الطابور الخامس في الذكرى الخامسة
طاهر العدوان *
بعد أيام، في العشرين من آذار تمر الذكرى الخامسة لأبشع جرائم القرن الحادي والعشرين، إنها جريمة غزو العراق واحتلاله وتدمير دولته وإشعال نار حروب فيه لا تزال قائمة رغم أنها أودت بحياة أكثر من مليون عراقي وشردت وهجرت أربعة ملايين.
في العالم الحر والديمقراطي، الذي يشعر فيه الإنسان بأهمية كرامة البشر بدأت المظاهرات المنددة بالحرب تسير في الشوارع منذ الأحد الماضي، شوارع لندن وباريس وروما وفي شوارع المدن الأمريكية، بعد هذه التظاهرات كما في الولايات المتحدة تسعى إلى وضع حد لقتل أبنائهم من الجنود الأمريكيين بينما عشرات آلاف منهم أصبحوا ذوي عاهات من إصابات الحرب الدائمة.
وبعض هذه التظاهرات كما في لندن والمدن الأوروبية والاسترالية والآسيوية تريد إظهار تنديدها بهذه الحرب جملة وتفصيلا، وإشهار الجرائم ضد العراقيين وتحميل الزعماء المسؤولية عنها، ابتداء من بوش وانتهاء ببلير وهاورد وذلك الذي كان يحكم اسبانيا.
في العالم العربي، لا شيء من هذا يحدث، لا تنديد وتظاهر، لا غضب ولا يحزنون، وكأن العراق ينتمي إلى أوروبا وليس إلى أمة الضاد، وكأن قتلى العراق هم مجرد أرقام في فيلم هوليودي طويل!!
الأنكى من ذلك، أن صانعي الحرب أرادوا، أو تعمدوا، أن يصفعوا العرب في هذه المناسبة، مثل ما حدث في رواية الجريمة والعقاب لدايستوفسكي حيث يعود المجرم إلى مسرح جريمته ليطمئن بأن الضحية لم تعد إلى الحياة من جديد، وبأنه لا يزال حرا طليقا بعيدا عن ملاحقة العدالة.
هكذا نفهم جولة نائب الرئـيس الأمريكي تشيني في المنطقة أحد أرباب الحرب على العراق، كذلك زيارة جون ماكين المفاجئة لبغداد، هذا المرشح الجمهوري الذي يضع على رأس برنامجه الانتخابي إرسال المزيد من القوات إلى العراق لأنه يؤمن بأن على أمريكا أن تذل الشعوب وتمرمغ كرامة العراقيين والعرب بالوحل من أجل النفط و"أمن اسرائـيل".
إذن، العرب وحدهم بين أمم الأرض لا يغضبون ولا ينددون في ذكرى هذه الحرب التي قامت على هرم من الأكاذيب، ولسان حالهم - أي العرب – "ما لجرح بميت إيلام".
أفظع من الحرب على العراق، ما جرى للوعي العربي الذي تعرض لقصف متواصل من وسائل إعلام وصحافة عربية زينت الاحتلال بأنه (رحلة الغرب الحضاري من اجل نشر الديمقراطية في العراق والشرق الأوسط)، زينوا القتل الجماعي بأنه عملية جراحية لا بد منها للنهوض بالأمة، كما أنهم (تفّهوا) كل كلمة أو موقف يتصدى للحرب أو ينتقدها، زاعمين بأن العرب أسرى ذهنية المؤامرة.
لقد باع هؤلاء انتماءهم القومي وكرامتهم وإنسانيتهم بأرخص الرخيص، ومن دون الإشارة إلى هذا الطابور الخامس والتنديد به لا معنى لأي تنديد بجريمة غزو العراق في ذكراها الخامسة.!
* رئيس تحرير (العرب اليوم) الأردنية 17/3/2008