بعد 5 سنوات.. من المنتصر؟

د. حسن طوالبة - كاتب وباحث من الأردن

لقد قرر الرئيس الأمريكي في الذكرى الخامسة لغزو العراق، أنه هو المنتصر، وأن قواته حققت انجازات كبيرة على طريق مقاومة الإرهاب في العالم.

نعم أن بوش وأعوانه من "المحافظين الجدد" المتطرفين قد انتصروا لأنهم سيطروا على نفط العراق أولاً، وسيطروا على ممرات النفط في مياه الخليج العربي ثانياً، وأنهم ضمنوا أمن الكيان الصهيوني من الخطر الذي كان العراق يشكله عليه في عهد نظام الرئيس الشهيد صدام حسين.

ولكن بوش الذي ينطلق هو وأعوانه المحافظين من عقلية توراتية، ومن مصالحهم الخاصة في تنمية شركات النفط، لم يعيروا بالاً لألوف القتلى الأمريكيين الذين سقطوا خلال السنوات الخمس الماضية، ولعشرات ألوف الجرحى والمعاقين جسدياً ونفسياً، ولبلايين الدولارات التي تم هدرها على حرب عدائية عبثية ضد شعب عربي، وضد بلد عربي مركزي، كما أنه لم يعبأ لصيحات المحتجين داخل الولايات المتحدة وفي عواصم العالم، على هذه الحرب وعلى الاحتلال الذي أضر بسمعة الولايات المتحدة عالمياً.

صحيح أن "المحافظين الجدد" نفذوا خطتهم القديمة الجديدة في بداية قرن جديد، يسمى "القرن الأمريكي"، أي أن تكون الولايات المتحدة هي القطب الأوحد في العالم، بعد نظام القطبية الثنائية الذي دام قرابة نصف قرن، وقد حققوا خطوة مهمة من خلال احتلالهم العراق، الذي يشكل قلب العالم القديم، والغني بموارده النفطية والمعدنية الأخرى، ومن خلاله يمكن السيطرة على الإقليم سيطرة تامة، إذ تضمنت خطة "المحافظين الجدد" إسقاط ستة أنظمة عربية وإقليمية، إذ كانت سورية وإيران ومصر من الدول المرشحة للسقوط وإخضاعها للإدارة الأمريكية، ولكن المقاومة العراقية الوطنية، أوقفت هذا المخطط وأفشلته، بفضل صمودها طيلة السنوات الخمس الماضية.

وعندما يتم اتهام سورية وإيران، بدعم بعض فصائل المقاومة في العراق، فأنهما يدافعان عن نفسيهما في ساحة أخرى هي ساحة العراق، وبالتالي فإن للمقاومة فضلاً كبيراً في إيقاف مخطط إدارة بوش العدواني ضد دول المنطقة بعد العراق، وكان بإمكان الأقطار الأخرى أن تقف موقفاً ايجابياً من المقاومة العراقية في إطار الدفاع عن الذات، ولكن للأسف الشديد فأن حكومات دول الإقليم لم تجرؤ على إعلان موقف إيجابي من المقاومة، ولو من خلال الإعلام، ولاسيما أن الإعلام الغربي الذي لعب دوراً كبيراً في التمهيد للعدوان من خلال سلسلة الأكاذيب والأضاليل المتعمدة للرأي العام العالمي، وإيهامه أن نظام صدام حسين "يشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين"، وأنه "مصدر للإرهاب"، وله علاقة مع "تنظيم القاعدة"، وهذا هو دأب الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام الغربية، فأنهم يضعون الأمن والسلم الدوليين مثل عكاز يتوكؤون عليها، لضرب أية جهة في العالم تعارض سياستهم أو يُحتمل أن تكون ذات قيمة في ميزان "النظام الدولي الجديد".

وكما كان الرئيس الشهيد صدام حسين ومن قبله طالبان يشكلان "مصدر خطر على الأمن والسلم الدوليين"، فأن رئيسة الكونغرس "البرلمان" تدعي أن "أحداث التبت تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين" في محاولة للإضرار بالصين وسمعتها الدولية.

وعندما حققت الحملة الدعائية أغراضها وحرضت العالم ضد صدام حسين ونظامه وتم إسقاطه ومن ثم تقديمه للمحاكمة الشكلية وإعدامه، عادت كي تعلن خطأ ما روجت له من قبل، وتعلن عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق وأن صدام حسين كان على خلاف مع ابن لادن، وتتقاطع أفكاره مع أفكار "القاعدة"، ومنذ خمس سنوات الإعلام الغربي يشوه صورة المقاومة العراقية، ويخلط الأوراق فيما بين المقاومة و"تنظيم القاعدة" بكل المليشيات التي مارست العنف المسلح من منطلقات طائفية وعقد تاريخية قديمة.

وعليه فأن المقاومة العراقية تدخل عامها الخامس من مسيرة الجهاد، بقواها الذاتية واعتمادها على جهد وعقل المجاهدين الذين يبتكرون الأسلحة المضادة للآليات الأمريكية، تدخل عامها الخامس من دون أن تسمع كلمة تشجيع أو ثناء على فعلها الجهادي من دول الإقليم العربي، إما خوفا من غضب الإدارة الأمريكية أو مداراة لها، وتعاطفاً معها.

وعلى الصعيد الداخلي، فأن المشهد العراقي ما زال منقسماً بعد خمس سنوات وما زالت دماء العراقيين تنزف من دون جدوى في أعمال عنف بهدف خلط الأوراق، وعدم تسليط الأضواء على فعل المقاومة الوطنية الشريفة ضد قوات الاحتلال، فأتباع السلطة الذين يقبعون في "المنطقة الخضراء"، سعيدون ببقائهم فوق كراسي الحكم، ويتمتعون بخيرات العراق، بعد أن فتحوا حسابات في بنوك العالم، وأركان السلطة التي تحكم بسلطة قوات الاحتلال، ويتحركون تحت حمايتها، يعددون الانجازات تلو الانجازات، وفي مقدمتها إقرار "الدستور" الذي قسم العراق جغرافياً وبشرياً، وإجراء انتخابات أفرزت محاصصة طائفية في البرلمان وفي الحكومة، ولكن واقع الحال أشر استئثار فريقين بمقاعد الحكومة وبالقرار الرئاسي في العراق، ويتكلمون عن مصالحة فيما بين أركان السلطة القابلين بالاحتلال، والمستعدين لإقرار اتفاقية تجير بقاء قوات الاحتلال لسنوات طوال ويتحدثون عن مصالحة من خلال مؤتمرات يحضرها المتفقون على نهج الاحتلال، ويتم استبعاد الذين يمكن أن يعكروا صفو أركان السلطة وهو نهج إقصائي للآخرين، بهدف الاستئثار بالسلطة وبخيراتها.

يتحدثون عن الحرية والديمقراطية، وهم يمارسون أشد وأقسى أنماط التسلط تحت مظلة الديمقراطية، فالإقصاء والاستبعاد والطرد والاعتقال والاضطهاد الذي تمارسه قوى السلطة ضد أبناء العراق، هو أشد أنواع الديكتاتورية، ولكنها ديكتاتورية مرضي عنها من قبل الإدارة الأمريكية.

ورغم إطلاق سراح عدد من المعتقلين الذين تم اعتقالهم بناء على وشايات من طرف بعض المغرضين والحاقدين، فقد ثبت أنهم اعتقلوا لمدد طويلة من دون محاكمة أو أدلة تدينهم، وقد تعرضوا للتعذيب بتهم انتمائهم للمقاومة أو أنهم ينتمون إلى حزب البعث أو أنهم من مناطق كانت "تؤيد النظام السابق" وما زال في معتقلات الأمريكيين وسجون السلطة عشرات الألوف من الأبرياء.

يتحدثون عن الاستقرار والأمان والأمن الاجتماعي، وهناك أكثر من مليون عراقي تم قتلهم خلال السنوات الخمس الماضية، وحوالي أربعة ملايين مهجر داخل العراق وخارجه إضافة إلى تدمير المصانع وبيعها (خردة) إلى دول الجوار وخاصة إلى إيران. ومن يستمع إلى الفضائيات العراقية التي تجاوز عددها عشرين محطة يلمس التناقض في روايات أركان السلطة والمعارضة، ففريق السلطة يتغنى بكلمات رئيس الوزراء وطاقمه الحكومي، وفريق المعارضة يبرز المآسي لدى أبناء العراق، من شحة الماء الصالح للشرب، ونقص مادة البنزين ومشتقات النفط الأخرى، إضافة إلى الشكوى الأساسية المتعلقة بالأمن.

إن محصلة السنوات الخمس الماضية، هي خسارة العراق في إطار المنظومة العربية، عضواً فاعلاً قوياً، وخسارة العراقيين لفرص حياة أكثر أمناً واستقراراً، وضياع فرص النمو والنهضة مثل باقي دول العالم لاسيما الدول ذات الموارد الكبيرة.

وبالمقابل استفاد حفنة من المتنفذين من أحزاب السلطة من مواقعهم في الحكومة،  فقد مارسوا كل أعمال السطو والنهب لخيرات العراق ولاسيما سرقة النفط وبيعه في الأسواق السوداء، وفتح أرصدة في بنوك العالم، فهؤلاء الذين قدموا إلى العراق تحت حراب المحتلين الغزاة، يسابقون الزمن في تأمين مكاسب على الأرض لهم ولأحزابهم.

والرابح الأكبر هم أركان الإدارة الأمريكية الذين فازوا بامتيازات النفط العراقي، والسيطرة على ممرات سفن النفط في مياه الخليج العربي والخاسر الأكبر هم العرب الذين يعانون من مشكلات خانقة سواء في لبنان أو السودان أو الصومال أو فلسطين، فقد خسروا بلداً عربياً ذا موقع جغرافي مهم، ونفوذ سياسي، وإرث حضاري كبير.