السبيل لإنقاذ الأجيال من اليأس
د. حسن طوالبة - كاتب وباحث من الأردن
من طبيعة البشر أنهم مسكونون بالأمل، لأن الأمل إكسير الحياة، ويقابل الأمل.. اليأس، الذي يعني انتهاء الشوط، وكثيرون يرون أن القابل من الأيام ستكون أفضل من الخوالي، نظرا لأن مرور الزمن يزيد من خبرة الناس، ويرفع مقامهم الوظيفي والمالي، ومثل هؤلاء هم الذين لا يرون في حياتهم منغصات مادية أو مرضية عارضة أو مزمنة، أما الصنف الآخر من الناس فأنهم لا يرون في قابل الأيام خيرا وسعادة أكثر مما مر في حياتهم.
ويبدو أن حالة اليأس صارت سمة عامة في حياة أبناء الأمة، لكثرة ما أصابهم من انتكاسات في حياتهم الخاصة أو مسيرة الأمة بعامة، وهؤلاء يرون الأيام والشهور والسنين تمر ببطء شديد، لأنها مملوءة بالألم والحسرة، ومن هؤلاء أبناء شعبنا العربي في فلسطين والعراق والسودان والصومال، وكذلك هو حال المسلمين في معظم بلدان العالم مثل أفغانستان وباكستان وكشمير وغيرها.
ونظرة سريعة على المشهد الدراماتيكي في البلدان العربية والإسلامية، تفيد صورة الحال التي تبعث على اليأس من وجود ضوء في نهاية النفق، في قطاع غزة يعيش أبناء القطاع داخل أسوار الحصار الذي فرضه الصهاينة النازيون الجدد، الذين أشعلوا نار المحرقة في قرى ومدن القطاع، ذهب ضحيتها أكثر من 130 شهيدا ومئات الجرحى، وهدمت مئات البيوت والمحال التجارية والمؤسسات الاقتصادية والسيارات الخاصة والعامة، إضافة إلى تجريف المزارع وقطع الأشجار وتخريب البنى التحتية، وهؤلاء المواطنون باتوا في حالة ضياع وأمام طريق مسدودة. ويتساءل معظمهم إلى متى هذه الحالة في بقعة جغرافية معزولة عن العالم، إلا من خلال بوابة يتم فتحها بالمناسبات المحدودة، ويعيشون في ظل حكومة تقول أنها شرعية، والطرف المقابل يرى أنها حكومة انقلابية وغير شرعية بل هي حكومة متمردة، ولا بد من عودتها وعودة القطاع إلى حضن السلطة التي ترى أنها شرعية بنظر دول الإقليم العالم.
إن مسألة اليأس والتفاؤل في حالة قطاع غزة أو العراق أو الصومال أو في لبنان، حالة نسبية تؤثر فيها المنطلقات النظرية والعقائد الدينية والمادية، فما يراه الفرد هنا أو هناك تفاؤلا يراه الآخر تشاؤما، ولكن في أوضاعنا العربية صار اليأس حالة عامة، لأن الأطراف السياسية المتناقضة والمتصارعة في معظم البلدان العربية تعتقد أنها الصواب، وأنها تسير على منهج يقود إلى السلامة، وأنها تملك من الجماهير المؤيدة لها ما يؤهلها أن تأخذ مكان الصدارة في الحكم والسلطة السياسية، في فلسطين حكومتان تقول كل واحدة أنها هي الحكومة الشرعية، ولا تعترف كل واحدة منهما بالأخرى، ووصل التناقض بينهما حد الاحتراب المسلح.
وفي لبنان فريقان اختار كل فريق منهما الخندق الذي يتمترس فيه، وصارت لهما تسميتان، الفريق الأول: فريق السلطة أو الموالاة، والفريق الثاني فريق المعارضة، وكل واحد منهما يتبع طرفا إقليميا أو دوليا، وقد حال الصراع السياسي الساخن بينهما دون أن يتم انتخاب رئيس توافقي للبنان، وهذا هو بلد عربي جريح يعيش في فراغ دستوري خطير، وصارت مسألة حضور لبنان مؤتمر القمة العربي في دمشق مشكلة أمام الدولة المضيفة وأمام الأمين العام لجامعة الدول العربية، ورغم كل الجهود التي بذلها السيد عمرو موسى وبعض الأطراف العربية النافذة، فإن الفريقين ما زالا على عنادهما، ويندفعان في خطين متوازيين لا يلتقيان في نقطة معينة.
وفي العراق ما زالت دوامة العنف تحصد أرواح مئات العراقيين الأبرياء، ورغم تصريحات المسؤولين في السلطة عن قرب التوصل إلى "مصالحة وطنية"، إلا أن تصريحاتهم أشبه بكلام الليل يمحوه النهار، ومنذ سنوات الكل يقول لا أمل بتهدئة الوضع في هذا البلد المحتل، إلا بمصارحة تسبق المصالحة بين كل الأطراف العراقية، ولكن أركان السلطة الذين يعيشون بعقد الماضي وثارات الطوائف يماطلون في الاستجابة لمطالب الصادقين والمخلصين من العرب.
من صور هذه المشاهد يمكن الحكم على الموقف الشعبي من قضايا الأمة المصيرية، وكان آخر مشهد هو المحرقة في قطاع غزة على أيدي الصهاينة النازيين الجدد، إذ أن رد فعل الجماهير كان محدودا لا يتعدى بعض المسيرات المتواضعة في عدد من المخيمات وبعض المدن، وأنا أشاهد حجم المسيرات أو المظاهرات في بعض المدن، تقفز إلى ذاكرتي تلك المظاهرات التي كانت تخرج انتصارا للمجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد عندما كانت تعذب في معتقلات الفرنسيين، حيث كانت النساء يتصدرن المظاهرات، وتسير فيها عشرات الألوف، في حين لا يتجاوز عدد المتظاهرين احتجاجا على محرقة غزة مئات من كبار السن وقلما تجد الشباب ينخرطون في هذه المظاهرات، بل صارت المظاهرات لوحة فلكلورية تشد الأجيال الجديدة لاستلال هواتفهم الخلوية لتصوير المتظاهرين كونهم يشكلون لوحة تستحق أن يخزنها الشباب في أرشيف هواتفهم.
إن مثل هذا المشهد المؤلم المضحك لحال شباب اليوم، ألا يستحق التوقف عنده؟ ألا يستحق أن نتوقف عند موضوع التربية الوطنية..؟ ماذا نريد من الشباب..؟ هل نريدهم أن ينخرطوا في العمل السياسي من خلال الأحزاب والاتحادات والجمعيات..؟ أم نريدهم ديكورا من ديكورات العولمة الثقافية؟!
أعتقد أن ابتعاد الشباب عن قضايا الأمة وانشغالهم بإفرازات العولمة الاقتصادية والثقافية، سيقود إلى ضياعهم، وابتعادهم عن خانة الولاء للوطن وهموم الأمة.
إن انزواء الشباب وعزوفهم عن المشاركة في العمل الجماهيري لا يخدم الوطن ولا النظام السياسي فيه، ويقود في النهاية إلى حالة اليأس من جدوى العمل السياسي، وبالتالي اليأس من جدوى الحياة والعيش في الوطن، فهل نسعى إلى زرع الأمل في نفوس الشباب وطرد اليأس منها؟.