ماذا يُريد عزة الدوري من الإعلاميين العرب؟

د. حسن طوالبة - كاتب وباحث من الأردن

قبل شهر نشرت صحيفة (الصوت) التي تصدر باسم (الوطنيين العراقيين الأحرار) التي يرأس تحريرها مؤيد عبد القادر، رسالة من عزة الدوري (أبو احمد) إلى الإعلاميين العرب يدعوهم إلى فضح أساليب التضليل والتزوير والخداع التي يمارسها المحتل الأمريكي وأعوانه.

رسالة طويلة، فيها معلومات وآهات، ونقد ولوم، وتوجيه واستنكار للقوى والعقول العربية، كي ترفع صوتها بالحق والانتصار للمقاومة العراقية، ليس للدفاع عن العراق فحسب بل للدفاع عن أوطان العرب وكرامتهم وحريتهم، وخص بالذكر الإعلاميين في فصائل المقاومة أولاً والإعلاميين الوطنيين والقوميين واليساريين والإسلاميين في الوطن العربي، للاضطلاع بمهماتهم التاريخية في فضح جرائم الأعداء المحتلين وأعوانهم، وكشف التضليل والخداع والتزوير الذي تمارسه قوات المحتلين،

ودعا الإعلاميين بان يترفعوا عن الشتائم، ويركزوا على وحدة البندقية ووحدة الكلمة المقاتلة الرافضة للاحتلال، وكذلك التركيز على قيم الجهاد الدائم الشامل العميق حتى التحرير.

وأوضح الدوري في رسالته المطولة، ما قدمه شعب العراق ومناضلوه من تضحيات مادية وروحية، بما لا يحده حد، ولا يعده عد، ولا يستوعبه التاريخ جملة واحدة، لا زمانا ولا مكانا، وسيبقى المؤرخون أصدقاء وأعداء ومحايدين يختصمون في كتابته وتدوينه كما وقع وحصل. وسيخطئ الكثير منهم ويظلم نفسه ويظلم التاريخ ويظلم الشعب والأمة العربية، إذا لم يبادر المثقفون العرب إلى وضع معالم وضوابط وإطار عام واضح المعالم لمسيرة التدوين والتوثيق.

ومن مهمات التوثيق تدوين تضحيات شعب العراق، خلال مسيرة السنوات الماضية والسنوات المقبلة وكذلك تدوين خسائر الأعداء المادية والبشرية والمالية.

وقد أورد الدوري في رسالته أن عدد شهداء العراق بلغ خلال السنوات الخمس الماضية مليونا وثلاثمئة ألف، منهم 120 ألفاً من المنتمين إلى حزب البعث، وآلاف من كوادره القيادية. كما تجاوز عدد المشردين والمهجرين في داخل العراق وخارجه ما يقرب من خمسة ملايين إنسان، إضافة إلى ألوف المعتقلين في سجون قوات الاحتلال والسلطات العراقية المتعاونة مع المحتلين. كما دمر المحتلون معالم العراق الحضارية والثقافية، والمنشآت الصناعية الخفيفة والثقيلة، خاصة المصانع العسكرية، ولم تسلم معامل حليب الأطفال من التدمير والنهب.

نقد ولوم وحسرة

لقد أبدى الدوري في رسالته الكثير من اللوم والنقد والحسرة على موقف النظام العربي الرسمي ازاء الاحتلال وأعوانه، وإزاء المقاومة العراقية المسلحة ضد الاحتلال، وبعد خمس سنوات ما زال الصراع قائما ومحتدما ومتصاعدا بين فريقين، الفريق الأول الذي يملك كل وسائل التدمير والهدم والتخريب والقتل والترويع والتشريد المادية والنفسية، وبين فصائل تملك إرادة القتال والجهاد دفاعا عن الوطن وتحريره من المحتلين الغزاة، وهذا الفريق لا يملك إلا الإيمان بالله القوي العزيز وإرادة البطولة والفداء والتضحية والاستشهاد، يجري هذا المشهد منذ خمس سنوات والنظام العربي الرسمي يقف موقف المتفرج أو المؤيد أو الداعم إلا ((من رحم ربي))، كما انسحب هذا الموقف إلى الجماهير وأحزابها ومنظماتها فغرقت في سبات عميق، وصار دورها دور المتفرج المحايد.

والمقارنة بين هذه المواقف في الجانب العربي، ومواقف شعوب دول العدوان الغربي، تبعث على الأسى والحسرة، اذ ان هذه الجماهير وقفت ضد سياسة حكامها العدوانية وطالبت بانسحاب قواتها من العراق، وأعلت صوتها ضد جرائم المحتلين، انتصارا لإرادة الشعب الذي يجاهد من اجل حرية بلده وتخليصه من نير الاحتلال.

ان السكوت على جرائم المحتلين، والسكوت على بقاء الاحتلال في بلد عربي كبير، بلد غني بثرواته، كبير بشعبه وعلمائه، سوف يقود إلى نتائج كارثية على جميع العرب، ولو نجح المحتلون في السيطرة على العراقيين منذ العام الأول، ولو لم تكن المقاومة بالمرصاد، لكان المحتلون قد نفذوا أجندتهم الاستراتيجية في المنطقة كلها، وتم احتلال بلدان أخرى، حسب ما كان مقررا، أي إسقاط ستة أنظمة عربية.

ولو لم تكن المقاومة بهذا الحجم وهذا الجهد والتأثير، لكانت إيران أحد أهداف الإدارة الأمريكية الملحة، كما هو هدف الكيان الصهيوني، فالمقاومة مرغت انف المحتلين في وحل المستنقع العراقي، فأزهقت أرواح ألوف الجنود الأمريكان بين قتيل وجريح إضافة إلى الخسائر المادية في الطائرات والدبابات والعربات، والخسائر المالية التي تقدر بمئات مليارات الدولارات.

أن أحد مفاتيح النصر في العراق، هو فضح أضاليل وخداع الدعاية الأمريكية، والتستر على جرائم قوات الاحتلال، ومخالفتها لأبسط القوانين الدولية، فهذه القوات لم تمارس ابسط ادوار وواجبات المحتل، وهي الدفاع عن أرضه وشعبه وتأمين الحماية له. فهذه القوات لم تستطع حماية نفسها، فكيف تحمي أبناء العراق الذين يشكون دائما من فقدان الأمن والأمان، وبالتالي لم يتحقق أي انجاز ملموس يخدم المواطنين، ومن مفاتيح النصر المتقدم خطوات جادة لتوحيد فصائل المقاومة العراقية، بكل توجهاتها العقائدية القومية والدينية، وانتخاب قيادة عسكرية وقيادة سياسية وإنشاء وسائل إعلامية مقاتلة، تكون مصدراً رئيسياً لكل وسائل الإعلام في الوطن العربي وفي العالم، كما لا بد من التوجه نحو تنظيم أبناء الشعب في منظمات واتحادات ونقابات وجمعيات تأخذ دورها في مثيلاتها في الوطن العربي، وتكون الممثل الحقيقي لإرادة الشعب العراقي بعربه وكرده، وبكل أطيافه الدينية والمذهبية والقومية، وتكون هذه المنظمات نواة سلطة الثورة بعد النصر، ودحر قوات الاحتلال.

فالنظرة إلى المستقبل بأفق قومي يسوده التسامح والصفاء، هي التي تجمع الأنصار والمؤيدين باتجاه تغيير الأوضاع الراهنة وإعادة العراق قويا إلى حظيرته العربية والدولية والإسلامية، وبهذا كله فأن كل الأقلام الحرة والشريفة هي مع المقاومة العراقية حتى النصر والتحرير.