إلى متى سيطول ليل العرب!؟

د. حسن طوالبة

إننا في سبات عميق لا نعرف متى تفيق منه ومتى نملك من القوة ما يكفي للدفاع عن أنفسنا.

شاءت حكمة الله تعالى أن يكون الليل سكنا وراحة للإنسان، ففيه يبيت الإنسان ويخلد إلى النوم بعد النعاس، والمفروض أن ينهض نشيطا قويا بعد أن يكون قد أخذ قسطه من النوم والراحة، ولكن بعض الكسالى الذين يطيلون نومهم ويصلون الليل بالنهار في سبات عميق، يفيقون كسالى غير قادرين على العمل الجسدي أو التفكير الذهني، واستخدام العقل إلى آخر مدياته في الخلق والابتكار والإبداع.

ولكن يبدو أن ليل العرب قد طال ومضى عليه حوالي ثمانية قرون منذ أن سقطت بغداد على يدي هولاكو عام 656هـ 1258م، وحوالي ستة قرون منذ أن سقطت الأندلس عام 1492م، وقد خضع العرب إلى سلطات أجنبية غربية وشرقية وتمت استباحة أرضهم من أقوام غربية مثل الفرس مشرقاً واليونان والرومان غرباً ثم خضعوا لحكم إمبراطوريات الشر الغربية (بريطانيا، فرنسا، البرتغال، ايطاليا..).

كما خضعوا للحكم العثماني أربعمئة سنة، كان مقدمة لتقسيم بلاد المشرق العربي حسب اتفاقية (ساكيس بيكو) وسلب فلسطين وإقامة وطن لليهود فيها.

ورغم كل نضالات الشعب العربي ضد الوجود الاستعماري الغربي الذي فرضته اتفاقية (ساكيس بيكو)، وتحرر البلدان العربية من الاحتلال الأجنبي المباشر، إلا أنها ظلت تابعة للقوى الأجنبية - وتأتمر بأوامرها، أو تسير في خطها السياسي والاقتصادي.

كان هم القوى الغربية قديماً وحديثاً إجهاض أية محاولة عربية لتحقيق وحدة قطرين عربيين، أو أكثر، وتقف ضد كل محاولة للنهضة والتقدم في مجالات العلم والاقتصاد والثقافة، وتجسيدا لهذا التوجه فقد أوجدت القطريات العربية التي تطور مفهومها من قطريات جغرافية إلى قطريات اقتصادية وأمنية وسياسية، وتعززت هذه القطريات بعقلية قطرية متخندقة داخل أسوار عالية ترفض الحوار أو التعاون مع بعضها بعضا، ولو كان على حساب مصالح وحياة أبنائها.

وخلال العقود الماضية لم تتمكن القطريات العربية من تحقيق أي جانب من جوانب الأمن، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الأمن الوطني، وحتى أمن السلطة وظلت السلطات القطرية الحاكمة مكتفية بمكاسبها في البقاء فوق كراسي الحكم، من دون أن تسعى حقاً إلى تأمين أمن بلدانها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

ويبدو أن شهوة السلطة حولت حركات التحرر المعروفة في بلادنا العربية، وكذلك الأحزاب المعروفة، إلى سلطات حاكمة استهوتها السجادة الحمراء، وعزف السلام الجمهوري أو الملكي أو السلطاني أو الأميري، وتحول المناضلون إلى حكام، وحولوا المبادئ إلى شعارات، فخمدت البنادق وأغمدت السيوف، وطارت الكلمات بكل لغات العالم، ظناً منهم أن الآخرين سوف يسمعونهم أو يستجيبوا لمطالبهم.

ولأن القطريات لم تستطع أن تستجيب لمشكلات العصر وتحدياته، فقد انعكست نتائج سياساتها على المواطنين، فانشغلوا بهمومهم المعاشية اليومية، ولكثرة هذه الهموم تبلدت مشاعرهم وتجمدت في إطار الأجساد الذاوية، وخفت صوت الرأي العام وصمت الشارع العربي، فما عادت الدماء النازفة من أجساد الرجال والنساء والأطفال في شوارع غزة ونابلس وجنين وبغداد وبعقوبة والرمادي والموصل والفلوجة وفي بيروت والبقاع والجنوب أو في السودان أو الصومال، ما عادت تستثير هذا المواطن المهموم والمفزوع من الغد ومن الآتي فيه.

مجازر دامية في غزة أشبه بـ"الهولكوست" على أيدي النازيين الجدد، دماء غزيرة تسيل في شوارع غزة وجباليا، دماء متفجرة في مدن العراق، بوارج أمريكية تبحر قبالة شواطئ لبنان وسورية، أساطيل أمريكية تتكدس في مياه الخليج العربي، دماء تنزف في شوارع مقديشو في الصومال، وآهات وفظائع في دارفور، تفجيرات في بيروت ودمشق تودي بحياة سياسيين لبنانيين من كلا الفريقين المتناحرين (الموالاة والمعارضة)، وبلد يعيش من دون رئـيس منذ ثلاثة أشهر، والقمة العربية المقبلة نهاية الشهر الحالي في دمشق مرهون انعقادها بدعوة لبنان لحضورها برئـيس منتخب أو برئـيس وزراء حالي، مشهد دراماتيكي متسارع، صارت كل وسائل الإعلام عاجزة عن مواكبته، وتوقع نتائجه.

بعد المجازر الصهيونية ضد أبناء قطاع غزة، التي لم تستثن الأطفال والنساء والبيوت المدنية، تتناثر التصريحات الباهتة من هنا وهناك، والقوى العربية القطرية تحمل المجتمع الدولي مسؤولية ما يحدث في غزة.

صحيح أن القوى الدولية الاستعمارية مسؤولة عما جرى ويجري في بلادنا، ولكن هذه القوى تسير وراء مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في العالم، فالزعماء في هذه البلدان الاستعمارية مخلصون لبلادهم يفعلون ما يعود عليها بالخير والمنفعة، ولكن اللوم يقع على صاحب العلاقة، كل ما جرى في الشارع العربي، هو تظاهرات في مخيمات الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن، والشارع الوحيد الذي تحرك حتى الآن هو الشارع الموريتاني على شواطئ المحيط الأطلسي، والشارع العربي يحمل الحكام العرب مسؤولية ما يجري، وبعضهم يحمل السلطة الفلسطينية مثل هذه المسؤولية، رغم أنها جمدت المفاوضات مع حكومة العدو الصهيوني.

إن كل ردود الفعل العربية - حتى الآن - والدولية ممثلة في مجلس الأمن وبيانه الذي ندد بالمجازر، لم تحرك قيد أنملة من مسار "حكومة أولمرت" وعزمه على مواصلة العمليات العسكرية في قطاع غزة بدعوى حماية اليهود من صواريخ لمقاومة الفلسطينية، ويبدو أن "اولمرت" ووزير دفاعه "ايهود باراك" يريدان من هذه المعركة، إعادة الثقة إلى الجنود والضباط الصهاينة بعد هزيمتهم في حرب لبنان عام 2006، وكذلك القضاء على حركة (حماس)، وتدمير القطاع وخلق أجواء فوق الأرض تمهد لطرح فكرة إعادة القطاع للرعاية المصرية وإشرافها، ومثل هذا التوجه يلقى مقاومة كبيرة من القوى الفلسطينية الفاعلة في القطاع، إلا أن كل المشاهد الآنف ذكرها تؤشر حجم الفوضى التي تكتنف الوضع العربي كله، وتقع تحت إطار الخطة الأمريكية (الفوضى الخلاقة) تمهيدا لتقطيع أوصال البلدان العربية مجددا حسب القوميات والأعراق والطوائف، أي تنفيذ (سايكس – بيكو جديدة) أكثر مأساوية، لأن مثل هذا التقسيم سيقود إلى اقتتال قد يطول أمده.

مثل هذا المشهد المأساوي الذي تعيشه القطريات العربية، هو التعبير الدقيق عن السبات العميق الذي يلف الحياة في الواقع العربي الراهن، ومع ذلك يتساءل البعض ألا يستدعي كل ما يجرى عقد لقاء قمة بين الزعماء العرب؟ أم أن هذه الأجواء المشحونة بالتوتر لا تشجع عقد مثل هذه القمة...؟ لأن البعض يعتقد أن القمة يجب أن تنعقد في أجواء مريحة يسود المجتمعين الوئام والانسجام والمحبة، لكي تخرج بقرارات فيها الإجماع بدل الخلاف والاختلاف في المواقف، وكل الأنباء المسربة تقول بعدم حضور عدد من الزعماء العرب قمة دمشق، وخاصة زعيمي مصر و"السعودية"، وعدم حضورهما سوف يدفع آخرين إلى عدم الحضور وبالتالي سيكون الفشل مصيرها، لأن مفهوم القمة هي قمة الزعماء من ملوك ورؤساء وأمراء وسلاطين، وليس وزراء خارجية أو مندوبين من أي مستوى.

إننا نعيش اليوم في سبات عميق لا نعرف متى نفيق منه ومتى ننهض أقوياء نداوي جراحنا ونستعد للدفاع عن أنفسنا؟! إننا بانتظار المنقذ فهل سيظهر من بين صفوفنا...؟.