضورهم أو بالاتصال الهاتفي والبرقي ورسائل الانترنت، ويخصون بالشكر الجمعية الإسلامية للتخصص والتوجيه العلمي.

سائلين الله ألا يفجعهم بغالٍ أو يصيبهم مكروه.