عندما يتكلم بوش نتذكر ولا ننسى
طاهر العدوان *
لم يترك بوش الذكرى الخامسة لغزو العراق من دون الإصرار على ترديد جملة الأكاذيب التي خدع بها الأمريكيين من أجل جرهم إلى أقذر حرب في القرن الجديد، لكن مع ذلك كان هناك مكان للصدق في خطابه أمس بهذه المناسبة، مثل قوله بأن تكلفة الحرب ستكون أقل بكثير من المكاسب الاستراتيجية التي ستحققها، صدق من النوع الذي يكشف "ما في نفس يعقوب"!.
فما هي هذه المكاسب التي استحقت إنفاق 3 تريليونات دولار على مدى خمس سنوات، وما هي العوائد التي تستحق أن يقتل فيها أربعة آلاف جندي أمريكي وأكثر من 30 ألف جرحى بإعاقات دائمة؟!.
البحث عن الجواب لا يحتاج إلى كثير من العناء، فكل كلمة في خطاب بوش تدل على صدق الاتهامات التي طالما واجهه بها أعداء وخصوم هذه الحرب وهي:
1 - إن الموضوع لم يكن "تحرير" العراقيين من حكم صدام حسين، إنما إسقاط هذا الزعيم من أجل تحطيم أهم وأقوى بلد عربي في المشرق، وذلك خدمة لأمن "اسرائيل"، قال بوش أمس "لقد أوقفنا بإسقاط صدام إمداد "الانتحاريين" في الأراضي المقدسة بالأموال" أي أن أحد أهداف احتلال العراق كان إخراجه بالقوة، وبالدم والحديد، من دائرة الصراع العربي - الصهيوني.
2 - لم يكن هدف الاحتلال إقامة الديمقراطية في العراق، إنما إعادة إحياء أبشع ما في بطون التاريخ من فتن وأحقاد سوداء من أجل تقسيمه، وتمزيق صفوفه، لتحويله إلى بلد لا حول له ولا قوة حتى يمهد الأرض لإقامة طويلة لاستعمار عسكري مباشر يضع ثروته النفطية تحت رحمة الشركات الأمريكية بأساليب النهب والسطو والفساد المنظم.
بوش لا يريد أن يلتفت إلى الوراء، وهو يحث الأمريكيين عشية الانتخابات في بلاده على النظر إلى المستقبل البعيد، لتلمس عوائد وفوائد احتلال العراق على الاقتصاد الأمريكي ومكانة أمريكا و"اسرائيل" في "الشرق الأوسط".
لكننا، في هذه المنطقة، عراقيون وعرب لا يمكن أن ننسى ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة، إنها سنوات تقدر بقرن من الزمان لما جرى فيها من فظائع وأهوال استبيحت فيها كرامة العراق وشعبه، وفي الذكرى الخامسة لهذه الحرب الإجرامية، لن ننسى أن إدارة بوش أطلقت مرتزقة "بلاك ووتر" للفتك بمدينة الفلوجة البطلة.
ولن ننسى انتهاكات معتقل أبو غريب وصور العار والخزي لجنود "قلعة الديمقراطية" وهم يمارسون سادية وحشية في تعذيب الرجال والنساء من أبناء العراق واستباحة أعراضهم وكرامتهم.
ولن ننسى أن العراق كان دائماً بلد تعايش ومصاهرة بين جميع طوائفه، وكيف تحول "بفضل" الاحتلال إلى ساحة "للقاعدة" وكل الأفاعي السوداء التي انساقت إلى معارك طائفية قذرة، ثم كيف تحول بلد الخيرات وأرض الرافدين إلى وطن لاجئين ومهجرين وإلى أكبر مقبرة جماعية في خمس سنوات.
* رئيس تحرير (العرب اليوم) الأردنية 20/3/2008