العراق: شعب متخصص بإسقاط المعاهدات
طاهر العدوان *
بعد خمس سنوات من احتلال العراق لا تزال الحرب مستمرة، وهذا يسقط احد المزاعم التي ارتكز عليها الاحتلال الأمريكي بأن المشكلة هي في صدام حسين ونظامه، والادعاء انه بمجرد سقوطه يعني بدء عصر من (الأفراح والليالي الملاح) للعودة ببغداد إلى أساطير ألف ليلة وليلة، وإنقاذ الشعب من حروب الزعيم!
الحرب مستمرة لأن الهدف لم يكن رأس صدام، إنما رأس العراق، ولم يكن هوية النظام البعثية، إنما هوية العراق العربية، وحتى تتحقق أهداف الاحتلال من الطبيعي أن تستمر الحرب 5 سنوات وربما خمسة أخرى مقبلة، لأن المعركة أصبحت مع الشعب العراقي دفاعا عن وجوده وهويته وكرامته.
تلهث إدارة بوش الآن في أشهرها الأخيرة من اجل قطف ثمار حربها الاستعمارية وذلك على ثلاثة محاور:
1 - استقرار أمني يؤسس لاستمرارية الوجود العسكري الأمريكي الدائم.
2 - الإبقاء على حكومة مركزية ضعيفة في بغداد يتنازع السلطة معها أمراء الطوائف وشيوخ العشائر.
3 - فرض معاهدة أمنية واتفاقية نفطية مع هذه الحكومة تكرس عهداً طويلاً من استغلال النفط والهيمنة عليه إنتاجاً وتسويقاً لتوظيفه في خدمة الإمبراطورية الأمريكية في عالم يشتد فيه الطلب على مصادر الطاقة.
ولأن هذه المحاور وجدت من أجل خدمة الولايات المتحدة و"اسرائـيل" فأن مقاومتها ستتواصل، الأمر الذي يعني استمرارية الحرب بحيث تغدو مشاهد أرتال الجنود الأمريكيين التي تحاصر وتقصف مدن وقرى العراق مشهداً دائماً، فالحرب القذرة لن تحقق أغراضها من دون إخضاع العراقيين بالقوة.
أما محاولات فرض معاهدات أمنية ونفطية فأنها تكشف جهل إدارة بوش في تاريخ العراق وشعبه، لقد بُني التاريخ الحديث لهذا البلد على خبرة طويلة من إسقاط المعاهدات في ثورات شعبية، في عام 1922 اسقط العراقيون أول معاهدة فرضها الاحتلال الانجليزي على بغداد، ثم حدث ذلك لمعاهدة 1930 وفي عام 1948 اسقطوا "معاهدة بورتسماوث"، وفي عام 1958 أسقطت معاهدة "حلف بغداد"، فكيف سيقبل العراقيون بمعاهدات قامت على وقائع حرب بوش التي بنيت على الأكاذيب، وتعمدت تدمير هياكل الدولة، وأدخلت البلاد في أرقام قياسية فلكية على المستوى الدولي من حيث معدلات القتل وعدد التفجيرات وأرقام الهجرة والتهجير.
ويبدو أن الجانب الوحيد الذي لجأ إليه المحتلون للتاريخ للاستعانة به، هو ما قام به العميد الأمريكي ألن كينغ (رئـيس مكتب شؤون القبائل في الجيش الأمريكي بالعراق) عندما ساعد على قيام (مجموعات الصحوة) القبلية في العراق ابتداء من عام 2007، معتمدا على تقرير بريطاني وضع في عام 1918 بشأن الشؤون العشائرية والقبلية في العراق (عن الاندبندنت).
لكن ما يتجاهله العميد ألن، أن التقرير البريطاني لم يمنع انفجار ثورة العشرين التي استندت إلى العشائر العراقية، ومع أن الانشقاق والتنافس بين العشائر - كما هو حال مجالس "الصحوة" الآن - قد ساعد الاحتلال البريطاني في القضاء على ثورة العشرين إلا أنه أسس بالمقابل أرضية صلبة للحركة الوطنية العراقية مما جعل العراق (بروسيا) العرب في القرن الماضي حيث تحول إلى هدف لحروب القوى الاستعمارية والامبريالية والطامعة.
باختصار، سياسات "فرق تسد"، التي يقوم بها الاحتلال مضافاً إليها سياسة فرض المعاهدات والاتفاقيات ستقود حتماً إلى إعادة ولادة الحركة الوطنية العراقية الواحدة وهو ما على الأمريكيين مواجهته طوال عقود إن لم يرحل الجيش الأمريكي بأسرع وقت وإن لم يتوقفوا عن فرض معاهداتهم واتفاقياتهم لنهب ثروة العراق.
* رئيس تحرير صحيفة (العرب اليوم) الأردنية 18/3/2008